الثلاثاء 2017/08/15

عندما يصبح الوطن صورة…تحدث ثورة

مركز الجسر للدراسات ...

الوطن خارطة، ونشيد، وعلم، سواء ولدت في الوطن، أو ولدت خارجه، سواء كنت تعيش فيه، أو بعيدا عنه، هذه الرموز الثلاثة تمنحك الإحساس بهويتك الوطنية السورية، يخفق قلبك عندما ترى علم بلادك يرف في بقعة من بقاع العالم، يملؤك الفخر وأنت تسمع نشيد بلادك يصدح في محفل محلي أو دولي، تشعر بالانتماء لوطنك حين تقع عينك على خارطته.

هل نحن السوريون هكذا؟

أم إن صورة "السيد الرئيس" اختزلت الوطن والوطنية والانتماء والولاء فيها ولها ؟؟

في سوريا .. الخارطة تعني سجنا كبيرا لمن يعيش داخلها، فالقيود كثيرة تكبل العقول والقلوب والفكر، كما تكبل الأغلال السجين في زنزانته، ومغادرة الوطن خارج حدود الخارطة، كان شبه ممنوع، فالأسلم أن تبقى تحت أنظار الرقيب، يعد عليك أنفاسك، ويحصي حركاتك وسكناتك .

الخارطة أيضا تعني خوفا ورعبا لمن يعيش خارجها، يتردد مرات ومرات قبل أن يقرر اجتيازها، بل لا يفعل هذا إلا بعد أن يتأكد أنه ليس مطلوبا، هنا أو هناك من حراس الوطن، ففروعهم تمتد على أرجاء الوطن.

في سوريا نشيد حماة الديار !! الأحذية العسكرية !!

لم نقول لهم: عليكم سلام، وهم ينشرون الحرب والقتل والتدمير، لم نصفهم: أبت أن تذل النفوس الكرام، وهم يسومون الكرام كل أنواع الذل والهوان؟ لم نمدحهم: عرين العروبة بيت حرام؟ وهم جعلوه مستباحا لكل شذاذ الآفاق.

علم البلاد المفدى الذي تبذل دونه الأرواح، لا تكاد عينك تراه، لا في الوطن، ولا خارج الوطن.

على أبواب سفارات الوطن تستقبلك صورة "السيد الرئيس" وعلى حدود الوطن، وفي مطاراته، وأبنيته الحكومية، ومجلس شعبه، وعلى غلاف كتب ودفاتر طلاب مدارسه، وعلى عملته، ومدرجات جامعاته، في الملاعب والمسارح والمعارض والمقاهي والنوادي والدكاكين والأكشاك والمكاتب والشوارع والساحات، وفي الوديان، وعلى التلال والجبال وضفاف الأنهار، لابد أن يضعوا لك صورة "السيد الرئيس" أو تمثالا له، كي يبقى شعورك الوطني مرتفعا.

لماذا نحن في سوريا مسلمون ومسيحيون؟ سنة ودروز وعلويون؟ عرب وأكراد وتركمان؟ وأرمن وشركس وآشوريون وإيزيديون وإسماعيليون ؟؟ لماذا نحن أبناء ريف ومدينة؟ ولماذا نحن شوام وحلبيون، وحماصنة وحمويون، وحوارنة وجولانيون ؟؟

الجواب ببساطة: لأن هناك عطبا في سوريتنا. لأن صورة "السيد الرئيس" لا تصنع الهوية الوطنية السورية الجامعة، لأن صورة "السيد الرئيس" تدمر الانتماء والولاء والشعور الوطني.

تشرد السوريون اليوم في أصقاع المعمورة، ولجؤوا إلى دول بمعايير الدولة الحديثة، وليس مزرعة العائلة، أول ما لفت نظرهم أنه لا يوجد صورة تحدق فيهم من كل حدب وصوب، بل رأوا علما يرفرف على كل معلم من معالم الدولة.

بمجرد أن بدأت الثورة ترك السوريون النشيد، واستبدلوا العلم، لم يكونا بالأصل يعنيان شيئا.

بقيت لنا من وطننا الخارطة التي فيها حدود سوريتنا، يجب أن نحافظ على الخارطة، فهي نواة وحدتنا، وتعافينا. وقبل ذلك كله يجب أن نتخلص من الصورة، ومن "السيد الرئيس" صاحب الصورة.

رسالة أولا للعائدين إلى حضن الصورة، ورسالة ثانيا للذين يتحدثون اليوم عن قبولهم ببقاء صاحب الصورة فيما يسمونها المرحلة الانتقالية، أو ما قبلها، أو ما بعدها:

أنتم لم تفهموا لماذا قامت الثورة ... الثورة ستستمر ما بقيت الصورة.