السبت 2018/06/02

الولايات المتحدة للأسد.. لك فقط اجتياح إدلب


مركز الجسر للدراسات..


الأسد في لقائه مع قناة "آر تي" الروسية، يرسل رسالتين للأمريكيين: الأولى "لقد استولى الإرهابيون على إدلب في العام 2015 بدعم تركي.

لقد تم الاستيلاء عليها بشكل رئيسي من قبل النصرة وبعض الفصائل الداعمة لها"، ويتابع " هذه المجموعات ليست مستعدة للحوار. ليست لديهم أي خطة سياسية. الشيء الوحيد الذي يمتلكونه هو هذا المخطط الأيديولوجي الظلامي، وأن تصبح المناطق التي يسيطرون عليها شبيهة بأي منطقة تسيطر عليها القاعدة في أي مكان من العالم، لذلك فإن الخيار الوحيد للتعامل مع هؤلاء هو القوة". والرسالة الثانية يضع فيها الأسد إلى جانب النصرة " قوات سورية الديمقراطية" المليشيات الكردية المدعومة أمريكياً، لكنه يقول هنا: لقد " بدأنا الآن بفتح الأبواب أمام المفاوضات".

المشهد في قصر الأسد هكذا:

إيران تضغط علية بشدة للتوجه جنوباً نحو درعا والقنيطرة بمحاذاة الحدود الإسرائيلية، تريد من ذلك تحسين موقعها التفاوضي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول برنامجها النووي، وترى أن رفع مستوى التهديد والفوضى قرب الحدود الجنوبية سيمنحها فرصة في ذلك، فاللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة وروسيا على حد سواء سيعمل على تجنُّب هذا السيناريو، والاستعراض العسكري الذي قامت به فصائل الجنوب يوحي بوصول إمدادات من العتاد والسلاح لها، في محاولة لردع النظام عن اتخاذ خطوة من هذا النوع في الجنوب، وأنه سيواجه مقاومة شديدة، ويتكبّد خسائر فادحة، وأنّ عليه صرف النظر عن أي عمل عسكري في المنطقة، التفاهمات الروسية الأمريكية الإسرائيلية هي وحدها التي ستحدد الترتيبات الملائمة التي تضمن أمن إسرائيل، وتؤمّن مصالحها.

الأسد في هذه النقطة سيتخلّى عن إيران المثقلة بمشاكلها، والتي صارت عبئاً كبيراً عليه، مشروع إيران في المنطقة احتلال من النوع القديم أيام الدول الاستعمارية، يصاحبه تغيير ديني مذهبي، وثقافي وديموغرافي، حتى طائفة الأسد ترفض هذا المشروع، والنظام بعد أن أمّن محيط العاصمة دمشق يسعى للتخلّص من الوجود الإيراني فيها، وفي أحياء دمشق تمهيداً لعودة الحياة الطبيعية إليها، النظام يلقى تأييداً من كل الدول حتى روسيا في مسعاه هذا، تحجيم النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط يعتبر استراتيجية عالمية، والنظام سينضم إلى هذه الاستراتيجية.

الوجهة الثانية للنظام شرق الفرات، إيران فقط أيضاً تريد ذلك لتأمين الممر البري بين طهران وسواحل المتوسط وعميلها نصر الله في لبنان، الأسد في مقابلته مع "آر تي" يتحدث بليونة عن هذه المنطقة وقابلية التفاوض عليها مع الأمريكيين، لا هو ولا الروس لديهم الرغبة في فتح معركة مع الأمريكيين هناك، حادثة حقل غاز "كونيكو" ومقتل عشرات الروس فيها توضح مدى جدّيّة الأمريكيين في التعامل مع أي هجوم محتمل قادم. الولايات المتحدة تريد بالمقابل قطع الطريق البري على إيران وهي لن تغادر شمال شرق الفرات لسنوات عديدة قادمة. كما كان الحال في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. بل وستزيد من انتشارها إلى جانب قوات فرنسية وبريطانية.

الوجهة الثالثة للنظام إدلب، ما هي معطيات هذه الوجهة؟

في وقت واحد صدرت أربعة تصريحات متزامنة:

الأول: اتفاق روسي أمريكي إسرائيلي على وجوب سحب جميع القوات والمليشيات الأجنبية من جنوب غرب سوريا، أي درعا والقنيطرة على الحدود الإسرائيلية والأردنية.

الثاني: تحذير أمريكي من مهاجمة حليفهم "PYD" في مناطق شمال شرق الفرات، التحذير الأمريكي ليس للأسد مباشرة، هو أقل من أن يخاطبوه، لكنه للإيرانيين بالدرجة الأولى، ودعم لموقف الأسد حين يرفض الطلب الإيراني بفتح معركة هناك. ستجد إيران نفسها وحيدة ومحاصرة بعد التغييرات المهمة التي أعقبت نتائج الانتخابات الأخيرة في العراق. حيث تفقد نفوذها بشكل متسارع.

الثالث: الأسد في رسالته الأولى للأمريكيين يريد إعادة تأهيل نظامه، وإعادة اعتباره شريكاً دولياً في الحرب على الإرهاب، وأنّه أنهى الجزء الأول من خطّته في جمع الإرهابيين في مكان واحد بعد أن كانوا منتشرين في مئات المواقع والجبهات، جيش الإسلام وأحرار الشام حسب قوله و "جميع الفصائل التي ترغب بمغادرة المدن أو القرى، كانت تختار الذهاب إلى إدلب. هذا مؤشر واضح على أن لديهم نفس الأيديولوجيا، لأنهم يختارون الذهاب إلى منطقة تخضع لسيطرة النصرة، ولم يختاروا الذهاب إلى أي منطقة أخرى. إذاً، نحن لم نرسل هؤلاء إلى إدلب، بل هم أرادوا الذهاب إليها لأن لديهم جميعاً نفس الحاضنة، نفس المناخ، ونفس طريقة التفكير". يختم بقوله " هذا أفضل بالنسبة لنا من منظور عسكري"، إذن الأسد يقدّم خدماته ويطلب الإذن باجتياح إدلب للقضاء على "الإرهاب العالمي" الذي تجمّع فيها.

الرابع: التقط الأمريكيون الرسالة، وأعلنوا بعد ساعات قليلة من تلقّيها عن تصنيف "هيئة تحرير الشام" النصرة سابقاً، كمنظمة إرهابية تدخل ضمن أهداف الحرب على الإرهاب.

إذن الولايات المتحدة تحدّد للأسد وجهته القادمة، وتعطيه الضوء الأخضر لبدء عمليّاته العسكريّة في إدلب، وهي بذلك تصرِف النظام عن شمال شرق، وجنوب غرب البلاد، وعملية إدلب ستشكّل أزمة حقيقية لتركيا وتزيد الضغط عليها قبيل الانتخابات الرئاسية أوّلاً، وقبيل مباحثات ستجري حول مصير مدينة منبج والتهديد التركي بامتداد عملياته لتشمل منطقة عين العرب والرقة وغيرها.

الولايات المتحدة بفرط عقد تحالف الدول الضامنة الثلاث تعمل على تفكيك مسار أستانا بإنهاء مناطق خفض التصعيد، وتفكيك مسار سوتشي الداعي لتشكيل لجنة دستورية تتحكّم روسيا وحدها بمخرجاتها، وبالتالي على روسيا التوقف عن محاولات انفرادها بالحل في سوريا، وهي تلقّت هذه الرسالة من الرئيس الفرنسي "ماكرون" في زيارته قبل أيام لموسكو في ضرورة إيجاد الية تنسيق مشتركة بين المسار الروسي، والمجموعة المصغرة للدول الخمس، وفي كل الأحوال يبدو مسار جنيف بعيد المنال حسب أسسه التي قام عليها من بيان 30 حزيران/يونيو 2012، وصولاً إلى القرار 2254، وأن الحل السياسي لا يلوح في الأفق قريباً، لكن يمكن أن يأتي بعد دورة العنف الجديدة القادمة في البلاد.