الأثنين 2016/09/19

( الجزء الثالث ) المناطق الكردية في عهد بشار الأسد حتى عام 2011

حاول بشار الأسد بداية وراثته حكمَ أبيه أن يركب موجة التحديث والتطوير وإطلاق الحريات في المجتمع والصحافة وسوق المال ، إلا أن هذه الموجة لم تكن سوى نزوة عنده ، لم تلبث أن زالت سريعاً عندما قيل إن الحرس القديم في نظام أبيه أعلمه مخاطر ركوب تلك الموجة .

والمهم في موضوعنا أن الأكراد لم يختلف أمرهم في عهد الأسد الأب عن حالهم في عهد الأسد الابن ، رغم آمال بَنَوْها كبقية السوريين في بدايات حكمه. ونستطيع أن نسجل حدثين بارزين خلال عشرة أعوام ، سيكون لكل منهما تأثيرٌ كبير في واقع الأحداث بعد الثورة عام 2011.

1- أحداث القامشلي .. 2004

كان من المقرر أن تقام مباراة بكرة القدم بين فريقي الفتوة "دير الزور" والجهاد "القامشلي"، في الثاني عشر من آذار 2004 ، على الملعب البلدي في مدينة القامشلي.

إلا أن اشتباكاتٍ وقعت بين الجمهورين في الملعب ، استدعت بشكل مباشر تدخل قوات الأمن والشرطة، التي عملت على فضِّ الاشتباكِ ، مستخدمةً الرصاص الحي.

الحادثة كانت فيصلاً في أحداث تلك المرحلة ، إذ وجد فيها الأكراد فرصة سانحة للتعبير عن غضبهم وممارسة التظاهر بوجه نظام الأسد.

تمتد احتجاجاتهم سريعاً من القامشلي شرقاً إلى عفرين غرباً ، وهذا ما جعل الأجهزة الأمنية السورية تتحرك فورا لقمع الاحتجاجات. وهنا يروي شهود عيان في مدينة الحسكة أن رؤوساء الفروع الأمنية هناك ، أعطوا أوامرهم للبعثيين في المدينة بالمشاركة في قمع الاحتجاجات ، بل إنه قام بتسليحهم سراً لتنفيذ هذه المهمة ، بغية كسب هدف بعيد طالما أسس نظام الأسد لترسيخه في المجتمع السوري وهو ضرب أي محاولة للاحتجاج لبد من حديد ، وتأجيج الفتنة العرقية وضرب مكونات الشعب ببعضها كي لا تجمعهم كلمة..

تمت المهمة بنجاح ، واندثرت احتجاجات الكرد عام 2004 ، بعدما خلفت منهم عشرات القتلى وآلاف المعتقلين ، ونجحت فروع الأسد الأمنية بوضع شرخ عميق بين المكونات العربية والكردية في سوريا. وسوف نرى أن هذه الأحداث تركت بصمة واضحة المعالم في ضمائر الأكراد بسوريا ، جعلتهم بعد قيام الثورة يستبعدون التعاون مع المكونات العربية ، التي رأوا أنها ساهمت في قمع احتجاجاتهم.

2- موجة الجفاف ... 2006 :

بحسَبِ بحثٍ علمي قام به مجموعة من العلماء الألمان ، سـجلت سـوريا بين عامي 2006 و 2010 أسـوأ سـنوات جفـاف في تاريخها ، ولم يُسـجل مثيلهُ طوال القرن العشـرين.

البرفسورة Christiane Fröhlich من جامعة هامبورغ قالت إن هذا الجفاف أدى إلى صعوبات اقتصادية وجوع في بعض المناطق، وترافق هذا الجفاف مع سـوء إدارة الحكومـة السورية، التي لم تعالج موضوع الجفاف بطريقة صحيحة، فرفعت أسعار المحروقات مؤدية لانهيار الزراعة في منطقة الجزيرة السورية، وبدأت تحفر الآبـار وتقضي على مخـزون الميـاه الجوفيـة.

هذه المقدمة ضرورية لفهم ما جرى في منطقة الجزيرة السورية منذ عام ألفين وستة ، أي بعد ستة أعوام من مجيء بشار إلى الحكم ، حيث واجه نظام الأسد تلك الكارثة ، بمزيد من الاستهتار واللامبالاة ، وأرهق أهل تلك المنطقة عرباً وأكراداً بقوانين زادت وطأة الجفاف وتأثيراته السلبية.

وفي دراسة للبروفسور الأميركي جون وتربري John Waterbury ، أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة نيويورك بعنوان “الاقتصاد السياسي للمناخ في المنطقة العربية” صدرت عام 2013، قال وتربري "إن موجات الجفاف في شرق سوريا وشمالها الشرقي وعدم تعامل نظام الأسد معها كما ينبغي ، عواملُ أسهمت بشكل كبير في تفجر الصراع في سوريا".

ما جرى في تلك المناطق الزراعية أن نظام الأسد فشل في مساعدة مليون فلاح ، ، وبدلاً من مساعدتهم، رفع أسعار المازوت ومنع زراعة بعض الخضروات الصيفية التي تستهلك مياهاً، كي يمـدّ الأردن بالمياه.

كل هذا تسبب بموجة هجرة كاسحة من تلك المناطق إلى محافظات أخرى ، وما يهمنا في بحثنا أن أكراد الجزيرة السورية نفذوا ما يشبه إعادة الانتشار في عدة محافظات سورية ، وتركوا حرفة الزراعة والرعي ليجدوا مصادر رزق في مهن وأعمال أخرى.