الخميس 2016/12/15

ابن بطوطة والمنحبكجية في الهند

داء عشق السلطان قديم قدم السلطة، وإذا استحكم في قلب الرعية فلا شافي له، ولأن الحالة قديمة فإن مسمياتها تختلف باختلاف الثقافات والعصور؛ منها: طاعة ولي الأمر مهما فعل، وآخرها نسخة (المنحبكجية) في سوريا.

عاش ابن بطوطة في زمن يشبه كل الأزمنة، دول ، وسلطات ، وعشاق للسلطان ، ولكن الرجل مختلف عن أقرانه، حيث ضرب في الأرض طولا وعرضا، مستكشفا خلائق الله من جغرافيا وبشر، وموثقا لسلوكهم الإنساني، وسكب كل ذلك في كتاب ثمين، خرج وثيقة ثقافية اقتصادية اجتماعية جامعة، رصدت سلوك الناس على امتداد بقعة جغرافية كبيرة؛ من المغرب العربي إلى الهند إلى إفريقيا إلى الشمال حيث بلاد الترك ، إلى أطراف الصين، ودامت هذه الرحلة سبعة وعشرين عاما؛ في القرن الثامن الهجري، و عاد بعدها إلى بلاد المغرب على الطائر الميمون، وكتب ما شاهد وسمى كتابه:( تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) الشهير برحلة ابن بطوطة .

أرخ ابن بطوطة لكل شيء؛ العمران، والإنسان، والعادات في اللباس، والطعام ، وغير ذلك من السلوك الإنساني؛ ولأن الحياة تتشابه تفاصيلها في كل زمان ومكان فإن ابن بطوطة أرخ أيضا للمنحبكجية في الهند؛ فقد روى ابن بطوطة أنه أثناء ترحاله في بلاد الهند وصل إلى ديار يحكمها ملك حصيف، ذو رأي سديد وحب للعلم والمعرفة؛ فرحب هذا الملك بهذا القادم المغربي، وأكرم مثواه وقربه من مجلسه، وبدأ يستطلع منه أحوال المسلمين في بلاد المغرب، وفي هذه الأثناء دخل رجل نَصَفٌ في عمره ومعه أولاده؛ صِبية ما بلغوا سن الحلم، وقف هذا الرجل بين يدي الملك، وأخرج سكينا ونحر نفسه، وبعد ذلك قام خازن بيت المال وأعطى الغلمان ذهبا وفضة، ومضوا في سبيلهم، تملَّكت الدهشة والرهبة ابن بطوطة من هذا المشهد الرهيب، وسأل عنه فقيل له : نحر هذا الرجل نفسه حبا بالملك، ووالد هذا الرجل نحر نفسه حبا في والد هذا الملك ، وجدُّ هذا الرجل نحر نفسه حبا بجدِّ هذا الملك، وأولاد هذا الرجل سينحرون أنفسهم في حب ابن هذا الملك، عندما يكبر، ويصبح ملكا، وعندما يكبرون هم ويتزوجون ويعقبون أولادا...... انتهى كلام ابن بطوطة بتصرف واختزال مع الحفاظ على القصة نفسها .

هؤلاء الهنود في ذلك الزمن الغابر ينطبق عليهم اسم منحبكجية، لأنهم يقدمون أرواحهم حبا بالملك، ولكن هذا الحب مرهون بمصلحة مادية بحتة، هي: الذهب والفضة الذي يأخذه الأولاد ، وهذا الحب ليس خالصا لهذا الملك، وهو ليس شعيرة وثنية ،لأن هؤلاء القوم مسلمون، وقد روى لي صديقي أبو قصي رحمه الله: أن قوما من الهنود والباكستانيين يقومون يتهريب المخدرات إلى السعودية، وقبل أن يغادروا بلادهم يقبضون ثمنا عاليا يُسلَّم لأولادهم، لأنه إذا انكشف أمرهم ووقعوا في يد أولي الأمر في السعودية فإن السيف أولى بأعناقهم، إذًا لا شيء في سبيل البشر يكون دون مقابل مادي. ولكن الناس تبذل الروح رخيصة في سبيل الدين، أو الوطن، أو مبدأ تدافع عنه لا تحيد عنه، ولو كان دون ذلك تقديم المال والروح والولد . 

وبما أن المنحبكجية في الهند في القرن الثامن الهجري هذه حالهم يضحون بأنفسهم في حب السلطان، ويأخذون مالا يكون معينا لصبيانهم في أوقات الجدب والقحط، فإن المرء ليعجب من حال المنحبكجية السوريين، الذين يضحون بأنفسهم الآن في سبيل بشار الأسد، ويخوضون المعارك ضد شعبهم في سبيل حبه، ويطبقون الشعار القائل بالروح بالدم نفديك يا بشار، ومقارنة بسيطة بين المنحبكجية السوريين والمنحبكجية الهنود، ترى أن المنحبكجية السوريين أغبياء، وهنا سنناقش القضية بعيدا عن المبادئ العليا، وإنما في إطار المنفعة المادية البحتة، فإذا نظر أي إنسان إلى أماكن سكن المنحبكجية السوريين في عش الورور والسومرية هذه الأمكنة البائسة التي لا تصلح لسكن البشر، وإذا قلبنا في ظروف هؤلاء، نجد دراما من البؤس رافقت حياتهم طيلة تولي الحبيب الأول حافظ الأسد ، وانتقال السلطة للحبيب الثاني بشار الأسد . إذًا ظروف من الفقر والبؤس والحرمان والحبيب يجلس في قصره المكين؛ غير مبال بتعاستهم، يلقي بالمال على المنافقين من التجار والضباط الذين بدؤوا يفرون، ويتركونه وحيدا، كأسرهم التجار الدمشقيين التي فرت إلى لبنان وتركيا ، وأوروبا ؛ تاركة هؤلاء المنحبكجية الحمقى يضحون بحياتهم حبا في شخص ما أحس بهم في يوم من الأيام وبادلهم الحب، ولم يعطهم ما أعطاه الملك الهندي لمن نحر نفسه في سبيل حبه .