الأثنين 2017/04/24

الجمهورية الخالية من النساء

هذا العنوان ليس لجذبك لتقرأ المقال ، كما يفعل مروجو السوشيال ميديا ، حيث يطرحون عنواناً، ثم إذا أتيته لم تجده شيئاً؛ فتبدأ باستمطار اللعنات عليه ، لأنه أوقعك في أحابيل الخديعة .

فعلاً دون مجاز كانت الجمهورية؛ التي صممها حافظ الأسد على مقاسه الخاص لها مواصفات معينة ، وتعتمد فلسفة الوجود والعدم ، فمن يدور في فلك النظام مطبلاً راكعاً مروجاً للنظام فإنه يتمتع بالحضور والوجود ، ونضرب على ذلك أمثلة الاتحادات التي أسسها حافظ الأسد ليستطيع من خلالها اختراق أقاصي المجتمع ليدجنه ، ثم يقوم بخلط كل هذا الركام البشري في بوتقة واحدة كما يقولون في أدبيات البعثيين ، فكان اتحاد العمال والفلاحين ، والاتحاد النسائي ، واتحاد الطلبة وطلائع البعث ، وبذلك تم تصنيع المواطن الأهبل الذي ينظر إلى قصر الشعب المنتصب في جبل قاسيون، معتقداً أن حكم العالم ينطلق من هنا ، وأن ساكني هذا القصر يتربصون بالإمبريالية العالمية وإسرائيل وأنهم منهمكون في التخطيط للنيل منهما ، وأن مسألة انهيار هؤلاء الأشرار مسألة وقت فقط .

سعى النظام خلال سنين اغتصابه للسلطة لصناعة المواطن الأنموذج ، وتجلى ذلك في كل الاتحادات التي صممها ، وربما لا يخطئ المرء إذا زعم أن الصورة كانت أوضح في الاتحاد النسائي ، حيث كان أعضاء الاتحاد يتميزن بمواصفات خاصة ، من حيث اللغة ، والمنظومة المفاهيمية التي يتداولنها ، حتى كن أكثر المنظمات شراسة في الدفاع عن النظام من بين المنظمات التي تدور في فلكه ، بل كن ملكيات أكثر من الملك ، وقد سجل الملاحظون مناكفات بين نساء الاتحاد النسائي وبين أعضاء من منظمات شعبية أخرى كما تسمى في أدبيات البعث ، حيث كانت النساء تذهب في المسألة إلى أبعاد فانتازية ، ويمارسن سلطة الجسد وإرهاب الصوت العالي ضد زملائهن من الرجال التابعين لمنظمات أخرى .

كانت هؤلاء النسوة يتخذن شكل المواطن المشكَّل على مقاس السلطة ، ثم اتخذن شكلاً واحداً حتى في تسريحة الشعر و موديلات الألبسة وحتى المكياج .

كان السوريون في هسهساتهم الخفية يغمزون من قناة هذه العصبة ، ويعتبرونها تنتمي إلى فئة الرجال من حيث الشراسة وقوة الشكيمة والتماهي مع خطاب السلطة ثم التعبير عنه بشكل فج ووحشي .

غابت المرأة السورية طيلة حكم البعث ، ووُضِع في الواجهة مجموعة من الموتورات ثقافياً واجتماعياً ، والبعض يقولون بيولوجيا أيضاً، فكان أداؤهن رديفاً لأجهزة المخابرات ولترتبط صورة المرأة عند السوريين بشكل نجاح العطار ، حتى تحولت إلى إيقونة يمكن للنحاتين أن يتخذوها شكلاً للمرأة السورية ، كما نحت الفنانون قديماً عشتار ومييرفا ليعبروا عن التجلي النسوي فنياً في زمنهم .

انهار الاتحاد النسائي ، لأنه لم يعد قادراً على البقاء في مرحلة تهشُّم البعث ، وانتهت أسباب بقائه ، ثم جاء بشار الأسد وألقاه في المحرقة ، في مشهد يشبه سلوك رئيس عصابة المافيا الذي يطلق النار على كل رجاله قبل أن يغادر المكان حينما يطبق عليه أعداؤه الحصار .