الخميس 2018/10/11

سوتشي2.. أسوأ خيارات المعارضة السورية على الإطلاق!


الجسر للدراسات..


كل شيء ينهار بسرعة، عكس الهدوء الخادع الذي يسود العملية السياسية في سوريا، والمسارات الثلاثة التي شقّت طرقها لوضع حل نهائي للحرب التي وصلت إلى نهاياتها المسدودة، فتشكيل هيئة الحكم الانتقالي التي هي الهدف الرئيسي للمسار الأول في جنيف برعاية الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي، لم يعد أحد يتحدث عنها، ومناطق خفض التصعيد التي هي ركيزة مسار أستانا انتهت، وهذه آخرها في إدلب مهددة كما حدث لسابقاتها، والدستور والانتخابات والبيئة الآمنة التي كانت عماد ورقة المجموعة المصغرة للدول الخمس ثم السبع لا تجد آذاناً صاغية من طرف روسيا وإيران والنظام.

الذي بقي من كل الحلول المطروحة هو "اللجنة الدستورية" التي أقرّها المؤتمرون في سوتشي مطلع هذا العام، برعاية الدول الثلاث الضامنة في مسار أستانا روسيا وتركيا وإيران.

كانت الأمم المتحدة قد شاركت حسب تصريح الأمين العام "غوتيريس" في اجتماع سوتشي على أساس تفاهم مشترك بين الجانب الروسي والأمم المتحدة على طبيعة المؤتمر، ومخرجاته، وكيفية مساهمته في دعم مسار جنيف، وبشرط اعتماد ورقة المبادئ ال 12 "السورية – السورية" الحية التي طرحها المبعوث الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا نهاية العام الماضي، في جولة جنيف 8، وأن يتم تشكيل لجنة دستورية "تضم -بالحد الأدنى -ممثلين للحكومة وممثلي المعارضة المشاركة في المحادثات السورية-السورية، وخبراء سوريين وممثلين للمجتمع المدني ومستقلين وقيادات قبلية ونساء، بالإضافة إلى تمثيل مناسب للمكونات العرقية والدينية في سوريا".

وأن يكون عمل اللجنة دستورية تحت إشراف الأمم المتحدة ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

وأن الاتفاق النهائي على ولاية ومراجع إسناد وصلاحيات ولائحة إجراءات ومعايير اختيار أعضاء هذه اللجنة الدستورية، سيتم عبر العملية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف.

كان هذا التفاهم بين الأمين العام للأمم المتحدة "غوتيريس" ووزير الخارجية الروسي "لافروف" يقتضي إسدال الستار على مؤتمر سوتشي بشكل نهائي، ونقل ملفّاته إلى جنيف لتكون اللجنة الدستورية واحدة من السلال الأربع لقرار مجلس الأمن 2254، وهو ما التزم به الروس إلى 11 أيلول- سبتمبر الماضي حين رفضوا قائمة الخمسين شخصية التي رشّحها دي مستورا لعضوية اللجنة الدستورية.

كان الروس قد حاولوا إجبار دي ميستورا على القبول بخمسين شخصية أوكلوا تسميتها لمجموعات من المعارضة شاركت في مؤتمر سوتشي، وبعيداً عن هيئة التفاوض وعن الائتلاف الوطني اللذين قاطعا ذلك المؤتمر، لكن مساعي الروس فشلت، واستقر الأمر على تقديم ثلاث قوائم من طرف النظام، ومن طرف هيئة التفاوض الممثلة للمعارضة، ومن طرف المبعوث الدولي دي ميستورا.

في اجتماع 11 أيلول- سبتمبر قدّم دي ميستورا قائمة وصفها في إحاطته أمام مجلس الأمن 18 أيلول أنها: "تفي بالمعايير الواردة في بيان سوتشي" وأنه ضمن "أن تحظى القائمة بدعم الأمم المتحدة من حيث المصداقية والشرعية الدولية، في اختيار الخبراء ذوي الخبرة الفنية المهمة في صياغة الدستور.

وأنها تضم "سوريين من خلفيات عرقية ودينية وجغرافية مختلفة من داخل سوريا وخارجها، أي أولئك المعروفون بأنهم من بُناة الجسور.  وأن الهدف " يتمثل في أنه يجب أن يكون هناك توازن في الثلث الأوسط، ولا ينبغي أن يفرض اتجاه معين سيطرته الكاملة -وهذا شرط أساسي لمصداقية اللجنة".

قدم دي ميستورا -إضافة للقائمة - "اقتراحات وخيارات حول التفويض والرئاسة والتوجيه وصنع القرار" لكن هذا العمل الذي استمر 7 أشهر ونصفاً تقريباً، انهار كله بسبب التعنّت الروسي والإيراني في اجتماع 11 أيلول، الأمر الذي أقلق الأمين العام للأمم المتحدة، وطلب من مبعوثه الخاص إحاطة مجلس الأمن بهذا التطور الخطير، وهو ما فعله دي ميستورا في 18 من الشهر نفسه حين أبلغ مجلس الأمن ذلك بقوله: " عليّ أن أعترف أنّي وفريقي خاب ظننا لأن القائمة الثالثة الوسطى -القائمة التي لديّ مسؤولية خاصة عنها -كانت موضع تشكيك كبير، فقد تم تقديم مقترحات وجدتُ أنها تتعارض مع المصداقية والشرعية اللازمة لعملية تيسّرها الأمم المتحدة.

وفي الوقت نفسه، ناقشنا قضايا مثل الرئاسة والتصويت، لكن بقي الكثير فيما يخص القواعد الإجرائية دون حل".

كانت توجيهات الأمين العام واضحة للوسيط الدولي ولفريقه: إما أن يكون تشكيل اللجنة الدستورية، وإجراءات عملها ضمن معايير الأمم المتحدة، أو تعلن المنظمة الدولية انسحابها من هذا المسار وتعود للعمل ضمن قرارات مجلس الأمن وفي جنيف فقط.

المشهد السياسي الآن يشير إلى رفض الروس هذا الموقف من الأمين العام، وإصرارهم على المضيّ في تشكيل اللجنة الدستورية، ولو بعيداً عن الأمم المتحدة، فموقف الروس مستند إلى بسط سيطرتهم على كامل مساحة البلاد، ما عدا المنطقة الشرقية وشمال غرب سوريا، وأنهم قادرون على إعلان انتهاء الحرب فيها، وبالتالي إمكانية البدء بالإصلاحات الدستورية، وعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار، وإجراء الانتخابات الرئاسية.

هذا هو تفسير إعلان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، عن نيّة موسكو لعقد مؤتمر ثانٍ لسوتشي.

خارطة سوتشي2:

النظام: سوتشي الأول واجه مماطلة ورفضاً من النظام ومحاولات عديدة لتعطيله خشية إعطاء دور للمعارضة الوطنية الحقيقية فيما لو تشكّلت اللجنة الدستورية بوجود ثقل كبير لهم، بما يعني بدء تغيير حقيقي للنظام الحالي وتمهيد الطريق لعملية انتقال سياسي، ونشوء حكم جديد في البلاد يتفّق مع تطلعات الشعب السوري في التخلّص من مرحلة الاستبداد المهيمنة على السلطة منذ خمسة عقود، لكن النظام الآن وبعد أن اطمأن إلى فشل تشكيل اللجنة الدستورية بهذه المعطيات سيذهب للمشاركة في سوتشي 2، بشكل رسمي وعلى أعلى المستويات، ستكون فرصة له للتملّص من تطبيق القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، باعتباره ينخرط الآن في عملية سياسية، ويختار الحل السياسي بعد أن كان متهماً باختيار الحل العسكري فقط.

 

المعارضة: من جانب المعارضة ستتعدى مشاركتها ما حدث في سوتشي 1، فمنصات موسكو والقاهرة التي التزمت بموقف هيئة التفاوض بعدم المشاركة هناك، ستعمل على تغيير قرار الهيئة هذه المرة، وقد تنجح في ذلك، فمن المتوقع أن يقف إلى جانبها هذه المرة معظم مكوّنات الهيئة.

الأمم المتحدة: ستمتنع الأمم المتحدة عن حضور سوتشي هذه المرة، فهو يفرض نفسه بديلاً عن مسار جنيف الأممي، لكنها ستكتفي بهذا الامتناع، فقواعد العمل في الأمم المتحدة تفرض تسهيل أي عمل يخفف من الأزمات الإنسانية، ويوقف الحرب والتدمير والتهجير، بغض النظر عن النتائج السياسية المترتبة عليه، فهي ثانوية مقابل أولوية إعادة السلام إلى البلاد، فالأنظمة الاستبدادية تحكم العديد من الدول المنتسبة للأمم المتحدة، وهي لا تتدخل في شؤون هذه الدول، وإنما تهتم بحفظ الأمن والسلم الدوليين، وحل النزاعات التي تؤثر عليهما.

مجموعة الدول السبع: هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة سترفض سوتشي 2 رفضاً قاطعاً، والمجموعة كلها تقريباً لديها خلافات مع الدول الثلاث الراعية لسوتشي، وهي لن تقبل بانفرادها في إيجاد حل في سوريا، لأنه سيلبي مصالحها فقط، ويهمل مصالح الدول السبع، وسيتركز الهجوم على استفحال النفوذ الإيراني في المنطقة، وعلى رفض المساهمة في عمليات إعادة الإعمار، لكنه لن يصل إلى حد تمويل وتسليح الفصائل المقاتلة لتعاود قتال النظام وحلفائه في المناطق التي فقدوا السيطرة عليها في السنوات الثلاث الماضية بعد التدخل الروسي.

كذلك فإنها لن تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا أو إيران في المناطق التي تنتشر فيها قواتهما، لكن ستعمل الولايات المتحدة على الاحتفاظ بمناطق شمال شرق سوريا، وتأمين الحماية اللازمة لها.

الولايات المتحدة في خطوة استباقية لمنع انعقاد سوتشي 2، طلبت من المبعوث الدولي المسارعة في تشكيل اللجنة الدستورية، وتقديم تقريره نهاية هذا الشهر، ومع احتمال عدم نجاحه في ذلك، فإنها تقوم الآن بخطوة استباقية أخرى في التواصل مع المعارضة وإظهار الدعم العلني لها، لتقوية موقفها وثنيها عن المشاركة في سوتشي 2، فهل ستثق المعارضة بالوعود الأمريكية مثلاً بعد تخليها عن فصائل الجنوب، الأمر الذي أدّى إلى سقوط الجنوب بيد النظام؟ أم إن روسيا ستنجح في مساعيها، حيث إن فكرة سوتشي 2 ستقوم على فرض حل سياسي يجد المجتمع الدولي نفسه محرجاً حيال رفضه، وبالتالي سيضطر إلى مباركته أو السكوت عنه في أقل تقدير، وخصوصاً إذا ترافق مع حلول تسمح بإعادة اللاجئين، والتعهد بعدم تهديد أمن دول الجوار.

مع أن خيارات المعارضة ضيقة، لكن المشاركة في سوتشي 2، سيكون أسوأ خياراتها على الإطلاق.