السبت 2018/11/03

هل ينجو ابن سلمان من قضية خاشقجي؟


الجسر للدراسات...


تقول القصة: إن رجلاً صعد إلى حافلة في الولايات المتحدة، أو في دولة غربية، كان الرجل ملتحياً تبدو عليه آثار التديّن، ما جعل الرعب يدبّ في صفوف الركاب من عمل إرهابي.. تفجير أو خطف يمكن أن يرتكبه هذا الراكب الجديد، وبدأت الاتصالات تنهال على مراكز الشرطة والاستخبارات للتعامل مع هذا الخطر المحتمل، وبالفعل تم إرسال قوات أمنية وعسكرية كبيرة لعزل الحافلة ومحاصرتها، ومن ثم إيقافها ومداهمتها، وحينها بدأ الراكب يدرك ماذا يجري حوله.

قبيل توجّه عناصر وحدة المداهمة المدججة بالسلاح نحو مقعده سارع إلى وضع طاقيته الصغيرة السوداء فوق رأسه، وقع الأمر كالصاعقة على الركاب وعلى قوات الأمن على حد سواء فالرجل متديّن يهودي، وليس "إرهابياً" مسلماً.

كنا نقرأ قصة "قبعة الإخفاء" التي يختفي من يلبسها عن أنظار العالم المحيط به، هي كذلك "قبعة الإعفاء" اليهودية، حين تريد دولة أو زعيم دولة التنصّل من جرائم كبرى يتم ارتكابها. إسرائيل على مدى سبعين عاماً لم تحاسب على جريمة واحدة ارتكبتها بحق الفلسطينيين. "الدولة اليهودية" ومؤسسوها وزعماؤها على مر هذه السنوات لطالما لبسوا هذه القبعة التي منحتهم أعلى نوع من الحصانات الدولية لإدانتهم، 43 فيتو أمريكي في مجلس الأمن حمى إسرائيل كدولة معتدية، وشعار "معاداة السامية" كان السلاح الموّجه ضد أصحاب الفكر والرأي ووسائل الإعلام فيما لو تورطت بنقد تصرفات الساسة الإسرائيليين.

المشهد المتكرر الذي يظهر عادة، حين يقف زوار إسرائيل من ساسة ومفكرين وفنانين ولاعبين بمواجهة "حائط المبكى" في ساحة المسجد الأقصى في القدس، وهم يلبسون الطاقية السوداء الصغيرة عند مؤخرة رؤوسهم، سيكون هذا أهم دليل على حبهم وولائهم وحرصهم على بقاء إسرائيل.

أيقن السوريون في وقت متأخر من عمر ثورتهم، أن بشار الأسد ما كان له أن يمعن بهذا القتل الوحشي، والتدمير والتهجير والتعذيب الممنهج بحق ملايين السوريين، لولا رضا الإسرائيليين عنه، وحرصهم على استمرار حكم آل الأسد الذي تعايشوا معه خمسين عاماً كاملة منذ أن كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع، وقام بتسليمهم الجولان عام 1976 دون قتال.

كان على أحد ما أن يضع "قبعة الإعفاء" على رأس بشار الأسد في مجلس الأمن ليمنحه الحصانة الكاملة من أي إدانة على أفعاله، وقع الاختيار على روسيا هذه المرة، 12 فيتو روسي في سبع سنوات كانت كافية لشلّ المجتمع الدولي كله، وسلبه القدرة على حماية الشعب السوري، وبعملية حسابية قد يستخدم الروس حق النقض الفيتو 120 مرة فيما لو استمرت وراثة عائلة الأسد 70 عاماً قادمة في حكم البلاد.

"أمن إسرائيل" الذي يلتزم به بشار الأسد هو الطريق الأمثل لإبقاء "قبعة الإعفاء" فوق رأسه، حين يختل هذا الميزان في سياسته، ستُنزع القبعة وسيجد نفسه أمام محاكم الجنايات الدولية كأسوأ مجرم حرب عرفه التاريخ.

تأخرَ في عمر الثورة السورية الإفصاح العلني عن الموقف الإسرائيلي من بشار الأسد، فالرجل يرفع شعار "المقاومة والممانعة" ودعمه العلني سيسبب حرجاً كبيراً له أمام الموالين المغترين به.

لكن بالمقابل أحس الإسرائيليون أنهم تأخروا كثيراً بعد مرور شهر واحد على مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" بقنصلية بلاده في إسطنبول. فالاحتجاجات حول العالم تتسع ضد الأمير السعودي "محمد بن سلمان" المتهم بإرسال فريق من القتلة قاموا بتقطيع أوصال جثة الصحفي المعارض، وأخفوها عن الأنظار.

الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب مضت شوطاً بعيداً في الدفاع عن الأمير، عنوان مرافعات ترامب 450 مليار دولار، ومليون وظيفة عمل تخلقها هذه الدولارات، ورغم محاولات الإدارة لفت الأنظار عن قضية خاشقجي بتركيز الإعلام الأمريكي على سلسلة إرسال الطرود البريدية المتفجرة لشخصيات مناوئة لسياسات ترامب، ومتابعات تصوير الجثث الملقاة على الأرض نتيجة الهجوم على كنيس يهودي في بيتسبرج، إلا أن ذلك لم ينفع في تهدئة الحملة المنتشرة كانتشار النار في الهشيم، والتي تطالب ترامب باتخاذ إجراءات عقابية رادعة لحكام السعودية، وإيقاف شحنات السلاح للجيش السعودي المتورط في كارثة اليمن، أسوة بما صدر عن دول أوربية عديدة.

أيضاً جماعات الضغط التي اشتراها ابن سلمان من مراكز دراسات وصحف ووسائل إعلام وشخصيات سياسية بارزة، تبدو جميعها في موقف ضعيف على الأقل أخلاقياً ومهنياً في تبرير قتل صحفي معارض لم يكن يملك إلا فكره وقلمه الحر.

يشترك بشار الأسد وابن سلمان في قضية حفظ أمن إسرائيل، لكن ابن سلمان لا يتبنى شعار "المقاومة والممانعة" بل تحدث في جولته الأمريكية عن حق إسرائيل في أرضهم ليعيشوا عليها، كما إنه خطا خطوات عديدة للتوصل لاتفاق حول "صفقة القرن" وقد بدأت ملامح التطبيع الأولى تظهر للعلن في دولتين مجاورتين هما عمان والبحرين، بمعنى أن العلاقات السعودية الإسرائيلية بدأت تؤتي ثمارها، وخصوصاً بعد نجاح السعودية في جعل إيران العدو الأول المشترك لشعوب المنطقة بعد أن كانت إسرائيل توصف بهذا الوصف سابقاً، ولا يمكن لقضية مقتل صحفي معارض أن تهدم كل ما تم بناؤه حتى الآن، حتى إن بعض المعلقين في الولايات المتحدة يقولون: "السعودية في الفراش الآن مع إسرائيل" في عدد من القضايا، ولذا من المستبعد أن تُلحق الولايات المتحدة ضرراً بالسعوديين، هذا سيُلحق ضرراً بملفات حساسة أهمها خطة السلام في الشرق الأوسط عبر صفقة القرن، وتثبيت إمدادات النفط وخفض أسعاره، وإضعاف النظام الإيراني وتحجيم دوره، إضافة لعقود توريد السلاح والصادرات التجارية البالغة مئات مليارات الدولارات، هذه مصالح أمريكية وإسرائيلية حقيقية.

هل ستبدأ قضية خاشقجي بالتلاشي؟

نعم، هذا ما سيحدث!! ودون تغيير في بنية وهيكيلة النظام السعودي، ولا في إبعاد ولي العهد السعودي عن الحكم، واستبداله بآخر كما يجري الترويج له الآن، بل ولا حتى في أن تطال ولي العهد أي عقوبة أو ملاحقة دولية، نعم سيتحمّل جريمة خاشقجي أولئك الموظفون الصغار "الذين عملوا بمفردهم دون أي أوامر أو تعليمات"، أو أنهم "تجاوزوا حدود مهامهم وصلاحياتهم"، وارتكبوا "مخالفات وظيفية" مسلكية يستحقون بموجبها التوبيخ أو المحاكمة، وفي أقصى حد ولرفع الحرج عن جهات عديدة تريد التملّص من فرض عقوبات على النظام السعودي رغبة في استمرار تدفق الأموال والنفط، يمكن إحالة قضية اغتيال خاشقجي برمّتها إلى محكمة دولية خاصة على غرار محكمة التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني "رفيق الحريري"، سينسى الناس خاشقجي خلا عائلته وبعض أصدقائه المقربين الذين سيتابعون تذكير العالم بهذه الجريمة المروّعة، في كل ذكرى سنوية لاغتياله.