الأربعاء 2018/12/19

مفاجآت “الاعتقال ومنع السفر” تعطّل اللجنة الدستورية من جديد

الفشل الذريع في تشكيل اللجنة الدستورية لم يكن خافياً في البيان الصحفي الخاطف، الذي أعلنه وزير الخارجية الروسي لافروف أمس في جنيف إثر انعقاد اجتماع الدول الثلاث الضامنة في مسار أستانا.

تم ترحيل اللجنة إلى أجل غير مسمى، المؤكد في الأمر أن المبعوث الأممي دي ميستورا لن يكون حاضراً في تشكيلها مستقبلاً، سيضاف ذلك إلى سلسلة إخفاقاته في الملف السوري، والمبعوث الجديد بيدرسون قد لا يرى أن اللجنة الدستورية هي مفتاح الحل في سوريا، ومن المرجح أن يتجنّب العمل عليها بعدما رأى تعقيد وصعوبة إطلاقها في عهد سلفه دي ميستورا.

المهم معرفة كيف ولماذا تعطّل الإعلان عن اللجنة الدستورية

الأمر الأول: تراجع الروس عن التفاهمات التي تمت مع الأمين العام للأمم المتحدة قبل عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي مطلع هذا العام، والتي على أساسها وافق غوتيريس على مشاركة مبعوثه دي ميستورا في المؤتمر.

الخلاف تركّز منذ أشهر حول دور وصلاحيات الأمم المتحدة، ونقل ملف اللجنة الدستورية برمّته إلى مسار جنيف، لكن الأمم المتحدة فوجئت بمجموعة شروط وضعها النظام وحوّلتها روسيا للأمم المتحدة، ثم كانت هذه الشروط حاضرة في لقاء دي ميستورا الأخير في دمشق مع وليد المعلم وزير خارجية النظام.

النظام اعتبر اللجنة الدستورية من القضايا السيادية، وبذلك أبلغ الأمم المتحدة رفضه أي دور لها في تشكيلها، أو في الولاية عليها، كما وضع قواعد إجرائية تخص الرئاسة والتصويت ومكان الاجتماع تتيح له التحكّم الكامل بسير عمل اللجنة، وضمان النتائج التي توافق سياساته وأهدافه.

بعد مفاوضات ماراثونية بين الدول الثلاث من جانب، وبينها وبين الأمم المتحدة من جانب آخر تم الاتفاق على قائمة الخمسين عضواً تسمّيهم الأمم المتحدة، فيما يسمّي كل من النظام والمعارضة خمسين عضواً آخرين، ليكتمل العدد من مئة وخمسين سورياً يعملون على الإصلاح الدستوري للبلاد.

قائمة الخمسين تعرّضت للتغيير مرات عديدة، كان النظام هو السبب فيها جميعاً، وبطريقة جعلت الأمم المتحدة تشعر أنها تتعرّض هي الأخرى للابتزاز من نظام الأسد، ومن ثمّ كانت ستخرج لجنة لا تتمتع لا بالمصداقية ولا بالشمولية، ولا تتناسب مع معايير عمل الأمم المتحدة، استمر هذا إلى اللحظات الأخيرة التي بقي النظام فيها يساوم على عدد الموالين له في قائمة الخمسين هذه إلى أن أوصلهم إلى ثلاثين عضواً، فيما يمكن اعتبار العشرين الآخرين مناصفة بين معارض ومحايد، بمعنى آخر كان النظام قد ضمن حدود ثلثي أعضاء اللجنة.

الأمر الثاني: رغم أن الأمم المتحدة وافقت تقريباً على هذه العملية إلا أن مفاجآت أخرى كانت بالانتظار:

المفاجأة الأولى: بعد أن تسلّمت الأمم المتحدة القائمة النهائية، أجرى الأمين العام غوتيرس اتصالات هاتفية مع قيادات في المعارضة بعد أن تمّ إبلاغه بموافقة المعارضة على قائمة الخمسين الثالثة، لكنه فوجئ بعدم عرض هذه القائمة على المعارضة، وبذلك أبلغوه أن قرار مشاركة المعارضة متوقف على علمهم بالأسماء الخمسين، وأن قرار المشاركة من عدمها سيكون على أساسه، وأنه في حال عدم قبولهم بالقائمة فسيعلنون رفضهم الكامل للمشاركة في اللجنة الدستورية.

كان هذا الرفض لو حدث سيعرّض الأمم المتحدة للحرج الشديد، فهي كانت تظن أن المعارضة موافقة على القائمة، وشعر الأمين العام أنه تعرّض لعملية خداع واحتيال من الروس ومن مبعوثه السيد دي ميستورا.

المفاجأة الثانية: كان قد وصل إلى مسامع الأمم المتحدة سلسلة الإجراءات والاستدعاءات الأمنية التي يمارسها النظام على أعضاء قائمة الخمسين المقيمين في سوريا للسيطرة عليهم ولضمان ولائهم الكامل حال مشاركتهم في أعمال اللجنة الدستورية، لكن الأمم المتحدة كانت تحتاج إلى أدلة قوية تواجه بها الدول الثلاث الضامنة، وعليه تم توجيه الدعوة لعدد من هؤلاء لحضور بعض الورشات الحوارية المعتادة التي تقيمها مراكز الأبحاث والدراسات الدولية في أوروبا، لكن المفاجأة كانت صاعقة للأمم المتحدة!! غياب الأعضاء المدعوين، مع العلم أن بعضهم يعد مقرباً من النظام أو محسوباً عليه، يبدو أن قرارات منع السفر خارج سوريا تشمل جميع أعضاء اللجنة المقيمين في سوريا، والأمم المتحدة التي كانت حاضرة على هامش هذه الورشات تأكدت بما يقطع الشك باليقين أن النظام سيتبع أساليبه الإرهابية المعهودة للضغط على أعضاء اللجنة فهم وعائلاتهم يعتبرون رهائن عنده، وسيمارس عليهم مختلف الانتهاكات ليكونوا في صفه.

كان النظام قد طالب قبل ذلك بتغيير أسماء أعضاء آخرين وتم قبول طلباته، لكن أيضاً تأكدت الأمم المتحدة أن الأشخاص الذين تم تغييرهم صاروا قيد الاعتقال في الأفرع الأمنية، ويبدو أنهم ممن رفض الاستسلام لضغوط النظام، وتمسك بموقفه في العمل مع اللجنة الدستورية بالمهنية والحيادية التي يتطلّبها العمل.

المفاجأة الثالثة: لم يكتفِ النظام بذلك، بل قام بمداهمات "زيارات" أمنية لأهالي

أعضاء اللجنة المقيمين في الخارج، بحجة عمل دراسة أمنية عنهم، وطلب أرقام هواتفهم للاتصال بهم مباشرة من قبل الأجهزة الأمنية، ويبدو أن الرعب المرافق لهذه العملية حسب وصف أهاليهم كان كافياً ليحشر هؤلاء الأعضاء بين خيارين لا ثالث لهما: إما الانسحاب من اللجنة، أو الرضوخ لضغوط النظام، ما يعني عملياً أن النظام سيملك مئة صوت كاملة للقائمتين، إضافة إلى الأصوات الموالية له الموجودة في قائمة المعارضة مثل منصة موسكو. هذا يشبه انتخابات واستفتاءات النظام الهزلية المحسومة النتائج سلفاً.

في النهاية عندما وصل الأمر إلى اجتماع أمس في جنيف، كان الأمين العام للأمم المتحدة يملك ورقة وحيدة وضعها على الطاولة: صلاحيات الأمم المتحدة حسب بيان سوتشي الذي أقرّ تشكيل اللجنة الدستورية، هذه الصلاحيات هي التي كانت ستعيد الأمور إلى نصابها، روسيا وإيران لم تقبلا بذلك، وعليه تعطّل الإعلان عن تشكيل اللجنة حتى إشعار آخر.