الأثنين 2017/12/11

بوتين في حميميم .. ما الرسالة التي وجهها لإيران ؟

إيران محاصرة سياسياً في كل المسارات الخاصة بسوريا، سواء في جنيف أو أستانا أو سوتشي، فمحادثات جنيف 8 المنعقدة حالياً لا تزال محكومة بالقرارات الدولية القاضية بتشكيل "هيئة حكم انتقالي" تعمل على صياغة دستور جديد تَجري بحسبه انتخاباتٌ شفافة بإشراف ومراقبة الأمم المتحدة، وإيران لا تكاد تجد لها دوراً في هذا المسار، فهي قد تمّ طردها من جنيف2، وجُلّ ما حققته أنها شاركت في مؤتمر فيينا 2015 بضغط روسي بين نحو 20 دولة وجِهة شاركت في فيينا.

أستانا تحضرها إيران بين عدويّن لدودين لها، فالنزاع بين إيران وروسيا يشتد في سوريا، وأهدافهما متنافرة هناك بشكل لا يمكن الالتقاء فيه  بمشروع واحد، فروسيا تهدف إلى استمرار النظام المتمثل بالأجهزة الأمنية والعسكرية، إلى جانب الحفاظ على ما تبقّى من مؤسسات الدولة العامة، وهي مستعدّة كما تصرِّح بشكل دائم في التخلّي عن الأسد في اللحظة التي تضمن فيها انتقالاً سياسياً بطريقة دستورية، ونتيجة انتخابات برلمانية ورئاسية بعد مراجعة طفيفة للدستور ولقانون الانتخابات، وإصلاح لمؤسسات الدولة بالحدّ الأدنى من التغيير.

سوتشي تشبه أستانا مع فارق الشرعية الواسعة التي ستحصل عليها نتائج المؤتمر بسبب عدد المدعوّين الكبير، وإيران ستكون الخاسر الأكبر هناك، فسوتشي ستضع العملية السياسية طور التنفيذ حين يذهب بها الروس إلى الأمم المتحدة للحصول على قرار دولي جديد كما فعلوا في القرار 2336، وليكون أساساً لجولة جنيف 9، وبديلاً أو مفسِّراً لبيان جنيف 2012، والقرار 2254، الذي تجري المفاوضات الحالية على أساسه.

إيران التي شرعنت أستانا وجود قواتها في سوريا بحجة مراقبة خفض التصعيد، ترى أن جنيف وسوتشي على حد سواء يعملان على تقليص نفوذها وإخراجها من سوريا. وهي دفعت النظام للعودة إلى جنيف تفادياً لمطب سوتشي، لكن على أن يستمر في مماطلته وعدم جِدّيته، وجعل المفاوضات في حالة عبثية لا تصل فيها الأمم المتحدة إلى أي نوع من الحل السياسي.

إذن ..إيران تريد الذهاب عسكرياً إلى أبعد حدٍّ كما فعلت في العراق، وستكرر سيناريو "تنظيم الدولة" هناك بحيث تعيد إظهارها مرة ثانية في أكثر من موقع، لضمان عدم الوصول لاستقرار، وكتبرير لوجودها العسكري لـ"مكافحة الإرهاب"، ولإبادة أكبر عدد ممكن من السوريين السنّة وتدمير مدنهم وقراهم وتهجيرهم خارج البلاد.

إيران بسبب عدم قدرتها على مواجهة الروس الآن ستدفع بسوريا للوصول إلى دولة فاشلة تنتشر الفوضى في كل أرجائها، وتحافظ على نظام عميل مُوالٍ لها، ينفذ أوامرها كما هو حال نظام العبادي في العراق، إلى أن يستقر لها احتلال سوريا بشكل كامل حينها ستوقف القتال، وتثبت الوضع الراهن آنذاك.

الروس يعرفون بدقة مطامع إيران هذه، وكم من مرة خرّبت الاتفاقات التي يبرمها الروس مع الثوار، بل وحتى تسببها بخسائر للقوات الروسية مرات عديدة بتسريبها معلومات عن تموضعهم وتحركاتهم.

الروس بعد لقاءات ترامب بوتين والاتفاق على البيانات والمذكرات الصادرة عنهما يريدون المضي في العملية السياسية وبشكل جدّي، ولا يريدون السماح لإيران بإجبار النظام على التملص من التزاماته التي قدمها بشار في آخر استدعاءٍ له إلى روسيا.

تأتي زيارة بوتين اليوم إلى حميميم كرسالة تهديدية شديدة اللهجة لإيران التي ترى تفوقها البري في سوريا، فيما الروس يملكون التفوق الجوي فقط، وأن الروس بقوتهم الجوية هم فعليا من استعاد معظم الأراضي السورية من يد المعارضة ومن يد تنظيم الدولة، وأنهم أصحاب اليد الطولى في سوريا، وهم من يملك القرار النهائي فيها، وفي عملية الانتقال السياسي التي يعملون عليها.

أول حروف رسالة بوتين سحب القوات الروسية لإدخال الرعب إلى قلب النظام للانخراط بشكل جِدّي في العملية السياسية التي يكرهها النظام لأنها ستطيح برئيسه في أول خطوة لها، ومع تلاقي المصالح الروسية الأمريكية الإسرائيلية، إضافة لدول المنطقة وخصوصاً السعودية وتركيا، سيتضح لإيران مقدار الصعوبات في مواجهة هذا التحالف ضدها، وأنه عليها أن تتوقف عن تخريب العملية السياسية.

ستشهد الأيام المقبلة تحولات سياسية وإن كانت بطيئة شيئاً ما باتجاه فتح عملية تفاوضية تتكامل بين مساري جنيف وسوتشي، وتختتم في النهاية في مجلس الأمن. النظام يحتاج إلى فترة من الوقت حتى يستوعب ما يحدث له  .