الثلاثاء 2018/05/29

إيران.. الوصفة الكاملة لنهاية آخر دولة مارقة


مركز الجسر للدارسات


مصطلح "الدّولة المارقة" ليس له تعريف في القانون الدولي، ولا في ميثاق الأمم المتحدة، أول ظهور لهذا المصطلح كان في آذار/مارس 1994 على يد "أنتوني ليك" مستشار الأمن القومي الأمريكي، في فترة رئاسة "بيل كلينتون" الأولى، كان قد مضى عامان ونصف على تفكيك الاتحاد السوفييتي، ما يؤذن بانتهاء مرحلة "الحرب الباردة"، كان لا بد من اختراع أعداء جدد يهددون الأمن والسلم الدوليين، بهذا ستحافظ الولايات المتحدة على مكانتها كشرطي عالمي وتقدم الحماية لحلفائها من هذه التهديدات المزعومة.

"الدّولة الّتي تجد عجزاً مزمناً في التّعامل مع العالم الخارجيّ"، كانت هي الدولة المارقة حسب المفهوم الأمريكي الذي صاغ هذا التعريف لينطبق على عدد من الدول المناوئة للولايات المتحدة، كان منها كوريا الشمالية وإيران والعراق، لقصور هذا التعريف في إقناع المجتمع الدولي بمعاداة "الدول المارقة"، والسكوت عن "أو مؤازرة" الإجراءات التي ستفرض على هذه الدول، احتاجت الولايات المتحدة إلى زيادة في ضبط هذا المفهوم.

وضعت الولايات المتحدة أربعة معايير لتصنيف أي دولة أنها مارقة:

1- السعي نحو امتلاك أسلحة الدّمار الشّامل.

2- إنشاء أو دعم التّنظيمات الإرهابيّة، بتقديم المال والسلاح لها، أو تدريب عناصرها، أو توفير الحماية لهم، أو إيوائهم على أراضيها.

3- سوء معاملة هذه الدول للشّعوب الّتي تحكمها.

4- إظهار العداء للولايات المتّحدة الأمريكيّة.

تحت هذه الذرائع الأربع جرى غزو العراق، وإسقاط نظام صدام حسين، كانت الولايات المتحدة قد تجاوزت له مجزرة الكيماوي في "حلبجة" عام 1988، فهو يخوض معركة ضد عدوها الآخر "الخميني" صاحب أزمة رهائن السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 أول وصوله للحكم على أنقاض نظام الشاه، لكن صدام ارتكب الخطأ القاتل بغزو الكويت، وتهديد حلفاء أمريكا الأثرياء، وتعريض إمدادات الطاقة العالمية للخطر، فمنطقة الخليج هي المنتج الأول للنفط في العالم.

عمدت الولايات المتحدة إلى عزل النظام العراقي دولياً، وفرضت عليه أقسى العقوبات الاقتصادية، وحرّضت كلّاً من الشيعة والأكراد على التمرّد الداخلي عليه، وأنشأت مناطق حظر طيران في الشمال والجنوب لحماية "المتمردين" هناك، استطاعت الولايات المتحدة أن تستصدر عدداً من القرارات الدولية في مجلس الأمن ضد النظام العراقي، واستخدمتها في النهاية كغطاء قانوني للتدخل العسكري، وإسقاط النظام برمّته.

مرّت خمسة عشر عاماً على هذا التاريخ، وجاء الدور على كوريا الشمالية، لكن زعيمها اختار أن يجنّب بلاده مصير العراق، وقبل بالجلوس على طاولة المفاوضات إلى جانب الرئيس الأمريكي "ترامب" وأظهر استعداده للتخلّي عن برنامجه النووي، تمهيداً لتغيير سلوكه ليتشابه به مع جارته الجنوبية، ويخرج بذلك من "عجزه المزمن في التعامل مع العالم الخارجي".

بقيت إيران اليوم الوحيدة التي تمتلك مواصفات "الدولة المارقة"، فلديها برنامج نووي ترى الولايات المتحدة أنه لأغراض عسكرية، وليس سلميّة كما تدّعي إيران، ولهذا السبب انسحب ترامب من الاتفاق النووي، وهي من أنشأت وتدعم "حزب الله" اللبناني المصنف أمريكيا كمنظمة إرهابية، ومثله الحرس الثوري الإيراني الذراع الضاربة لنظام المرشد الأعلى الخامنئي، وهي تؤوي الكثير من عناصر تنظيم القاعدة على أراضيها، وإيران تقمع بوحشية الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ عدة أشهر وسط تعتيم إعلامي كبير عليها، والحريات العامة في أدنى مستوياتها، وهي أخيراً فوق هذا كله تعتبر عداء الولايات المتحدة عقيدة في دين نظام الولي الفقيه.

التساهل النسبي مع كوريا الشمالية، سيقابله تشدد كبير مع إيران، فلعنة الخليج التي أصابت صدّام ستصيب الخامنئي، لا يمكن السماح بتهديد أمن الخليج، ستدفع إيران ثمناً باهظاً بسبب إطلالها على مضيق هرمز، والتوعّد بإغلاقه حال مهاجمتها، فمضيق هرمز يمر عبره 40% من تجارة النفط العالمية، تصدّر السعودية 88% من نفطها عبر المضيق، والإمارات بنسبة 99%، فيما تصل صادرات العراق إلى نسبة 98%، وبالمجمل تصدّر دول الخليج 90% من نفطها عبره.

خطاب وزير الخارجية الأمريكي "بومبيو" قبل أيام، نسخة قريبة من خطة الولايات المتحدة في إسقاط النظام العراقي، وملالي إيران اليوم بين خيارين: إما إنقاذ أنفسهم باتفاق مذلٍّ كما سيفعل زعيم كوريا الشمالية، أو تحدّي الإدارة الأمريكية كما فعل زعيم العراق، عندها ما عليهم إلّا أن يراجعوا التاريخ قليلاً ليقرؤوا الوصفة الكاملة لنهاية آخر دولة مارقة.

هل هو ما سيحدث لهم؟.