الثلاثاء 2018/04/10

عودة تنظيم الدولة.. هل ستنجح في صرف الانتباه عن ضرب الأسد ؟

فجأة وبدون سابق إنذار، وبعد إعلان القضاء عليه، عاود تنظيم الدولة الظهور في أكثر من موقع في سوريا، وبدأ شنّ هجمات على قوات النظام!

التنظيم يهاجم ريف البوكمال ويستولي على المحطة الثانية، ويهاجم قرى ريف دير الزور الشرقي، وريف درعا، ويشعل جبهات أحياء جنوب دمشق، ويشتبك مع المليشيات الكردية شمال الفرات، ويقتل مجموعة كردية مسلحة في القامشلي، ويفجر سيارة ملغمة في الحسكة، وينصب كمينا لقوات النظام قرب المحور الشمالي الشرقي لمدينة تدمر، ويقتل عدداً من عناصر النظام على الطريق الدولي بين تدمر والسخنة، ويملك خلايا نائمة داخل مدينة الرقة.

من أين تأتي هذه الأخبار؟

تأتي من هنا: "أفادت قناة الميادين "التابعة للنظام" بأنه عقب قصف مطار " T 4" (تيفور) العسكري بريف حمص، قام مسلحو تنظيم الدولة بمحاولات للتقدم في اتجاه منطقتي سبع بيار، و"T 2" بالبادية السورية".

هنا تكمن كلمة السر، النظام وراء نشرها، قد تكون مختلقة بالكلية، أو أن هناك تضخيماً لها، فبعد إعلان التحالف الدولي القضاء على "الإرهاب" في سوريا، والسيطرة على الرقة الرقة، ومناطق شمال شرق سوريا، فقد النظام الورقة الرئيسية التي كان يراها حبل الإنقاذ له لاحتفاظه بالسلطة من خلال تقديم نفسه كشريك في مكافحة الإرهاب، وصار إرهاب الدولة الذي يمارسه على الشعب السوري هو الذي يتصدر الأخبار العالمية.

الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية ليس الأول من نوعه، سبق أن فعلها النظام على الأقل خمس مرات، وصدرت قرارات دولية بحقه أولها القرار 2118 إثر ضربة 21 آب/أغسطس 2013، وذهب ضحيتها 1500 شهيد جلّهم من الأطفال والنساء. تضمّن هذا القرار القضاء على برنامج الأسلحة الكيماوية لنظام الأسد، وتشكيل بعثة معنيّة برصد وتدمير هذه الأسلحة، كما تضمّن في حالة عدم الامتثال للقرار -بما يشمل نقل الأسلحة الكيماوية دون إذن، أو استخدامها-، فرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

في عام 2014، أكد محققو منظمة حظر الأسلحة الكيماوية استخدام غاز الكلور بشكل "منهجي ومتكرر" في قرية كفر زيتا بمحافظة حماة، وقريتي التمانعة وتلمنّس في إدلب، كما صدر تقرير عن لجنة التحقيق المشتركة، أن نظام الأسد شن هجوماً كيماوياً مستخدماً مادة الكلور في بلدة قميناس في إدلب مارس/آذار 2015. وفي 4 إبريل/نيسان 2017، استهدفت غارة جوية مدينة خان شيخون، وأوقعت 87 قتيلاً بينهم 30 طفلاً، وبسببها عوقب النظام لأول مرة على استخدام الكيماوي بالغارة الأمريكية التي استهدفت مطار الشعيرات.

كعادة النظام في القراءة الخاطئة للخارطة السياسية العالمية، قرأ آخر تصريحين بطريقة غبية، التصريح الأول تسبّب به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والثاني صرّح به هو شخصياً، فعلى هامش زيارته الأولى للولايات المتحدة، وفي ثنايا الأعطيات التي كان يوزعها يمينا وشمالا في جولته من أموال الشعب السعودي لينصّب نفسه ملكاً عليهم بعد عودته، فاجأ الرئيس الأمريكي ترامب إدارته بنيّته سحب القوات الأمريكية من سوريا، ليعقّب الأمير السعودي على ذلك بضرورة بقاء هذه القوات لحماية المنطقة من التغوّل الإيراني فيها، وكان جواب ترامب أن هذا يستلزم أن تدفع أموالاً لتغطية نفقات العمليات القتالية في سوريا. ترامب عينه على الأموال السعودية التي يمكن أن يشتري بها عدداً جديداً من الوظائف للمواطنين الأمريكيين.

التصريح الثاني الذي صدر عن الأمير السعودي متحدثاً فيه عن بقاء بشار الأسد في السلطة، كان كضوء أخضر للنظام ليفعل ما فعل في الغوطة لتسريع إجلاء جيش الإسلام منها، وإكمال التهجير القسري من محيط العاصمة دمشق، وإحداث التغيير الديمغرافي لتأمين التجانس الذي يريده، بل وتشريع ذلك بإصدار القانون رقم 10 الذي يتيح استملاك أراضي وعقارات السكان الأصليين لعدد من مناطق محيط دمشق، تمهيداً لإسكان عائلات مقاتلي المليشيات الشيعية والمرتزقة فيها، وإذا كان الأمير السعودي يقبل بحق إسرائيل في الوجود على الأراضي الفلسطينية باعتبارها ليست عدواً اليوم، فالعدو الأول للمنطقة بنظره هو مطامع إيران، فهو كذلك يقبل بحق بشار الأسد في البقاء بالسلطة بشرط "ألّا يكون دمية بيد إيران".

الأسد وجد نفسه مرتاحاً دولياً عقب هذين التصريحين، وخصوصاً مع توقف شبه تام لمسار جنيف التفاوضي المرتكز على عملية انتقال سياسي بقيادة هيئة حكم انتقالي، وانفراد مسار سوتشي القاضي بتشكيل لجنة إصلاح دستوري يلزم أن يصدّق على نتائج عملها بشار الأسد بالذات كما أبلغ الروس المعارضة السورية بكل صنوفها التي يمكن أن تشارك في أعمال اللجنة الدستورية.

بعيداً عن "خزعبلات" الأمير السعودي، فهي في عالم السياسة لا قيمة لها مطلقاً، الأمير ليس من صانعي القرار ولا من المؤثرين فيه دولياً، هو بالكاد يتسوّل دعماً لتنصيبه ملكاً من واشنطن ولندن وباريس وتل أبيب، لكن هل تغيّرت نظرة العالم اليوم إلى سوريا بعد طرد تنظيم الدولة من جميع معاقله الرئيسية، وتشريده في بطن البادية السورية، وصعوبة إعادة تشكيل نفسه من جديد كما كان، وبالتالي التركيز على إرهاب الأسد الذي يكرر استخدام أسلحته الكيماوية ضد المدنيين، والذي تسبب أيضاً بأكبر كارثة لجوء، وما تبعها من أزمات لدول الجوار، وللقارة الأوربية.

نحن في مهلة ال 24-48 ساعة التي ستظهر مدى جدّيّة العالم اتجاه كيماوي الأسد.