السبت 2018/04/07

لماذا على ترامب الانسحاب من بلد “خرج عن السيطرة”؟


مركز الجسر للدراسات..


ليست سياسات مثيرة للجدل تلك التي يتبعها ترامب، هو في طور "تنظيف" الإدارة الأمريكية من "رواسب" جميع الإدارات السابقة، التي وبعد وصولها للحكم كانت تنصاع للتقاليد والقوانين والميزات التي وضعتها لنفسها العديد من أقسام وأجهزة هذه الإدارة، وخاضت على أساسها صراعات داخلية بينها، تجعل أي رئيس جديد يفكر في تغيير ما، يقف حائراً تجاهها، ثم لا يجد مناصاً من الاستسلام لها.

بين الخارجية، ومجلس الشيوخ، ومجلس النواب، والدفاع، ووكالة المخابرات المركزية، ومجلس الأمن القومي، ومجموعات الضغط، يكاد من الصعب على الرئيس في "البيت الأبيض" أن يحصل منهم على اتفاق حول قضية أو قرار، أو يتوصّل لاستراتيجية يتطلّبها عمله.

بالتركيز على سوريا، القوات الأمريكية دخلت "لمكافحة الإرهاب" بالحرب على تنظيم الدولة، وطردها من عاصمتها في الرقة، ومن منطقة شرق الفرات عموماً، ماذا بعد؟ عشرات الأسئلة هنا تحتاج إلى أجوبة:

- هل تحافظ القوات الأمريكية على مستوى وجودها الحالي؟

- هل تسحب الإدارة هذه القوات بشكل كامل؟ ومتى؟

- هل تبقي على قسم منها؟ ولماذا؟ وكم؟ وإلى متى؟

- هل ترسل مزيداً من القوات إلى سوريا؟ ولماذا؟ وكم؟ وأين؟

- احتمال حدوث مواجهات عسكرية مع القوات الروسية، أو الإيرانية، أو التركية؟

وغير ذلك كثير من الأسئلة وتفرعاتها حول التأثيرات السياسية والاقتصادية والأمنية المتعلقة بهذا الموضوع، يوجهها ترامب ليل نهار لمستشاريه، ولباقي أجهزة الإدارة الأمريكية، ولا يجد جواباً لها.

ترامب ليس ذلك الرئيس الساذج الذي يتحدث عن أقوى جيش في العالم، كأنه جيش مرتزقة يعمل لصالح من يدفع له، وخصوصاً بهذه الطريقة التهكمية عن الأمير السعودي بالذات، بدون إرسال الجيش الأمريكي ترامب حصل على مئات المليارات "الملكية"، لكنه فقط خطاب داخلي للمواطن الأمريكي الذي انتخب ترامب، والذي سيعيد انتخابه، لن أرسل أرواح جنود أمريكيين للموت، ولن أدفع أموالاً يمكن أن تساهم في تحسين وضع المواطن الأمريكي.

مراكز دراسات الدفاع الأمريكية تقول لترامب ببساطة: الجنود الأمريكيون يجب أن يكونوا خلف الاستراتيجية التي تضعها الإدارة لا أمامها، سيكون عكس ذلك ضرباً من الجنون.

قضينا على الإرهاب، وغيّرنا نظام الأسد! ما الذي سيعود بالنفع على الولايات المتحدة؟ لا شيء! سنترك هذا البلد لخصومنا الثلاثة الكبار روسيا وتركيا وإيران، روسيا ستستمر في علاقاتها التاريخية، وقواعدها على المتوسط، وتركيا ستحل مشكلتها مع الأكراد، وإيران ستحتفظ بنفوذها الذي ينخر الحكم الحالي، بقايا تنظيم الدولة ستعاود تشكيل نفسها مرات ومرات، والمليشيات الشيعية الطائفية ستبقى منفلتة كقطعان وحوش ضارية، السعودية ستتابع تصفية حساباتها مع إيران هناك، ومصر والإمارات تريدان إزعاج أردوغان ما أمكن، والسنّة لن يرضخوا لحكم علوي جديد، والعرب يرفضون تسلّط الكرد على مناطقهم، مشكلة عودة اللاجئين لوحدها ستخلق أزمات لا تتوقّف، البلاد شبه مدمّرة، والاقتصاد منهار تماماً لن يستطيع بدء مشاريع إعادة الإعمار.

الذي يراه ترامب أن سوريا بلد خرج عن السيطرة في وضعه الحالي، والبقاء هناك كالتوغل في الرمال المتحركة في الصحراء، وكل ما تراه حولك السراب فقط.

التهديد الروسي للغرب إذا أرادت الولايات المتحدة مواجهته فستفعل ذلك في أوكرانيا، حيث ستتدخل دول الناتو جميعها وبقوة، وإذا أرادت مواجهة إيران فسيكون ذلك في دولة من دول الخليج، حيث أيضاً وبقوة ستتدخل دول الخليج.

"شرطي العالم" سيبقى هذا الوصف للولايات المتحدة، لكن بطريقة مختلفة عمّا سبق فعله في أفغانستان والعراق، ستوظّف أمريكا ترامب شرطة تعمل لصالحها، وتخوض حروباً بالوكالة عنها، ستدفع الآخرين للقتال، وتجلس هي لمشاهدتهم، وتكتفي ببيع الأسلحة لهم، هذا هو مغزى تغييرات ترامب لأعضاء إدارته، فالأعضاء الجدد يشكّلون معه حكومة حرب بهذا المعنى.

على عكس رؤساء أمريكا السابقين حين يواجهون مشاكل داخلية تهدد استمرار ولايتهم، أو إعادة انتخابهم، فيلجؤون إلى فتح حرب في مكان ما على الأرض لا على التعيين، ورفع مستوى تهديد الأمن القومي الأمريكي، ووضع الشعب في حالة ترقّب وقلق تلهيه عن مشاكله، ترامب يريد تغيير قواعد اللعبة، لن يعرّض نفسه لابتزاز سياسي أولاً، ومشاكله الداخلية مع أقسام إدارته وخصومه يريد أن يحلّها معهم على مرأى ومسمع من الشعب الأمريكي بالذات ثانياً، فهو في النهاية الذي سيعيد انتخابه، وليس رعيّة الأمير السعودي الذي يطلب من ترامب البقاء، لحماية كرسيّه لا لأجل نصرة الشعب السوري.

انسحاب ترامب من سوريا، سيخلط أوراق المنطقة بشكل كامل، والطريق المسدود الذي وصلت إليه الحالة السورية سياسياً قد يجد فرصة لفتحه من جديد عبر القرارات الدولية، ومسار جنيف الأممي، لا عبر اتفاقات هدن ومصالحات وخفض تصعيد محلية عجّلت بكارثة عسكرية بدأت بالغوطة وستعصف جنوبا بدرعا، وشمالاً بريف حمص، إلى أن تصل إلى إدلب وريف حلب، وهي في جميعها تتبلور في أمر واحد، فقدان سيطرة المعارضة على مساحات كانت تقوّي موقفها في العملية التفاوضية، وتمنحها القدرة على فرض بعض شروطها على طاولة المفاوضات.

انسحاب الولايات المتحدة، قد يتبعه انسحاب غيرها من القوات، وسيكون هذا في صالح الثورة السورية، لم يدخل أحد أبداً سوريا لقتال الأسد، بل دخل الجميع لقتال أعدائه، هؤلاء الأعداء الذين أيضاً تقاتلوا ولا زالوا يتقاتلون بينهم، وهم بهذه الطريقة خدموا الأسد من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

إذا عادت ساحة المعركة إلى ما كانت عليه أواسط عام 2013، قبل أي تدخل خارجي، ستميل الكفة من جديد نحو هزيمة الأسد.