الجمعة 2016/10/21

الديمقراطية الصفوية جوّع كلابك يتبعوك

عندما وطئت أقدام الجنود الأمريكيين أرض بغداد في التاسع من إبريل \\ نيسان من العام 2003، كان أول عمل قاموا به هو تحطيم تمثال صدام حسين، كانت لحظة تاريخية، مشؤومة وحزينة للبعض، لكنها كانت سعيدة بالنسبة لآخرين، هي لحظة لو قدر لها أن تنطق لأنبأتنا بالفصول الدامية التي يعيشها العراقيون منذ العام 2003 وحتى اليوم، حيث وصل معظم العراقيين إلى قناعة تامة بأن الغزو الأمريكي لم يأت لهم بخير.

ما حدث لاحقا كشف تماما عن النوايا الأمريكية المبيتة تجاه العراق، وذلك عندما قام بريمر بالإبقاء على وزارة النفط، وحل باقي مؤسسات الدولة السيادية كالجيش والأمن، الأمر الذي أدخل العراق في حالة فوضى، سمحت لإيران أن تسيطر على العراق من خلال أتباعها، الذين بدأت ميليشياتهم بإحكام قبضتها على مفاصل الدولة، حيث سمحت الفوضى التي تسبب بها حل مؤسسات الجيش والأمن، بسرقة المتاحف، ونهب الأموال وإحتياطي العراق من الذهب والعملة الصعبة، فتشاركت قوات الاحتلال الأمريكي البريطاني مع إيران وميليشياتها في نهب كل غالٍ ونفيس.

اليهود يؤمنون بأن بقاء العراق يعني حتمية زوال إسرائيل، وأن بقاء إسرائيل يعني حتمية زوال العراق، ولهذا عملوا على تفتيته وتسليمه لإيران وقد نجحوا في مسعاهم، ولهذا فهم يحاولون تكرير نفس التجربة في الشام.

في أحدث فضيحة من نوعها، أكدت مصادر مختلفة في ديوان الرقابة المالية العراقي ولجنة المتابعة في البنك المركزي العراقي، سعي شخصيات سياسية مختلفة في بغداد وأربيل لإخفاء تلك البيانات، حيث ووفقا لتلك المصادر فإن ما لا يقل عن 20 سياسياً عراقياً بارزاً بينهم أكراد متورطون بتلقي أموال من الكيان الصهيوني، ومن جهات صنف بعضها على أنه منظمات وجمعيات إنسانية، وذلك خلال السنوات الثماني الأخيرة.

لقد كان من الطبيعي جداً أن تتسبب حالة الفوضى هذه بشل مفاصل الدولة، ليعاد تشكيلها على أسس طائفية، تقاسمت فيها الميليشيات الشيعية المناصب والمكاسب، وبطريقة سمحت لكل منها الحصول على نصيبها من الكعكة العراقية، في حين أن شريحة كبيرة من العراقيين السنة، إنخرطت في مشروع مقاومة الاحتلال الأمريكي، الذي لقي الترحيب من قبل معظم العراقيين الشيعة، ظناً منهم أن إسقاط نظام صدام حسين سيحقق لهم الأحلام الوردية، من حرية ومستوى معيشي جيد، فالتزموا فتاوى السيستاني وباقي المرجعيات الشيعية بعدم جواز مقاومة الاحتلال الأمريكي.

إستلام الميليشيات الشيعية ذات الولاء الإيراني لمقاليد الحكم في العراق، كمنظمة بدر، وجيش الصدر، وحزب الدعوة، أدخل العراق في حالة من التخبط، فأي من هذه الأحزاب والمنظمات لم تكن تمتلك الخبرة لإدارة دفة الحكم والإنطلاق بالعراق من نقطة الصفر، لا بل إن همهم كان يكمن في كيفية الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب، الأمر الذي أدخل العراق في مستنقع الفساد، فنهبت فيها الأموال المخصصة لمشاريع تطوير البنية التحتية كالكهرباء والنفط وإعادة بناء الجيش، وإنتشرت ظاهرة العقود والصفقات الوهمية.

لاحقا وخلال السنوات الخمس الأولى من الإحتلال الأمريكي للعراق، تم صرف حوالي 30 مليار دولار على قطاع الكهرباء لوحده، لكن أي تحسن لم يطرأ على هذا القطاع، بل على العكس ساءت أموره وأصبح إنقطاع الكهرباء أمرا شبه عادي في كافة انحاء العراق، حيث لا يحصل العراقيون على الكهرباء إلا لثمانية ساعات في أحسن الأحوال، اللهم عدا المنطقة الخضراء، التي يسكنها الدبلوماسيون والسياسيون وقيادة جيش الاحتلال الأمريكي.

مشروع إعادة بناء الجيش، كان بدوره وسيلة لنهب مقدرات العراق، حيث صرف أكثر من 100 مليار دولار، لكنها لم تحقق أي تقدم أو تطور ولم تستطع بناء وحدات عسكرية تعادل مستوى فرق الجيش العراقي ما قبل الاحتلال، فالسمسرة على الصفقات كانت بمئات ملايين الدولارات، حتى أجهزة كشف المتفجرات، تسببت في أكثر من فضيحة، لعل آخرها حادثة تفجير حي الكرادة في وسط العراق والذي ذهب ضحيته حوالي من 250 عراقي.

تهميش العراقيين السنة الذين كان جلهم مشغول بمقاومة المحتل الأمريكي، أسهم وإلى حد كبير في حالة الضياع التي يعيشها العراق، فكثير من الكفاءات تم إقصاؤها، وأخرى هاجرت، عدا عمن تمت تصفيتهم من علماء، وعسكريين، ورجال دين، ومثقفين، وصحفيين.

حالة الفوضى والضياع التي يعيشها العراق اليوم كانت ناجمة بالدرجة الأولى عن قرار بشرذمة العراق وتحييده، عن الصراع مع الكيان الصهيوني، وبالتالي، فإنه لم يكن هناك أي توجه أو جهد حقيقي لإعادة بناء مؤسسات الدولة، فقد كان العراق أحد أكثر دول المنطقة تقدما وحضارة، في حين أن جيشه قد تحول إلى خادم يسهر على راحة "الحجاج الإيرانيين"، بعد أن كان يعد الأقوى والأكثر خبرة، خاصة بعد حرب الثمانية أعوام مع إيران الخميني، حتى رغم الحصار الخانق الذي إستمر ثلاثة عشر عاما.

صحيح أن نظام صدام حسين كان كغيره من دول المنطقة والعالم الثالث، نظاماً ديكتاتوريا مستبداً، إلا أنه وفر للعراقيين كافة سبل العيش الكريم، حيث ندر أن تجد في العراق خريجا جامعيا لا يعمل فور تخرجه، هذا عدا عن مكافحة الفساد والرشوة والمحسوبية اللتان لم يكن صدام حسين يتهاون معهما، أما المشاريع الخدمية والحيوية فكانت مشاريع حقيقية لا يتم نهب مخصصاتها، كما يحدث اليوم على يد ميليشيات إيران الطائفية التي تتسابق في سرقة المال العام، من خلال مشاريع وهمية وعقود وصفقات فاسدة.

العراق كان ثالث أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، ما جعله مقصدا لملايين العرب الباحثين عن عمل وخاصة المصريين، حيث ذكرت بعض الإحصائيات أنه وخلال الحرب الإيرانية وما تلاها من سنين، كان هناك أكثر من خمسة ملايين مصري يعملون في العراق، الذي وفر ملجأ آمنا للسوريين الفارين من جحيم نظام حافظ الأسد، وكذلك للمهجرين الفلسطينيين.

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، عملت إيران على تغيير ديمغرافية الدولة من خلال تهجير السنة، حيث هُجِّرَ ما لا يقل عن خمسة ملايين منهم، مقابل إستجلاب أكثر من مليونا إيراني للسكن في العديد من المدن، وخاصة في الجنوب الغني بالنفط والمطل على الخليج العربي كمحافظتي البصرة وميسان، ليس هذا وحسب بل إن إيران غيرت الحدود، وقضمت مساحات كبيرة من الأرض العراقية، وقامت بسرقة نفط الجنوب العراقي من خلال الحفر الأفقي ولمسافة تقدر بعشرة كيلومترات داخل الأراضي العراقية.

إحكام إيران لقبضتها على العراق ما كان ليتم لولا إستخدام البعد الطائفي، فإيران كدولة أجنبية لا تستطيع التدخل في الشأن العراقي، لذلك أوجدت لنفسها مبررا مكنها من العبث بالعراق والعراقيين، ألا وهو حماية الشيعة وأماكنهم المقدسة ساعدها في ذلك عشرات الميليشيات الشيعية المتضادة المصالح والمتصارعة التي لا يجمعها سوى الولاء لدولة الفقيه الإيراني.

ما يجهله العراقيون الشيعة هو أن الكثير من التفجيرات في مناطقهم كانت تتم بتخطيط وتنفيذ إيراني، فقتلت المئات بل ألوف الشيعة العراقيين في سبيل خلق وتكريس حالة الرعب الطائفي، الذي دفع الشيعة للإحتماء بها من الخطر السني المزعوم، ومع هذا فإن إيران لم تقدم للعراقيين ما من شانه النهوض ببلدهم، لأنها باختصار أرادته ممزقا فاسدا وميليشياويا، كي تستطيع السيطرة عليه، فانتشرت البطالة والفساد والسرقة والمحسوبية، وتحولت الأراضي العراقية الخصبة الى قاحلة، أو مزارع للمخدرات، وزاد التهريب من إيران التي صدرت المخدرات وتجارة الجنس وما لديها من بضائع رديئة الجودة، فانتشر تعاطي المخدرات بكافة أنواعها وأشكالها، وزادت حوادث الخطف مقابل فدية، وكذلك حالات إختطاف النساء والفتيات، أما على المستوى المعيشي فقد ذكرت إحصائية صادرة في العام 2007 أن عدد العراقيين الذين يعانون من سوء التغذية، قد بلغ حوالي 7.5% من عدد السكان وهي نسبة مرعبة بالنسبة لبلد غني بالموارد كالعراق.

الفساد والإجرام لم يكونا حصراً على إيران وأتباعها، بل مارسه المحتل الأمريكي الذي كان جنوده محصنين بالقانون رقم 17 الذي أصدره بريمر في العام 2003، وهو ما شجع الجنود الأمريكيين وسمح لهم بالقتل، والسرقة، والإغتصاب، وتعذيب السجناء، كما حدث في سجن أبو غريب وغيره.

جاع العراقيون في بلد الخير، الذي تبلغ عائداته من النفط 100 مليار دولار سنويا، فارتفعت أصوات العراقيين الشيعة، مطالبة برفع يد إيران وخروجها من العراق، فهل كنا لنشهد هذا الحراك لولا قناعة هؤلاء أن إيران هي سبب مصائبهم، سيما وأنهم قد فقدوا الثقة بكافة السياسيين ورجال الدين الذين خربوا العراق، وجعلوه مزارع ومحميات تتقاسم الميليشيات المسلحة السيطرة والنفوذ عليها منذ العام 2003 وحتى اليوم، فأهلكت الحرث والنسل.

الولايات المتحدة إحتلت العراق بحجج كاذبة كي تسيطر على المنطقة، لكنها سلمته لإيران، بعد أن تورطت في حرب كادت تطيح بها ماليا وإقتصاديا، جورج بوش الإبن صرح في آب \\ أغسطس من العام 2004، بأنه "حتى لو كان يعرف قبل الحرب ما يعرفه الآن من عدم وجود أسلحة محظورة في العراق، فإنه كان سيقوم باجتياح العراق".

إيران اليوم تمارس ديمقراطية التجويع وبث الفتن الطائفية والمذهبية، وتدعم إنشاء الميليشيات الشيعية، المتنافرة والمختلفة في كل شيء إلا مسألة الولاء لها، وهي بهذا تمزق حتى النسيج الاجتماعي الشيعي، الذي بات فرقاً وجماعات تتصارع على فتات المال وشيئ من النفوذ والسلطة، سبيلهم إلى ذلك تبعيتهم لمعممين وأمراء حرب فاسدين، في حين تقوم هي بنهب وسرقة خيرات العراق ومقدراته.

موفق الربيعي الذي أشرف على عملية إعدام الرئيس صدام حسين في العام 2006 إعترف لصحيفة التلغراف أن الرئيس الراحل أظهر شجاعة نادرة وكان يواجه الجلاد والمقصلة بتحد كبير وقال له وهو يمسك بحبل المشنقة "ترى يا دكتور إنها للرجال. فهل بقي في العراق رجال يستطيعون إنتشال عراقنا من براثن الدولة الصفوية الجديدة وديمقراطيتها الكاذبة التي تعتمد على نشر الجهل والفساد والرذيلة وجعلها عقائد لا يصح الدين إلا بها.