الخميس 2018/04/12

سوريا دخلت حقبة ما بعد الأسد


مركز الجسر للدراسات..


وفد من المشرّعين الروس وصل إلى دمشق على عجل يوم أمس الأربعاء بحسب وكالتي "رويا نوفوستي" و"تاس"، وسيلتقي الأسد شخصياً.لماذا؟

كانت الصحف الروسية قد أعلنت أوائل شهر أيلول/سبتمبر 2013  زيارة مماثلة لوفد من المشرّعين والبرلمانيين الروس إلى واشنطن، للقاء نظرائهم في الكونغرس الأمريكي، في محاولة لإجهاض خطة إدارة الرئيس باراك أوباما، لتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، بعد استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية، ووقوع عدد كبير من الضحايا جرّاءها، ألغيت هذه الزيارة بعد أن رفض زعماء الكونغرس الأمريكي مقابلتهم. في النهاية كان أوباما قد تراجع عن هذه الضربة.

صدر نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2013 القرار 2118 القاضي بتدمير ترسانة النظام الكيماوية، وتهديده بفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز استخدام القوة لحفظ الأمن والسلم الدولي.

عاود الأسد استخدام الكيماوي مرات عديدة، وتعرّض لضربة أمريكية محدودة قررها الرئيس الأمريكي الجديد "ترامب" ضد مطار الشعيرات بعد مجزرة خان شيخون عام 2017.

اليوم عام 2018 يضرب الغاز السام "دوما" في ذروة نكبة تهجير أهلها منها، في تحدٍّ سافر للمجتمع الدولي، وللقوانين والمشاعر الإنسانية برمّتها، كانت الغوطة "الجحيم على الأرض" بحسب تعبير الأمين العام للأمم المتحدة قبل الكيماوي، فما ذا يمكن أن توصف بعده.

2018 غير 2013، غير 2017 تغيّرت معطيات كثيرة أهمها:

1- كان تنظيم الدولة يسيطر على مساحات شاسعة من البلاد، وله عاصمة في الرقة، والمجتمع الدولي يركّز جهوده على مكافحة الإرهاب، ويخشى أن يقتنص التنظيم أي ضربة عسكرية ضد النظام لصالحه، والمجتمع الدولي لم يكن يريد إضعاف النظام في هذه النقطة، بل يحضّه ليكون شريكاً له في مكافحة الإرهاب، حتى الجيش الحر كانت الولايات المتحدة تشترط أن يتفرغ لحرب "تنظيم الدولة" ليحصل على مساعدات منها، وتطلب منه تأجيل قتال النظام حتى يتم القضاء على التنظيم بالكلية. وهو ما أعلن عنه التحالف الدولي قبل مدة وجيزة، وما تبقّى من التنظيم من جيوب متناثرة لا تشكّل خطراً، ويستبعد أن تعيد ترتيب صفوفها في وقت قريب.

2- دمشق كانت محاطة بفصائل الجيش الحر، وأي ضربة للنظام كانت تعني سيطرة هذه الفصائل على العاصمة دمشق، وربما الوصول للقصر الجمهوري، وسقوط النظام، الأمر الذي لم يكن مقبولاً دولياً، فالحل يجب أن يكون سياسياً، ونقل السلطة يجب أن يتمّ عبر مفاوضات جنيف. اليوم الفصائل جميعها رحلت باتجاه الشمال بعيداً عن العاصمة والقصر الجمهوري، وآخرها جيش الإسلام.

3- العلاقة مع الروس وإيران لم تكن قد وصلت إلى هذا الحد من التصعيد، فترامب الوافد الجديد للبيت الأبيض له موقف مختلف من الاتفاق النووي مع إيران، والأوربيون لهم موقف مختلف من روسيا بعد حادثة تسميم الجاسوس "سكريبال" في بريطانيا.

الضربة العسكرية القادمة على النظام "أطلسية" وليست أمريكية، ومفتوحة وليست محدودة، وأهدافها ليست عسكرية فقط، هناك أهداف ورسائل سياسية عديدة سترسل معها لروسيا ولإيران، بل وحتى لكوريا الشمالية قبيل اجتماع ترامب بالرئيس الكوري الشمالي، سيحمل ترامب بيده درس بشار الأسد ليضعه في لوحة تعليمية أمام "كيم جونغ أون"، سيكون هذا أبلغ من أي كلام أو تهديد يمكن أن يوجهه له.

هل يمكن نزع فتيل هذه الضربة الأطلسية قبل حدوثها؟ هذا ما يعمل عليه بوتين في اتصالاته التي لا تهدأ، فروسيا تعي المتغيرات الثلاثة السابقة، أما النظام فلا يعي شيئاً كعادته، وبوتين يعلم تماماً جدية "الأطلسيين" وحجم الضربة التي سيوجهونها للنظام، وروسيا لا تريد أن تزجّ بجيشها في معركة مع الناتو، هي بالكاد تريد تجاوز مرحلة الحرب الباردة مع الغرب.

بوتين أرسل المشرّعين الروس إلى دمشق للتباحث مع المسؤولين هناك حول "الوضع القانوني والدستوري للبلاد" حال تخلّي الأسد عن السلطة، هذه هي الطريقة الوحيدة للخروج من المأزق، خروج الأسد من السلطة سيتيح بدء سلسلة من الإجراءات السياسية والقانونية والدستورية والتفاوضية مع المعارضة لتسهيل ظهور حكم انتقالي جديد حسب ما نص عليه بيان جنيف والقرار 2254، وإعادة فتح هذا الطريق الذي سدّه النظام طيلة السنوات السبع الماضية.

هل سيقبل الأسد بالتخلّي عن السلطة طواعية؟ وهل ستعطى له ضمانات بعدم الملاحقة والمحاسبة مقابل ذلك؟ وهل ستوافق إيران على هذه الصفقة؟ هل سيقبل الموالون بهذا الخروج للرئيس من السلطة؟

جميع الأجوبة على هذه الأسئلة حسب المنطق والمصلحة السياسية للأطراف المطلوب منها الإجابة من مصلحتها أن تجيب نعم.