الأحد 2018/09/09

مواجهات القامشلي.. من يقف وراءها.. ولماذا؟

24 ساعة فقط على نهاية أعمال "قمة طهران" الثلاثية، وبسبب الموقف الحازم للرئيس التركي أردوغان حول عدم السماح بمهاجمة إدلب، لما سيكون له من أضرار إنسانية على ثلاثة ملايين سوري يعيشون فيها، إضافة لتعريض الأمن القومي التركي لمخاطر كبيرة، وما تبع ذلك من موقف دولي جاد في مجلس الأمن باتخاذ خطوات للرد على مثل هذا الهجوم حال حدوثه. أُسقط في يد الروس والإيرانيين الساعين لتحقيق مكاسب على حساب الملف السوري أقلها رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عنهما، وبدأ التوجه نحو تسخين المنطقة الشرقية في سوريا التي تسيطر عليها المليشيات الكردية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وهذه الأخيرة تسعى نحو دخول الدول الخليجية في مشاريع إعادة إعمار المنطقة الشرقية، فهي تحقق الهدفين الرئيسيين الأمريكيين من وجود قواتها في سوريا: منع عودة تنظيم الدولة، وتحجيم النفوذ الإيراني وقطع الطريق البري بين طهران وسواحل المتوسط.

منذ عدة أشهر رصدت الاستخبارات الأمريكية العديد من التحركات الروسية والإيرانية في إنشاء بنى تحتية تمكّن القوات التابعة لها إن كان من النظام، أو الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الشيعية وعلى رأسها "الحشد الشعبي" العراقي، أو المرتزقة الروس مثل مجموعة "فاغنر"، من عبور نهر الفرات والاشتباك مع المليشيات الكردية التي تسيطر على شمال شرق الفرات.

كانت هذه هي الخطة البديلة، فروسيا وإيران كانتا تتوقعان صعوبة سكوت المجتمع الدولي عن فتح معركة إدلب، فالخسائر البشرية الهائلة والصور التي ستنشر ستضع الجميع في موضع حرج، والإدانات العالمية ستكون واسعة النطاق، وقد تتضرر المصالح الروسية والإيرانية في العديد من الدول كنتيجة لهذا الاجتياح.

يريد التحالف الروسي الإيراني إبقاء التهديد على إدلب في درجاته العالية، ولو دون تنفيذه، فيما تبدأ بتسخين المنطقة الشرقية، فما فشلت في الحصول عليه في الغرب، يمكن أن تحصل عليه في الشرق، فالولايات المتحدة ستحاول قدر الإمكان تجنب اشتباك قواتها مع القوات الروسية، وروسيا تأمل أن يتم تقديم تنازلات لها هناك.

مفاوضات "مجلس سوريا الديمقراطية" مع النظام في دمشق وصلت إلى طريق مسدود، هذا أحد المؤشرات عمّا كان النظام يبيّته للمنطقة الشرقية، وهو عمل على استمالة المليشيات الكردية إلى صفه، في محاولة إدماجها مع قواته، وتحوّلها إلى ما يشبه الفيلق الخامس في الجنوب، فشل النظام وحلفاؤه في ذلك، فالأكراد لا زالوا يطمحون إلى استمرار الدعم الأمريكي لهم، بعد ظهور ما يبدو تحولاً في مواقف ترامب في نيته الانسحاب من سوريا، وتعيين جيمس جيفري مبعوثاً خاصاً لسوريا وهو صاحب نظرية إنشاء منطقة حظر طيران شمال شرق سوريا.

الصراع على القبائل العربية في المنطقة على أشده بين الولايات المتحدة من طرف، وروسيا وإيران من طرف آخر، الكفّة راجحة في جانب الولايات المتحدة حيث سخّرت العلاقات السعودية والإماراتية والأردنية التاريخية مع القبائل العربية وروابطها التقليدية مع شيوخها، لكسب هذه القبائل إلى صفّها والانخراط في مشروع "الإدارة المحلية"، والاحتفاظ بنوع من الاستقلالية عن النظام، إلى أن يتم التوصل إلى حل نهائي للنزاع في سوريا.

الولايات المتحدة التي ساندت تركيا في قضية إدلب، ستطلب منها شيئاً من التنازل في المنطقة الشرقية، مع ضمان عدم تهديد الأكراد لأمنها القومي، وضمان مشاركة عربية واسعة في "الإدارة المحلية"، إضافة إلى المكونات الأخرى التركمانية والآشورية، ومن غير المستبعد حصول تفاهم تركي أمريكي بحيث تؤمّن تركيا كامل مساحة حدودها، ويكون لها في المنطقة الشرقية ما يشبه النفوذ الذي لها الآن شمال غرب البلاد، مقابل فك الارتباط مع التحالف الإيراني الروسي، مع فتح باب التفاوض للوصول إلى اتفاق وتفاهم مع المليشيات الكردية.

أحداث القامشلي قد تكون بداية لسلسلة من الهجمات المتعاقبة ومن محاور متعددة في المنطقة الشرقية، فكل من روسيا وإيران والنظام لن يدَعوا الولايات المتحدة تنفرد بالسيطرة على الموارد الغنية من النفط والغاز، والثروات المائية والزراعية وغيرها، بعدما تكبدت خسائر مالية عالية في سنوات الحرب السبع الماضية.

قد يستغل كذلك تنظيم الدولة هذه الأحداث ليعيد ترتيب صفوفه، ويعيد الاستيلاء على بعض المساحات التي فقدها سابقاً، وسيكون ذلك غالبا في الريف الشرقي لدير الزور المحاذي للحدود العراقية.

المهم في الأمر أن تسخين المنطقة الشرقية قد بدأ، ومن الصعب معرفة درجة الغليان التي ستصل إليها.