الأربعاء 2017/08/02

جرائم “ب ي د” ..محكمة الجنايات الدولية بالانتظار

مركز دراسات الجسر...

(عندما يسيطر تنظيم داعش أو النصرة على منطقة ما، فإن الأهالي يبايعونها حكماً سواءٌ أكان ذلك برغبتهم أم لا، وبالتالي أصبحوا منهم، ولا فارق بينهم).  هذا كلام مندوب نظام الأسد في جنيف، بشار الجعفري، وهذا هو المبدأ الذي يسير عليه نظام الأسد منذ أول الثورة، وقبل ظهور تنظيم الدولة والنصرة، وفي كل المناطق التي خرجت عن سيطرته وانتشر فيها الجيش الحر بشعاراته الأولى، أي حتى قبل ظهور "الشعارات الإسلامية" في بعض فصائل الجيش الحر.

هذا المبدأ نفسه الذي تسير عليه مليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" (ذات الغالبية الكردية) في تعاملها مع السكان المدنيين في محافظة الرقة الآن، ومن قبلها الحسكة وريف حلب.

هذا المبدأ نفسه الذي سارت عليه قوات الحلفاء الأمريكية والأوربية والروسية في قصفها المدن الألمانية الواحدة تلو الأخرى، مدمّرة إياها فوق رؤوس ساكنيها المحاصرين في الملاجئ، الذين لم يجدوا مكاناً يهربون إليه، بل كان النازيون يمنعونهم من الفرار، وينتشرون بينهم.

المدنيون بين خياري الموت لا محالة: على يد تنظيم الدولة إن هم فرُّوا من "أرض الخلافة إلى دار الكفر"، أو بقصف التحالف الدولي وشريكهم ب ي د، إن هم مكثوا في منازلهم.

كما كان المدنيون الألمان بنظر قوات الحلفاء نازيين وأتباعاً للفوهرر، والرايخ الثالث، عدو البشرية الأول، كذلك المدنيون السوريون بنظر من يحاربون التنظيم هم "دواعش" وأشرار إرهابيون، ورعيّة للبغدادي، إلى أن يثبت العكس، وهذا يفسّر مشاهد التعذيب والإعدامات الميدانية للسكان المدنيين العزّل بدءاً من الموصل ومروراً بالرقة، وغداً في دير الزور.

مؤرخ برلين "فريدريك يورغ" في كتابه "الحريق" يقول: "هذا هو مبدأ التعذيب: تستمر في تعذيب الضحية طالما أنها لا تفعل ما يُطلب منها. أرادوا من الألمان التخلّي عن النازيين. حقيقةً إن الأثر المقصود لم يتحقق، والانتفاضة ضد النازيين لن تحدث، طبعاً لا يمكن لأحد أن يتصور أن السكان المدنيين سيختارون القصف على الرغم من نطاق الدمار المروّع، لكن ظل احتمال الوفاة بقصف القنابل حتى نهاية الحرب أقل من احتمال الموت على يد الجلّاد، إذا أظهرت مواطن السخط على النظام ".

عندما كان الحديث يدور مع بعض الباحثين الغربيين حول الانتهاكات التي ترتكبها ب ي د، من تهجير قسري، وتطهير عرقي، وتجريف قرى بأكملها، وحرق حقولها، وسرقة محاصيلها ومواشيها، ونهب ممتلكاتها، وتلك السلسلة الطويلة من الجرائم التي وثّقتها لجان التحقيق الخاصة، ومنظمة العفو الدولية، وشبكات حقوق الإنسان، كان الجواب الصّادم أن المسؤولين في تلك الدول الغربية وأمريكا يتفهّمون مثل هذه الانتهاكات؛ فتنظيم الدولة قد يكون ترك أحداً من عناصره كخلايا نائمة، ويجب التحقّق من أن المدنيين ليسوا مرتبطين بهذه المنظمات الإرهابية، ويجب بسط السيطرة عليها، واستقرارها ولو بهذا القمع.

لا شكّ أن هناك طرقاً قانونية للتحقق من هذا الأمر، ليس منها التعذيب ولا الإعدام الميداني، وكل الانتهاكات المذكورة سابقاً ليست منها بالتأكيد، لكنّ "الأعمال القذرة" تُكلّف بها "الأيدي القذرة"، فالمهم اليوم عند التحالف الدولي مكافحة الإرهاب، وضمان عدم عودته بأيّ وسيلة كانت، لكن التحالف لا يفعل ذلك بنفسه ولايخالف العهود والمواثيق الدولية في الحروب، وخصوصاً ما يتعلّق بالمدنيين، سيُفضَح كل ذلك لاحقاً، وسيحاسب ساسة وقادة وعناصر ب ي د حصرياً، أما طيّارو التحالف الذين يرتكبون الكثير من الأخطاء أثناء القصف، فسيقال في تبرئتهم إن المهمات القتالية التي ينفّذونها بالأصل تتحمّل هذا النوع من الأخطاء بسبب انتشار تنظيم الدولة في الأحياء السكانية.

إضافة إلى أن الطيّارين لا ينزلون إلى الأرض، ولا يقبضون على السكان المحررين الذين كانوا محاصَرين ويعذبونهم أو يعدمونهم، هذا الأمر تفعله قوات الحشد الشعبي الشيعي في العراق، وتفعله قوات ب ي د في سوريا.

محكمة الجنايات الدولية بانتظارهم، وسيساقون إليها يوماً ما، وسيحاسبهم من غضّ الطرف اليوم عن جرائمهم، وهذه الأصوات بدأت تظهر في أمريكا على الأقل بفك الشراكة مع هؤلاء القتلة، لكن المهمة لم تنتهِ بعد.

"نعم، نصف السكان المدنيين من ألمانيا يجب أن يموت". في حالة رعب كتب برتولت بريخت في مذكراته هذا بعد حديث مع "ذوي الياقات البيضاء".

موت نصف السوريين العرب السنّة على يد ب ي د، في شرق سوريا، سيغرس عداوات وأحقاداً طويلة الأمد، أكراد سوريا بغنىً عنها، وهم أول من عليهم أن يرفضوا ويتبرؤوا من انتهاكات ب ي د قبل غيرهم، فالسكان المدنيون ليسوا هم العدو، العدو هو نظام الأسد الذي تسبب بهذا الخراب، والإرهاب الدخيل العابر للحدود الذي لم يكن سمة أهل البلاد في يوم من الأيام.

مكافحة الإرهاب شيء، وانتهاك حقوق الإنسان شيء آخر، يجب أن تعلم ب ي د أن "مكافحة الإرهاب" لن تمنحهم حصانة ولا براءة من انتهاكاتهم المتكررة لحقوق الإنسان.