الجمعة 2018/04/20

من يريد توريط السعودية في سوريا؟


مركز الجسر للدراسات...


قطع وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" الشك باليقين حين أعلن في مؤتمر صحفي جمعه مع الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريس"  استعداد المملكة لإرسال قوات إلى سوريا كجزء من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وأن المناقشات "لا تزال جارية فيما يتعلق بنوعية القوات التي يجب أن توجد في شرق سوريا، ومن أين ستأتي".

الوزير الجبير لم يكتف بهذا بل أعلن أيضاً أن بلاده "قدمت أيضا مقترحات لبعض أعضاء دول التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، الذي شكّلته السعودية نهاية عام 2015، والذي شاركت فيه 41 دولة مسلمة.

الاقتراح بحسب الجبير ليس جديداً بل قُدّم لإدارة أوباما. لكن الإدارة لم تتخذ إجراء إزاء الاقتراح"، ويبدو أنّ عودة الاقتراح للظهور كانت بسبب ما يتردد عن تقارير تفيد أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طلبت من حلفائها العرب إرسال قوات تحل محل القوات الأمريكية في سوريا، ولتساعد في استقرار المناطق شمال شرقي البلاد بعد هزيمة تنظيم الدولة.

لنذهب إلى شمال شرق سوريا، ونحلل الوضع القائم فيه حالياً، فالمنطقة المحاذية لدولتين مجاورتين هما تركيا والعراق، يتمركز فيها جميع القوى المتقاتلة في سوريا اليوم، فمعظم القواعد العسكرية الأمريكية موجودة هناك، وينتشر فيها إلى جانب الجنود الأمريكيين قوات بريطانية وفرنسية وألمانية، تساند هذه القواعد الأعمال القتالية للميليشيات الكردية الانفصالية، ومن معها من بقايا الجيش الحر في المنطقة، نظام الأسد ظلّ محافظاً طيلة السنوات السبع الماضية على مطار دير الزور العسكري، وعاد إلى تعزيز وجوده بعد طرد تنظيم الدولة على يد قوات التحالف الدولي شمال الفرات، وطرده من مراكز مدن دير الزور والميادين والبوكمال بمساعدة القوات الروسية والإيرانية والميلشيات الطائفية العراقية واللبنانية والأفغانية المرتزقة، التنظيم يتنقل اليوم في أرياف دير الزور قريباً من أبواب عدد من المدن والبلدات والقرى ، وفي عمق البادية على طول الحدود العراقية السورية.

تركيا بدورها وعلى لسان الرئيس "رجب طيب أردوغان" شخصياً كررت أنها ستتحرك باتجاه شمال شرق الفرات لطرد المسلحين الأكراد من عين العرب وتل أبيض والحسكة حتى الحدود العراقية، بل واستعداد قواتها لدخول سنجار، وحتى الوصول إلى جبال قنديل إذا اقتضى الأمر.

إذن المنطقة مزدحمة جداً، لا تتسع لوافد جديد، وتكاد تحتاج إلى شرطة مرور لتنظيم سير كل هذه القوات فيها، وحتى مع احتمال انسحاب الأمريكيين منها -وهو مستبعد قريباً-فالفرنسيون يسيرون باتجاه سدّ هذا الفراغ حال حدوثه، وهو توجّه يبدو أنه يلقى تأييداً أوربياً له.

المحللون للسياسات الخارجية لولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" يرون أنها قائمة على أمرين رئيسيين: الأول التقرب من أمريكا وإسرائيل، والثاني اعتبار إيران العدو الأول في المنطقة، وتتقدم في خطرها على أي خطر آخر، ولو كان إسرائيل التي لا تزال تحتل القدس، وبالطبع هذا لا يتنافى مع تسمية السعودية آخر قمة عربية انعقدت على أراضيها منذ أيام باسم القدس.

كان متوقعاً أن يكون حديث السعوديين عن نشر قوات تابعة لهم جنوب سوريا بمشاركة قوات أردنية وإماراتية، وبرعاية أمريكية إسرائيلية، وهو من الناحية الجغرافية أسهل في التنفيذ، فقط ستجتاز القوات السعودية الأردن، وتتمركز في المنطقة الفاصلة التي تريدها إسرائيل لإبعاد إيران ومليشيا حزب الله، وتنظيم الدولة عن حدودها، لكن يبدو أن الأمير السعودي لم يصل إلى درجة الثقة الإسرائيلية الكافية به لينشر قواته لأول مرة هناك بعد نشوء الكيان الإسرائيلي، هذا يدخل في سلسلة إجراءات التطبيع التي يجب سلوكها للتأكد أنها ليست عكسية يمكن التراجع عنها مستقبلاً، كذلك هي تدخل في التجاذبات الإسرائيلية الداخلية التي تدور حول استغناء إسرائيل عن جيرانها من العرب الذين لم يعودوا يشكّلون خطراً عليها، وليس لها مصالح اقتصادية في التطبيع معهم، كما أن الارتباط بحكام الدول العربية قد يعيد رفع مستويات الكراهية لإسرائيل من قبل الشعوب العربية بعد أن انخفضت قليلاً بسبب المقارنة بينها وبين العنف والممارسات الوحشية التي ارتكبها هؤلاء الحكام في مواجهة ثورات الربيع العربي، أو في الحرب الدائرة الآن في اليمن.

على هذا الأساس يجري مناقشة دخول القوات السعودية إلى شمال شرق سوريا، ما الذي سيحدث لو تمّ هذا الأمر؟

الشق الأول يتعلق بإيران حيث سترى هذا التدخل خطوة عدائية عالية جداً اتجاهها، وساحة مواجهة مباشرة معها وجهاً لوجه في سوريا بعد أن كانت عبر أتباعها الحوثيين في اليمن، وستجد فيها فرصة سانحة قد لا تتكرر لإلحاق هزيمة "بالعالم السنّي" فيما لو هزمت الجيش السعودي غير المتمرس بالقتال مقابل قوات إيرانية تخوض حروباً من أربعة عقود تقريباً، ولها عقيدة قتالية دينية يقوم أساسها على الحقد الشيعي على المذهب السنّي الذي تتربع السعودية على زعامته بسبب وجود الحرمين الشريفين على أراضيها، السعودية ستضطر في سوريا إلى خوض معارك برية ضارية مع الحرس الثوري الإيراني، والوضع سيختلف كثيراً عن اليمن، حيث المواجهات هناك يغلب عليها طابع القصف بالطائرات والصواريخ والمدافع البعيدة المدى دون الحاجة للالتحام المباشر.

الشق الثاني يتعلّق بتركيا التي تعتبر منطقة شمال شرق الفرات منطقة محتلة من قبل تنظيم PYD الإرهابي التابع لحزب العمال الكردستاني، وأن هذا الاحتلال يعتبر مقدمة لإنشاء دولة كردية على حدودها الجنوبية، وقاعدة متقدمة لحزب العمال الكردستاني لتهديد الأمن القومي التركي، وزعزعة الاستقرار الداخلي فيها، وتركيا دخلت في نزاع مع الولايات المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الأوربي بسبب هذه المسألة، وبالتالي لن تتفهم أي تبرير سعودي لنشر قوات تساعد في تثبيت واقع PYD الذي خلقته أمريكا.

تواجه السعودية صعوبات جمّة في إقناع أي دولة من التحالف الإسلامي الذي شكّلته بالمشاركة في هذه الرحلة المحفوفة المخاطر نحو سوريا، حتى مصر حليفتها في حصار قطر، وقد نشر موقع “فوكس” الأمريكي عن محمد رشاد، مسؤول المخابرات السابق ترجيحه بأن مصر لن توافق على الانضمام للقوة المقترحة، وعلّل ذلك بقوله: “القوات المسلحة المصرية ليست مرتزقة”، وأكّد أن” مصر تتبنى استراتيجية تعتمد على دعم وحدة المناطق السورية وجيشها الوطني”، وهو يشير في طيّاته إلى أنّ الانتشار في شمال شرق سوريا يشجّع على مشروع PYD الانفصالي، وإن كان يجري توصيفه اليوم بالحكم الذاتي، او الفدرالية، أو المنطقة الآمنة، فما حدث شمال العراق في إنشاء إقليم كردستان، وسعيه للانفصال عن العراق عبر استفتاء شعبي عام حول تقرير مصيره، يمكن أن يحدث في سوريا مستقبلاً فيما لو استقر الحكم لهذه القوات الكردية.

رغم هذا ما هي احتمالات إرسال السعودية لقوات برّية إلى منطقة شمال شرق سوريا؟

الذي يتابع خطوات ولي العهد السعودي، لا يتردد في القول إنه سيفعل ذلك، وسيورّط نفسه في حرب جديدة بعد حرب اليمن الكارثية في كل شيء، وهو سيفعل ذلك وحيداً بعد أن نفضت كلٌّ من الإمارات والأردن يدها عنه بسبب سوء أدائه، وبسبب مغامراته وقلّة خبرته السياسية.