الخميس 2017/03/02

ابن العلقمي ..صانع السلام العربي الجديد !

ماذا كان سيحصل لو أن الجامع الأموي الكبير أعلن تعاطفه معنا وحزم أمتعته مهاجراً مع من هُجروا من ديارهم.. هل كان سيسقط من عين التاريخ ؟أم إنه في اللحظة الأخيرة أعلن تعاطفه مع الجلاد والقاتل وحاول التماس الأعذار له كي يبقيَه في مكانه محاطاً بهالة الحفاوة والتقدير القديمة..؟ يبدو أنه يعرف أنْ لا قيمة لشيء خارج مكانه ولا قيمة لحجر خارج موطنه، ومحتمل أنه استشعر الغربة قبل أن يعيشها كما نحن عشناها اليوم.. فقرَّر مداهنة الطغاة !. 

ماذا كان سيحصل لو أن قلعة حلب صرخت في وجه التاريخ رافضة أن تكون شاهدةَ زور على ما حصل وما سيحصل ..أم إن القدر اختار لنا أن نكون وحيدين في غربتنا نفقد كل ما يمت الى ذواتنا بصلة، أكتب من وحي الهزيمة في الشهر الأول بعد الموت ذلك الموت الذي قضَّ مضاجع حبري وأرهق قلمي، ألبس القهر وشاحاً وأمشي إلى المجهول، ففي آخر ذاك الطريق الطويل انتحاري وأنا انتحرت ..ظلمت روحي عندما اخترت لها البقاء في هذا الجسد المنهك، أيها الموت المتربع على عرش هذي البلاد.. انكفِئ.

ها أنذا في هذه المدينة التي لا تشبهني ولا أشبهها أبداً ..الباردة جداً كوجوه سكانها وكضمائر كل العابرين فيها واللاجئين إليها ..أجد نفسي وحيداً في إحدى أكبر مدن الأرض وأكثرها سكاناً .. لا أدري سرَّ هذه الغربة سوى أنني أصبحت ثائراً مع وقف التنفيذ ، بدأت شخصية هذه المدينة تتغلغل فيَّ ، أصبحت أكره الضيوف، وأحاول الابتعاد عن الناس ككل الأصدقاء الذين توقعت أنهم سيأخذونني بالأحضان فور وصولي إلى هذا المكان، لكني تفاجأت أني في زمان ومكان مختلفين تماماً عما عهدت وعما عرفت.

عيون النساء هنا لا تلمع.. يملؤها الضباب الذي يحاول أن يلتهم كل معنى للحياة وكل أمل فيها ، حملت معي همي وحزني وحاولت الانكفاء والعزلة ، عزلةً لا يقطعها عليَّ سوى مولاي جلال الدين الرومي وسيدي محمد الغزالي وبعض الكتب التي ما استطعت التخليَ عنها ، وبقيت أقرأ فيها بنهم الجائع لكل شيء ، بنهم الباحث عن الله بين السطور، ظننت أن كثيراً يشاركوني هذا الشعور، حاولت أن أقرأ كثيراً في وجوه الأصدقاء لم أجد ما رأيت في مرآة ذاتي التي حملت ملامح مدينتي ونكبتي وحلمي الآفل على أعتاب البارود والنار والدم والقرارات الدولية.

هل كُتب علينا -نحن السوريين- أن نموت بصمت ؟ هل كُتبت على حناجرنا أن تعيش البحة في كل صوت يخرج منها وأن تعيش الغصة في كل دمعة أبت أن تخرج من عيوننا بدعوى الكبرياء الكاذب ؟ هل كتب على عيوننا أن تصدأ من شدة الذرف؟ هل أصبح القهر صديقنا الوحيد؟ ألهذه الدرجة لم نعد قادرين على التخلي عنه؟ هل كان خطؤنا الأكبر والتاريخي أننا صدّقنا ما كنا نسمعه على وسائل الإعلام الغربي عن الوثيقة الأساسية لحقوق الإنسان والتي أنشأت الأمم المتحدة ومجلس الأمن لكفالتها أو ما نتابعه من برامج تتحدث عن الثورة الفرنسية واقتحام الثوار سجن الباستيل وجيفارا ونيلسون مانديلا؟ هل كنا "دونكيشوتيين" لهذه الدرجة؟ هل كنا أغبياء حتى الإعياءِ عندما صدَّقنا أن بندقية الثائر لا يمكن لأحد إخراسُها؟ وأن منظمة التحرير بقيادة "أبو عمار" كانت تستطيع أن تقذف إسرائيل بالبحر وتقلب صفحة التاريخ لولا الدعم الغربي المطلق لإسرائيل .. هل كان واجباً علينا أن نعترف بمرض نفسي أصاب يوسف العظمة هو الذي دفعه لخوض غمار جولة خاسرة سلفاً، وأن ابن العلقمي هو الرجل العربي الوحيد الذي يستحق تمثالاً من ذهب بحي الأعظمية في بغداد ويمنح جائزة صانع السلام الأول في الوطن العربي ؟؟ هل كانت كلمات الشابي هي التي قتلته ندماً فمات في ريعان الصبا ..