السبت 2017/03/11

الاقتصاد المنهار يتكفل بنهاية الأسد

اتفق العابثون الكبار بالقضية السورية على بقاء بشار الأسد، وهم يرتبون في سلسلة جنيف لتسوية تغلف بقاءه، وقد يذعن لهذه التسوية أغلب المفاوضين في الهيئات العليا والسفلى؛ خضوعًا للإرادة التي سيسمونها "الإرادة الدولية التي لا يمكن تجاوزها أو تحديها".

قد يعتقد بعضهم أن في ذلك نهاية الثورة السورية، وانتصارًا لبشار الأسد ونظامه، وقد تتلبسه الهزيمة وينهار، لكن؛ لا تتعجلوا فتيأسوا وتنهاروا، واثبتوا واحشدوا ولو بكلمة أو بشق تمرة، وأسقطوا كل من يذعن واصمدوا.

يمكن رؤية مستقبل الاقتصاد السوري بالاعتماد على دراسة محايدة، صدرت منذ أحد عشر شهرًا، أجراها مركز "فرونتيير إيكونوميكس" الأسترالي للاستشارات، وذكر فيها أن الخسائر الاقتصادية للحرب في سوريا تقدر بنحو 689 مليار دولار، إذا توقف القتال نهاية عام 2016، والقتال لم يتوقف، وهذه الأرقام لا تشمل كلفة الدمار الأخير في حلب.

تتوقع الدراسة نفسها أن تصل الخسائر إلى ألف وثلاثمئة مليار دولار، إذا استمرت الحرب حتى عام 2020. وذكرت أن هذه الخسائر أكبر 140 مرة من تقديرات الأمم المتحدة وسائر المنظمات المعنية.

إن توقف القتال رسميًا هذا العام، ووصلت المفاوضات مع النظام إلى بقاء بشار الأسد؛ فستكون الأمور في سوريا بعد هذا التقدير الرقمي الهائل في حجم الخسائر والخراب، في تدهور اقتصادي كارثي مستمر بلا حدود.

فمصادر تمويل إعادة الإعمار ستكون محكومة بعدد من المعطيات، منها أن الإدارة الأميركية لن تنفق شيئًا في أي أزمة دولية، وهو ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وستكون أوروبا تحت وطأة اللاجئين المكلفة، وبوجود نظام طالما وصفته بالوحشي والإجرامي لن تدفع شيئًا يُذكر، وقد تعيد كثيرًا من اللاجئين السوريين إلى بلدهم بذريعة انتهاء الحرب في سوريا؛ ليزيدوا الوضع الاقتصادي سوءًا.

يمكن أن تُسهم دول الخليج قليلاً، ولكن لا يمكن توقع مساعدة مالية كبيرة منها بوجود بشار الأسد، وفي ظل النفوذ الإيراني المهيمن في سورية. ستطالب إيران بديونها، ولا سيما أنها قدمت ومنحت وأقرضت وأنفقت لدعم نظام بشار الأسد ما يقارب 50 مليار دولار في أعوام الثورة الخمسة.

وبحسب مدير "مركز فارس لدراسات شرق البحر المتوسط" في جامعة "تافتس"، في ولاية ماساتشوستس، نعيم شهادي، فإن إيران "قدمت مساعدات عسكرية واقتصادية إلى "نظام الأسد"، بلغت قيمتها نحو 15 مليار دولار في عامي 2012 و2013"، فيما يُقدر الخبير ستيفن هايدمان، من "معهد السلام الأميركي"، المبلغ بـ 20 مليار دولار للعامين المذكورين، وكل المتابعين يجزمون بزيادة الإنفاق الإيراني على نظام بشار الأسد في أعوام 2014/2015/2016.

تريد إيران أن تقبض ثمن مواقفها وتضحياتها لأقصى حد، وقد حصلت منذ الآن حقوق استثمار الفوسفات في البادية السورية، وحازت -كذلك- على عقد تشغيل للخلوي، واستملكت عقارات بمساحات هائلة في قلب دمشق وأطرافها. وما خفي كان أعظم.

إضافة إلى ما تقدم سيكون هناك نحو ثلاثة ملايين "شبيح" سوري بين أصيل وقريب، يريدون حصصهم من نظام بشار الأسد الذي لا بد أن يكافئ ذوي القتلى، ومن يدافعون عنه، وقد أصدر لهم فعلًا ما يسمى ببطاقات الشرف التي ستمنح حاملها صلاحيات ومزايا دون حدود.

من يرتب اليوم لبقاء بشار الأسد يرتب لنهاية شنيعة له، قد يغلِّفون تسوية بقائه بانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، ومن المرجح أن يفوز بشار. لكن سيبقى فترة وجيزة قد لا تتجاوز السنة الواحدة، وبعدها سينقلب عليه الموالون والمؤيدون والطائفيون والرماديون وجماعة "كنا عايشين" ، وقد يُقتل بعد انقلاب من أولي قربى، أوفي اغتيال مدبر بصمت، ضمن تسوية سريعة بين قطبين دوليين وثالث إقليمي.

في كل الأحوال سيتمنى بشار، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، لو فاوض على رحيل عاجل إلى مكان آمن يوم كان يستطيع ذلك.