الأربعاء 2018/10/17

من سيمنع الأسد من الهجوم على إدلب؟


مركز الجسر للدراسات..


لا أحد يتحدث عن الهجوم على إدلب إلا بشار الأسد ووزير خارجيته "وليد المعلّم"، بل لا يكتفون بذلك ولكن يصرّحون أن مناطق شمال شرق سوريا ستكون هي التالية بعد إدلب، لتعود "سيادة" النظام على كامل مساحة البلاد!

ما الذي يرمي إليه النظام من هذه التصريحات؟ وهل هو جادٌّ فيها حقيقة؟ أم هي عنتريات إعلامية –كما يقال-لا أكثر ولا أقل؟

بالطبع النظام غير جادّ في ذلك أبداً، اليوم هو لا يملك من قراره شيئاً في أمور أبسط بكثير من موضوع الهجوم على إدلب، قرار إدلب في مكان آخر تماماً، والنظام يعلم ذلك يقيناً، لكنه فقط يرمي من وراء تصريحاته المتكررة أن يلتفت إليه أحد من الدول ذات الشأن بالملف السوري، وخصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للحديث معه عن هذا الأمر، لعلّه يستعيد عبرها جزءاً ولو يسيراً من اعتباره الذي فقده بوجود دولتين ضامنتين لتصرفاته في مسار أستانا: روسيا وإيران، النظام لم يكن موافقاً على اتفاق مناطق خفض التصعيد، ولا على مؤتمر سوتشي وبيانه الختامي، ولا على اللجنة الدستورية المنبثقة عنه، ولا على اتفاق المنطقة العازلة الأخير في إدلب، كل تلك القرارات لم تكن بيده، لكنه أجبر على إعلان القبول بها، والالتزام بتنفيذها.

هل القرار عند الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانا؟ أم هي كذلك لا تمتلك القرار النهائي؟

تركيا تقف على الجانب المغاير لروسيا وإيران هنا، فهي وقفت بعد سقوط الجنوب بقوة لوقف أي هجوم على إدلب، واستطاعت حشد الأمم المتحدة خلف موقفها هذا، ومن ثم توصلت إلى اتفاق المنطقة العازلة مع روسيا، لكن الاتفاق المؤقت قابل للنقض في أي لحظة، وهي ستبقى في حالة استنفار دبلوماسي وعسكري في سبيل الإبقاء عليه.

روسيا تبدو في حالة من التفاهم مع الولايات المتحدة حول الملف السوري، ولمصالحها الحساسة جداً مع الحليف التركي، فإنها ستذهب غالباً لتمديد اتفاق المنطقة العازلة المرة تلو الأخرى، بانتظار الجانب التركي ليعمل على تنفيذ متطلبات الاتفاق، ولو أخذ ذلك منه وقتاً طويلاً.

إيران هي من يضغط على النظام ليصرّح تلك التصريحات المتهوّرة حول إدلب، لكنها كذلك مثل النظام تمر بمرحلة عصيبة فالعقوبات الاقتصادية الأمريكية تضيّق الخناق على نظام الملالي، وطهران تسعى لفتح خط تفاوضي معها يبدأ من تهدئة الأوضاع في إدلب، وينتهي بتخفيف العقوبات عنها من الجانب الأمريكي، وبالحفاظ على الاتفاق النووي من الجانب الأوربي.

إدلب اليوم ورقة عالمية، والدول الثلاث لا تملك القرار الكامل بشأنها، وخصوصاً مع تنابذ المصالح الشديد بينها في قضية إدلب بالذات. ارتدادات عملية إدلب ستضرب أعماق الاتحاد الأوروبي من جديد بموجة لاجئين أكبر من الموجة السابقة بكثير، مع فارق مهم يخشى حدوثه على المستوى الدولي، فالتقارير الاستخباراتية ترفع مستوى التحذير من عبور عدد كبير من عناصر التنظيمات المصنّفة على قوائم الإرهاب في الأمم المتحدة، فإدلب كانت آخر المعاقل التي تمكنوا من اللجوء إليها إثر انسحابهم من باقي المناطق في سوريا، وتاريخ هذه التنظيمات يشير إلى أنها لا تحصر نفسها في مكان ما وتقاتل حتى النهاية، لكنها تلقي سلاحها، وتغادر ساحات المعارك، ولو اضطرت للتشتت في دول عديدة، فهي قادرة على تجميع نفسها من جديد.

إذن الاتحاد الأوروبي الذي بالكاد حافظ على تماسكه بسبب موجة اللاجئين السابقة، قد لا يصمد هذه المرة أمام اعتراضات اليمين المتطرف، وبدل أن يجد نفسه مضطراً لإغلاق حدوده أمام اللاجئين مخالفاً جميع الاتفاقات الدولية الموقّع عليها، فإنه سيرفع صوته كما فعل المرة السابقة، وسيطالب في مجلس الأمن بمنع الهجوم على إدلب، لكن أدوات الاتحاد الأوروبي الضعيفة لا تؤهل صوته أن يكون حاسماً في هذه القضية.

أين قرار منع الهجوم على إدلب؟

الذي راقب المشهد المرة الماضية يجد عدة عوامل ساهمت في ذلك، على رأسها الموقف التركي، واتفاق فصائل المنطقة على القتال وعدم تسليمها للنظام كما حدث في الجنوب، وكذلك الصوت القوي للمجتمع الدولي في مجلس الأمن الذي أحرج روسيا وجعلها محاصرة هناك، لكن العامل الأقوى والذي غيّر كل المعطيات كان تهديد الرئيس الأمريكي "ترامب" وهو وإن تركّز على استخدام الأسلحة الكيماوية، لكنه أيضاً تحدث عن البعد الإنساني والأخلاقي لمصير ملايين السكان المدنيين الذين سيتضررون بفعل أي حرب تنشأ في إدلب، بالأسلحة الكيماوية أو بدونها.

الموقف الأمريكي لا يزال كما كان، والتحرك الدبلوماسي الأمريكي الحالي بين أنقرة والدوحة والرياض، وعودة الاجتماع والتنسيق مع المعارضة السورية يشير بوضوح إلى هذا الموقف، والولايات المتحدة التي تعلم هشاشة اتفاق المنطقة العازلة مستعدة فيما يبدو للتقارب مع تركيا وروسيا في سبيل تثبيت الاتفاق من جانب، وفي سبيل عدم تمكين إيران من الاستفادة منه بأي شكل من الأشكال من جانب آخر، فلا تزال أحد أهم أسس الاستراتيجية الأمريكية تحجيم النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وقطع الطريق البري على طهران في الوصول إلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية حيث يقبع حليف إيران حزب الله اللبناني.

يمكن القول اليوم إن قرار منع الهجوم على إدلب في معظم جوانبه بيد الإدارة الأمريكية، فالحرب في إدلب إذا انفجرت ستخرج عن السيطرة هذه المرة، وقد تتورط جيوش نظامية في مواجهات يحاول الجميع تجنّبها، لذا فمن الصعب السماح لإيران أو لنظام الأسد، بنقض اتفاق المنطقة العازلة، الذي قد يحوّل ترتيبات مناطق شمال غرب سوريا، إلى ما يشبه مناطق شمال شرق سوريا، في إنشاء إدارة مدنية مؤقتة، إلى أن يتم التوصل لحل سياسي نهائي.