السبت 2017/11/11

ابن سلمان على خطا الخُمينية


مركز الجسر للدراسات...


تبنّت الثورة الخمينية منذ وصولها للحكم في إيران أواخر سبعينات القرن الماضي مبدأ "تصدير الثورة"، وعملت من خلاله على نشر المذهب الشيعي في العالم السنّي.

كان لابدّ للخمينية الوليدة أن يكون لها رموز دينية مقدسة تتكئ عليها في مواجهة زعامة السعودية الدينية لاحتوائها على الحرمين الشريفين، لذا دخلت في حرب ضروس مع العراق للاستيلاء على ما تسميه "العتبات المقدسة" الموجودة في النجف وكربلاء.

إضافة للمواجهة العسكرية غير المباشرة بين السعودية وإيران التي كانت تجري على "الجبهة الشرقية" في العراق، كانت هناك حرب من نوع آخر تدور في كل أرجاء العالم الإسلامي تقريباً من خلال الملحقيات والمراكز الثقافية، والجامعات والمدارس الخارجية، وعن طريق توزيع الكتب والأشرطة الدينية.

عملت السعودية في تلك الفترة على تقوية بنية المؤسسة الدينية كي تكون الذراع الضاربة للمشروع التوسعي الشيعي، وكان أيضاً لابدّ للملك السعودي أن يحصل على توصيف ديني بشيء مشابه "للمرشد الأعلى" فكان أن تسمّى الملك فهد ولأول مرة في تاريخ المملكة باسم "خادم الحرمين الشريفين".

كان موسم الحج في كل عام ساحة للتوتر والصراع بين المؤسستين الدينية والسياسية للبلدين، فلم يكن مسموحاً بشكل من الأشكال استغلال الخمينية هذا الموسم للدعاية لأنفسهم، أو لتخريب سمعة السعوديين بخلق العديد من المشاكل لعرقلة الحجيج، والقيام بأعمال إجرامية، والمطالبة المستمرة بتدويل الإشراف على الحرمين، ونزعها من يد السلطات السعودية.

السلطات السعودية بثوبها ولبوسها الديني كانت دائماً تجد تأييداً وتعاطفاً من العالم الإسلامي السنّي، وخصوصاً بعد سيطرة إيران على العراق، وحجم القتل والعنف المذهبي الكبير الذي ارتكبته الميليشيات الشيعيّة المدعومة بالجيش النظامي الذي بناه المالكي.

محمد بن سلمان يرى أنه سيرث مؤسسة دينية مدجّنة، فليس عنده مشكلة مع رموزها، ستتبع هذه المؤسسة بنظره سياسات القصر كما فعلت مرات عديدة سابقة، المشكلة عنده مع الرموز الدينية التي لا تنتمي للمؤسسة لذا عمل على تصفيتها قبل أن يبدأ تحركه الأخير الذي يسميه "الإصلاح".

استراتيجية إيران الثابتة أنها كانت تخوض معاركها العسكرية خارج حدودها، ولم تفعل ذلك يوماً داخل إيران، وغالباً أيضاً بعناصر غير إيرانية، ففي لبنان حزب الله، وفي العراق الحشد الشعبي، وفي اليمن الحوثيون، وفي سوريا أذرع عديدة من الميليشيات والمرتزقة الطائفيين.

محمد بن سلمان بخطواته التصعيدية الأخيرة ضد إيران يسير على خطاها في محاولة فتح المعركة العسكرية معها خارج الأراضي السعودية، فهو يعلم أن البنية الاجتماعية وحتى الخدمية ستكون عاملاً ضده، وليست مساعداً له، وهو بإزاحته للرجلين القويين في الداخلية والحرس الوطني، إضافة لكبار القادة العسكريين قد يكون خسر ولاء هذه القوات التاريخي للأسرة الحاكمة، يضاف لذلك سلسلة الاعتقالات في صفوف كبار رجال الأعمال بحجة حملة التطهير من الفساد.

والمؤسسة الدينية الرسمية التي كانت تعطي الحاكم الولاء طاعة واجبة لوليّ الأمر، تجد نفسها في حرج اليوم أمام التصريح العلني بنقل الدولة إلى علمانية، لا تزال مرفوضة من المؤسسة الدينية، وهي ناقمة كذلك لسحب كثير من صلاحياتها، ونقلها إلى حالة من الضعف والإهمال غير مسبوقة في تاريخها.

وهو لا يملك أي أذرع عسكرية خارجية، فلا الجيوش النظامية لدول مثل مصر أو الإمارات أو الأردن أو البحرين، ستدخل في حرب بالوكالة عن السعودية، وهو لا يملك أيضاً ميليشيات على غرار حزب الله أو الحشد الشعبي أو الحوثيين يستطيع تحريكها ضد إيران.

إذن هو في ورطة حقيقية، ومغامرة غير مأمونة العواقب، ولو أنه تأمل نتائج تدخله في اليمن لعلم خطورة ما هو مقبل عليه.

ابن سلمان يعي كل هذا، لكنه يريد إظهار إيران كعدو أول وقد يكون وحيداً للسعودية، وللعرب السنة في المنطقة، وأن إسرائيل أقرب للتحالف معها ضد إيران، والسير نحو التطبيع الكامل والعلني مع إسرائيل، والاعتماد على جيشها في شنّ الحرب ضد إيران وأذرعها، ويريد أيضاً كسب الرضا الأمريكي الغاضب من إيران، والاصطفاف إلى جانبها في موقفها المعادي لإيران.

الذي يفوت ابن سلمان أن الغضب الأمريكي والإسرائيلي على إيران لن يصل بهما إلى فتح معركة عسكرية معها تضعفها في البحر العربي المحيط بها، فوجود إيران قوية مقابل جيرانها يعتبر أهم عامل في المنطقة يجعلها هي السوق الأولى لعقود التسليح في العالم، وسيفاجأ ابن سلمان بنفسه وحيداً في خطوته الهوجاء-إن حصلت-كما هو حاله الآن في اليمن.

لسنا في صدد تقديم النصح للأمير السعودي، لكن المعارضة السورية مقبلة على مؤتمر قريب لها في العاصمة الرياض، والدول درجت على مقايضة حماية مصالحها عن طريق القبول ببسط نفوذها في مكان مقابل التخلي عنه لصالح خصومها في مكان آخر، واليمن هي العمق الجغرافي الاستراتيجي المهم للسعودية، أما لبنان وسوريا فهي بعيدة نسبيّاً ولا تشكّل أي خطر فعلي على السعودية، وابن سلمان قد يكون يسعى لمقايضة إيران بحيث تعود اليمن إلى حالة من الهدوء والاستقرار والاعتراف بالنفوذ السعودي عليها، مقابل الاعتراف بنفوذ إيراني في سوريا بمستويات ترضى عنها أمريكا وإسرائيل، هذا التوجه السعودي هو الأصل الذي يجب على المعارضة السورية أن تحسب حسابه فهو الذي صدر عن وزير الخارجية عادل الجبير وفي اجتماع رسمي مع هيئة المفاوضات حين تحدث عن بقاء بشار الأسد في منصبه.

المطلوب من المعارضة السورية التي ستشارك في الرياض 2 أن تنطلق من ثوابتها المعروفة، وأن تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وأن تقدم المصلحة الوطنية العليا للشعب السوري الثائر على النظام المجرم، وألّا تلتفت إلى أي مشاريع جانبية تصب في مصلحة أخرى غير مصلحة الشعب السوري.