السبت 2018/04/14

الضربات الأمريكية: ترامب يهين روسيا وبوتين، لماذا؟


مركز الجسر للدراسات...


ترامب يعلن فجر اليوم السبت 14/4 نيسان أبريل 2018 في كلمة متلفزة من البيت الأبيض مخاطباً الشعب الأمريكي والعالم: "أمرت القوات المسلحة الأمريكية بتوجيه ضربات دقيقة لأهداف مرتبطة بقدرات الدكتاتور  بشار الأسد في مجال الأسلحة الكيماوية“، " لقد قام نظام الأسد مرة أخرى يوم السبت الماضي بنشر أسلحة كيماوية لقتل المدنيين الأبرياء، وكان الهدف هذه المرة بلدة دوما القريبة من العاصمة السورية دمشق.

وقد مثلت هذه المذبحة تصعيداً كبيراً في نمط استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل هذا النظام الوحشي، خلّف هذا الهجوم الشرير والدنيء أمهات وآباء ورضعا وأطفالا ينتفضون ألماً ويلهثون محاولين التنفس.ليست هذه تصرفات رجل، بل جرائم وحش".

أضاف ترامب: "وأريد أيضاً توجيه رسالة هذه الليلة إلى الحكومتين الأكثر مسؤولية عن دعم نظام الأسد الإجرامي وتجهيزه وتمويله، أسأل إيران وروسيا: ما نوع الدول التي تريد أن ترتبط بالقتل الجماعي للرجال والنساء والأطفال الأبرياء؟

كانت نبرة التحدي في كلمة ترامب عالية تجاه بوتين حين قال: "وعد الرئيس بوتين وحكومته العالم في العام 2013 بأن يضمنوا التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية.

ويمثل هجوم الأسد الأخير – والرد اليوم – النتيجة المباشرة لفشل روسيا في الوفاء بهذا الوعد، ينبغي أن تقرر روسيا ما إذا كانت ستستمر في هذا الطريق المظلم أم ستنضم إلى الأمم المتحضرة كقوة للاستقرار والسلام".

الرسالة الوحيدة التي فهمها الروس من العملية الأولى اليوم، كانت في أول تعليق صدر عن روسيا عبر سفيرها في الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف حين اعتبر "أن الضربات تعد إهانة "غير مقبولة ومرفوضة" للرئيس الروسي"، وأضاف "أن بلاده حذّرت من أن "مثل هذه الأفعال لن تمر دون عواقب"، لكن يبدو أن الضربة الأولى مرت دون عواقب، فوزارة الدفاع الروسية اعترفت أنها لم تعترض أيّاً من الصواريخ المهاجمة للقواعد الجوية، ومراكز تصنيع الكيماوي التابعة للنظام.

إلى أين تسير الأمور بعد هذه الضربة؟

الفرنسيون والبريطانيون صدرت عنهم تصريحات تفيد انتهاء مشاركتهم في هذه العملية باعتبار أنها قضت على قدرات النظام الكيماوية، لكن التحدي الأمريكي للروس لا زال قائماً، والبنتاغون يقول: "أنهينا الوجبة الأولى من الضربات لأهداف محددة بدقة في سوريا". وترامب يؤكد ذلك بالقول: "نحن على استعداد للحفاظ على هذا الرد حتى يتوقف النظام السوري عن استخدام العوامل الكيماوية المحظورة".

ما الذي يريد ترامب الوصول إليه؟

وصلت أزمة ترامب حول التدخل الروسي في الانتخابات التي فاز فيها عام 2016 إلى ذروتها، فقد اضطر إلى نفي نيته إقالة روبرت مولر، المدعي الخاص الذي يحقق في احتمال حدوث تدخل روسي للتلاعب بنتيجة تلك الانتخابات بعدما طرح أعضاء في مجلس الشيوخ مشروع قانون لتحصين مولر من خطر الإقالة التعسفية.

مخاوف ترامب حول نتائج التحقيقات أيضاً وصلت ذروتها بعد التقارير التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية وصحيفة "الأوبزرفر" البريطانية أنّ شركة "كمبردج أناليتيكا" لتحليل البيانات جمعت معلومات خاصة عن أكثر من 50 مليون مستخدم لموقع فيس بوك من خلال تطوير تقنيات لدعم الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب في عام 2016"، استدعت هذه التقارير مثول مؤسس شركة شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ورئيسها التنفيذي، مارك زوكربرغ للاستجواب في الكونغرس الأميركي، وهو أكد بدوره "أنّ مجموعته "تعمل" مع المدعي العام الخاص روبرت مولر الذي يعتبر أن الإنترنت ولا سيما "فيسبوك" شكّل منصة لعملية دعائية واسعة النطاق مصدرها روسيا خلال الحملة الرئاسية الأميركية في العام 2016 التي فاز فيها دونالد ترامب"، وفي نوع من الاعتراف بحدوث هذا الخرق قال زوكربرغ: "إنني نادم كثيرا على بطئنا في رصد" التدخل الأجنبي عبر الشبكة خلال الحملة الانتخابية"، واشتكى من مدى صعوبة مكافحة التلاعب السياسي متحدثا عن "سباق إلى التسلح" لمواجهة "أشخاص في روسيا مهمتهم استغلال أنظمتنا".

القضاء الأميركي وجّه بشكل رسمي اتهامات إلى 13 روسياً، أحدهم مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين و3 كيانات روسية لتدخلهم في العملية السياسية الأميركية، ستكون الخطوة التالية توجيه الاتهامات إلى أعضاء من حملة ترامب الانتخابية بالتواطؤ مع موسكو، وتلقّي رشاو منها، كان أولها حين وجّه مكتب المحقق الأميركي الخاص مولر اتهاما جديدا بالاحتيال المصرفي لمدير الحملة الانتخابية السابق لترامب، بول مانافورت، حيث قال ممثلو الادعاء إن لديهم أدلة على أن مانافورت حصل على رهن عقاري بقيمة 9 ملايين دولار باستخدام معلومات خاطئة تشمل أرباحا معدلة وبيانات مفقودة قدرت قيمة عقار يمتلكه بأكثر من قيمته الفعلية بملايين الدولارات.

ترامب لا يزال مصراّ على رفض هذه الاتهامات بشكل متكرر، ويصف ما يقال عن التدخل الروسي في الانتخابات بأنه "أخبار مضللة" و"خدعة" مصمّمة لتنال من انتصاره في الانتخابات أولاً، ومن نجاحاته السياسية غير المسبوقة حسب نظره كرئيس ثانياً، وترامب ينطلق في ضربته على نظام الأسد بدوافع عديدة، لكن لنقل أن استخدام الكيماوي ليس الدافع الرئيسي المحرك لهذه الضربة بل أزمته الداخلية كرئيس مشكوك في شرعيته، كما إنه يحقق من خلالها مكاسب كثيرة أهمها إظهار العداوة الشديدة للروس، وإهانتهم واحتقارهم لإثبات عدم أهليتهم والتشكيك بقدرتهم على التلاعب بنتائج الانتخابات الأمريكية، وهو سيستمر في خوض هذه المعركة مع الروس إلى أن يجتاز أزمته الداخلية "الانتخابية" هذه.

ستكون فرصة بلا شك للتخلّص من الأسد حين يتلقّى هو الضربات بالنيابة عن موسكو، والضربات الأمريكية ستستمر ولو لم يعاود نظام الأسد استخدام الأسلحة الكيماوية، فقد فعلها سابقاً بحدود مئتي مرة ولم يعاقب، لكن حظّ الأسد العاثر وضعه في طريق أزمة الانتخابات هذه المرة.