الأحد 2018/11/11

الطريق المسدود بين ترامب وأردوغان!


مركز الجسر للدراسات...


انتهى لقاء الرئيسين التركي والأمريكي في باريس، رياح ما قبل اللقاء كانت تهب جميعها من جانب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، المطالب التي يضعها أردوغان، لا يضعها على الطاولة فقط، بل وضع أسسها على الأرض أولاً، وحمل نتائجها الأولى معه إلى باريس.

ما الذي يريده أردوغان، وهل سيستجيب ترامب لمطالبه؟

سوريا فقط ولا شيء آخر على طاولة الرجلين، أو بالأخص شمال سوريا على وجه التحديد، شمال شرق الفرات حيث المليشيات الكردية، وشمال غرب البلاد حيث منطقتا درع الفرات وغصن الزيتون والجزء المتبقي من اتفاق أستانا حول خفض التصعيد بإدلب.

الخارطة معقدة بما يكفي للقول إنه من الصعب حصول تقدم مهم فيها، فمطالب الأتراك صُلبة، وتستند إلى أخطاء كبرى ارتكبتها الإدارة الأمريكية، بطريقة مشابهة لما فعلته في العراق، وأدخلت العراق في دوامات الفوضى والحرب، حتى إنها كادت أن تؤدي إلى تفككه في يوم من الأيام.

تركيا لا تريد أن تتكرر تلك الأخطاء الأمريكية في سوريا، المعادلة التركية بسيطة: اعتماد الولايات المتحدة على الأكراد كشريك محلي في سوريا، هو مثل اعتمادها على الشيعة في العراق، سيؤدي إلى حرب أهلية مفتوحة بين العرب والأكراد، ويمهد الطريق لظهور دولة كردية على طول الحدود الجنوبية لتركيا مع سوريا، والممتدة بطول 900 كم تقريباً، وسيكون حكام هذه الدولة بعكس إقليم كردستان العراق خاضعاً لسيطرة ميليشيات كردية تصنفها تركيا على قوائم الإرهاب، وتركيا ليس لديها مشكلة في رعاية الولايات المتحدة لشمال شرق سوريا إلى حين التوصل لاتفاق سياسي شامل، لكنها تشترط أن تكون الإدارة المحلية الناشئة بجميع هياكلها الخدمية والعسكرية والسياسية وفي بنيتها الديموغرافية ذات تمثيل حقيقي للسكان الأصليين في هذه المناطق، وألا تكون قائمة على سلطة الأمر الواقع التي فرضتها الولايات المتحدة عبر ميلشيات "ب ي د"، والتي أدت إلى عمليات تهجير واسعة، وإلى تغيير ديموغرافي حاد في المنطقة الشرقية.

أردوغان لا يملك أوراقاً سياسية يفاوض عليها الولايات المتحدة حول شمال سوريا، لذا فالضغط التركي يسير باتجاه واحد، حشد القوات التركية قرب الحدود، والتهديد بتدخل عسكري واسع النطاق، وفرض أمر واقع جديد عبر حلفاء تركيا المحليين على غرار ما حدث في مناطق شمال غرب سوريا، وبدء عملية إعادة استقرار فيها تتيح عودة عدد كبير من النازحين، أو اللاجئين في تركيا.

ترامب من جانبه استبق اللقاء بالإعلان عن تسيير دوريات "لقوات أمن حدودية" مشتركة بين القوات الأمريكية والمليشيات الكردية، كذلك تسيير دوريات أمنية مشتركة بين القوات الأمريكية والتركية في منبج، يبدو هذا أكثر ما سيقدمه ترامب حاليا، لكن هل يكفي هذا لتهدئة مخاوف أنقرة؟ بالطبع لا، فالتعامل مع منبج مختلف تماماً عن المنطقة الشرقية، لا يمكن مهاجمة المليشيات الكردية في منبج دون الاصطدام بالقوات الأمريكية وحدوث خسائر في صفوفها، وهو ما يريد أردوغان تجنّبه تماماً الآن، لكن في المنطقة الشرقية سيكون للقوات التركية خيارات متعددة في ضرب "ب ي د "، فالمساحات الواسعة التي تنتشر عليها المليشيات ستمنح القوات التركية القدرة على تفادي مواجهة القوات الأمريكية.

ترامب سيطرح على أردوغان أن تكون الدوريات الأمنية الحدودية مشتركة بين القوات التركية والأمريكية، مقابل تعهد أردوغان بعدم مهاجمة المليشيات الكردية، أيضاً هنا بالطبع لن يوافق أردوغان، فاتفاقية أضنة بين تركيا وسوريا عام 1998، الملحق الرابع منها "يعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كم". هذا يعني أن تركيا تستطيع تسيير دوريات أمنية داخل الحدود السورية بمعزل عن الأمريكيين، هذا العمق سيدفع المليشيات الكردية بعيداً عن الحدود التركية، ويخفّف من مخاطر العمليات الانتقامية التي يمكن أن تقوم بها المليشيات الكردية في المدن التركية القريبة من الحدود.

القبائل العربية الناقمة على ممارسات "ب ي د" في المحافظات الشرقية الثلاث: الحسكة والرقة ودير الزور، ستميل للاستجابة للتحريض التركي، وقد يبدأ الأمر بتمرد على المليشيات الكردية وينتهي بعمليات ثأرية من القوات الأمريكية فيما لو خاضت القتال إلى جانب "ب ي د".

الولايات المتحدة من جانبها لا تقبل التخلي عن "ب ي د" واستبدالها بقوات محلية عربية في مكافحة تنظيم الدولة، فتجربتها في العراق تشير إلى سهولة تسلل عناصر التنظيم إلى هذه القوات المحلية، لذا لا يُتصوّر أن يكون هذا الخيار موجوداً لدى الإدارة الأمريكية.

إذاً.. الولايات المتحدة في وضع حرج جداً، روسيا وإيران ستقفان إلى جانب تركيا، وهما تعملان منذ فترة كذلك على تعبئة القبائل العربية ضد مليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" وتقويض المشروع الأمريكي بالكامل في المنطقة الشرقية، وتنظيم الدولة سيجد في مثل هذا التمرد أرضاً خِصبة ليعيد ترتيب صفوفه، هذا يعني أن الاستراتيجيات الأمريكية الرئيسية في مكافحة الإرهاب، وطرد إيران ومنع إقامة الممر البري الشيعي بين طهران وسواحل المتوسط، ستكون قد تعرضت لهزة هائلة.

الطريق مسدود بين ترامب وأردوغان، ومشروع اجتياح عسكري تركي للمنطقة الشرقية قائم، والأمر يحتاج إلى عمل دبلوماسي محموم بين الطرفين لتفادي الصدام المباشر، هذا قد يضغط بتسريع جولة قريبة من عملية سياسية مع المبعوث الدولي الجديد إلى سوريا، لكن دون تحقيق نتائج في تنفيذ قرارات مجلس الأمن التي لا زالت تتحدث عن هيئة حكم انتقالي ودستور وانتخابات تقود إلى تغيير حقيقي للنظام السياسي في البلاد.