الجمعة 2018/03/09

لماذا يقاتل الجميع بنفس الأسلحة الغبية في سوريا ؟


الجسر للدراسات...


استشعر النظام بوقت مبكر جداً أن الثورة التي بدأت ضده تطالب برحيله ستطول، وأنها ستتسع لتنتشر على مساحات واسعة من البلاد، وأنها ستكلّفه الكثير، وستستنزف معظم إن لم يكن كل موارده المالية، ومخزوناته من العتاد والسلاح، لذا لجأ إلى استخدام أسوأ ما في مستودعاته من ذخيرة، وما تحت يد فرقه المقاتلة البرية، وقواعده الجوية من معدّات يعود تاريخ تصنيعها إلى ستينيّات أو سبعينيّات القرن الماضي، إلى جانب هذا الهدف، كانت هذه الأسلحة تحقق له القوة التدميرية العشوائية التي تسببت بتلك الموجات الهائلة من النزوح عن المناطق المستهدفة، فالقتل الذي يصيب المدنيين بلغ أعلى مستوياته، والأبنية السكنية سُوّيت بالأرض، وهذه المناطق لن تعود صالحة للسكن لمدة طويلة، النظام سيوقف الإنفاق على الملايين من السكان الذين تشردوا في أصقاع الأرض، بين لاجئ في دول الجوار، أو مهاجر إلى أوربا، أو نازح إلى مناطق خارج سيطرة النظام.

كانت مشاهد القصف بالبراميل تجري بمسمع ومرأى من العالم أجمع، والنظام له تبريره، فهو أولاً لا يفرّق بين فصائل جيش حر "معتدلة"، وبين منظمات إرهابية مصنّفة دولياً، وهو ثانياً يعتبر السكان المدنيين المحاصرين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم إرهابيين جميعاً يأخذون حكمهم، وهو بمأمن من المحاسبة والملاحقة على جرائم الحرب والانتهاكات هذه، فهو يحارب الإرهاب الذي يتيح له عمل كل شيء.

استخدام النظام لهذه -الأسلحة الغبية في المفهوم العسكري-يتناسب مع تخلّف جيشه، وسوء تدريبه، وضعف موارده، وهو بطريقته الهمجية هذه فتح الباب على مصراعيه لكل القوى التي تدخّلت لاحقاً بداية من حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية الطائفية، وانتهاء بالقوات الروسية، وحتى قوات التحالف الدولي لتحذو حذوه.

نفهم حقد النظام على الشعب الذي ثار عليه، لذا عمل على التنكيل به وارتكاب المجازر المروّعة بحقه، لكن كيف نفسّر استخدام الروس والتحالف لأسلحة تعتبر غير متطورة بالنسبة لجيوشهم المتقدمة التي تملك أحدث "الأسلحة الذكية في المفهوم العسكري"؟

نبدأ بالجانب الروسي، يقول مسؤول في الأمم المتحدة حسب تقرير لصحيفة الغارديان "يبدو أن هناك جهوداً متضافرة لاستخدام أسلحة متشابهة جداً من قبل القوات الجوية السورية والروسية".

"وبما أن القوات الجوية السورية تستخدم طائرات قديمة مع طيارين غير مدربين على قدرات الأسلحة الذكية، فإنها [روسيا] ستستخدم قدرات أسلحة أقل ذكاء".

لماذا فعلوا ذلك؟ تجيب مصادر في الأمم المتحدة تحدثت لنفس الصحيفة: إن استخدام موسكو قنابل أقل دقة (قنابل "غبية" غير موجهة)، تشابه في قدرتها مخزونات الأسلحة لدى القوات الجوية السورية، يمكن أن يقصد به جعل مهمة محققي جرائم الحرب في تحديد المسؤولين عن وفيات المدنيين إثر الغارات الجوية في سوريا أكثر صعوبة، كذلك تقول مصادر الأمم المتحدة: أنه قد يكون محاولة لتحميل المسؤولية عن جرائم الحرب المحتملة ووفيات المدنيين لحليفها نظام بشار الأسد.

بعض الخبراء يقولون أنّ الدافع من المحتمل أن يكون كونها أرخص من الصواريخ الموجهة بدقة، ويقول مسؤولون آخرون في الأمم المتحدة إن استخدام قنابل غير دقيقة قد يكون تكتيكاً يرمي إلى تخويف المدنيين الذين قد يضغطون بدورهم على مقاتلي المعارضة للاستسلام.

الروس متهمون حسب تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بسوريا، باستخدام أسلحة غير موجهة خلال حصار حلب، وفي الهجوم الذي وقع على الأتارب قرب حلب 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 "في سوق مزدحم، مع سلسلة من الضربات الجوية التي أتلفت أو دمرت مساحة 5000 متر مربع تقريباً، وقتلت 84 شخصاً على الأقل.

وفي الوقت نفسه نفت موسكو شن ضربات جوية في المنطقة إلا أن التنصت اللاسلكي حدد الطيارين الناطقين بالروسية الذين أقلعا قبل نصف ساعة من قاعدة حميميم الجوية المعقل الرئيسي للقوات الروسية غرب سوريا."

ما يجري في الغوطة الشرقية اليوم شبيه تماماً بما حدث سابقاً في حلب والأتارب، الضحايا من المدنيين بالمئات، والتدمير والقتل الحاصل يوصف بالجحيم.

بالمقابل نجد أن المناطق الشرقية في سوريا دير الزور والرقة، التي تمّ تحريرها على يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من تنظيم داعش، تعرّضت لنفس التدمير الذي عانت من المناطق التي تعرّضت للقصف الروسي، لماذا تفعل أمريكا ذلك؟

كل الاتهامات التي وُجّهت للروس يمكن توجيهها للأمريكيين، وقد نشر موقع "جست سيكيوريتي" سابقاً تقريراً حذّر فيه من سياسات جديدة لترامب حول " تخفيف القيود" التي كان قد وضعها أوباما على العمليات العسكرية بعد ارتفاع القتل في صفوف المدنيين في مناطق عديدة يستهدفها القصف الأمريكي.

لكن الأمريكيين كالروس تماماً لديهم حليف يقاتل على الأرض، هم ميليشيات PYD الكردية، المزوّدة بكثر من "الأسلحة الغبية"، ولا بدّ للأمريكيين من استخدام أسلحة شبيهة بها لتفادي الاتهام بجرائم الحرب، وتحميل المسؤولية لهذه الميليشيات.

في يومٍ ما سيساق كلٌّ من النظام والميليشيات الكردية إلى محاكم جرائم الحرب الدولية، لكن إلى أن يأتي هذا اليوم ستبقى كلفة الحرب مرتفعة بشرياً ومادياً في سوريا.