الأثنين 2018/05/21

معهد الحرب الأمريكي: أخطأنا في فهم الجيش الحر.. كان يجب السماح لهم بقتال الأسد


مركز الجسر للدراسات 


في تموز / يوليو 2017 أصدر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" قراره بوقف برنامج تسليح وتدريب الجيش الحر، تمّ الكشف عن القرار بعد يوم من الإعلان عن اجتماع لم يكن معروفاً للإعلام من قبل، جرى بين ترامب ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، على هامش قمة العشرين في ألمانيا.

في التقرير الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" يومئذٍ اعتبر بوب باير "محلل شؤون الأمن والاستخبارات لدى CNN والعنصر السابق في CIA " أن ترامب أقدم على "خطأ استراتيجي" وأضاف أن دعم ثوار سوريا كان "نقطة ضغط كبيرة على الأسد والإيرانيين والروس". تابع باير: "بالنسبة لي، الأمر يبدو عبارة عن هدية مقدّمة إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بدون مقابل. الأصول الدبلوماسية لا تسير هكذا. كان يجب أن نطلب مثلاً إقامة مناطق آمنة كي لا تستمر عمليات قصف السنّة من الجو، لذلك من غير الواضح لي لماذا يمكن أن يكون (البيت الأبيض) قد أقدم على أمر من هذا النوع"، وختم باير كلامه بالقول: " لقد فقدنا ورقة ضغط وهذا جنون لم أر مثله من قبل".

 

ثلاثة أسباب معلنة لترامب في وقف دعم البرنامج:

1- أنه ليس مفيداً في تحقيق الأهداف الأمريكية بسوريا المتمثلة بمحاربة تنظيم الدولة.

2- التشكيك في هوية الجهات التي تتلقى الدعم من واشنطن.

3- اعتبار أن قتال تنظيم الدولة والإصرار على رحيل الأسد في الوقت نفسه "غباء".

في كل الأحوال كان البرنامج يعاني قبل مجيء ترامب للسلطة، لنفس هذه الأسباب تقريباً، وهو ما صرّح به المبعوث الأمريكي إلى سوريا "مايكل راتني" وسط عام 2016، خلال اجتماع له مع المعارضة السورية، أن تجنيد عناصر في البرنامج  "لم تكن عملية ناجحة"، وأعاد أسباب ذلك إلى "أن الكثير من العناصر من الجيش السوري الحر لا يرغبون بمحاربة تنظيم الدولة، ويريدون تركيز عملهم على قتال الأسد، وما يقولونه هو إنهم يريدون أولاً التخلص من الأسد، ثم سيقومون بالقضاء على تنظيم الدولة". أضاف راتني: "المشكلة أننا لا نعرف إذا كان ذلك صحيحاً، ولا يمكن لنا أن ننتظر ونختبر ذلك، في الواقع نريد أن نقوم الآن بإنهاء تهديدات تنظيم الدولة، ولا نريد أن يقع المزيد من التفجيرات على المطارات مثلما حدث في إسطنبول وبروكسل، وباريس".

معهد الحرب الأمريكي في تقرير صادر له قبل شهر تقريباً ناقش هذا الموضوع، وانطلق من عدة معطيات في بحثه:

1- أن توطيد القواعد العسكرية الإيرانية والروسية في سوريا سيكون كارثيّاً بالنسبة لأمن الولايات المتحدة وحلفائها.

2- أن النزاع المستمر، الذي لن ينتهي فيه الأسد في أي وقت قريب، يغذّي الحركة الجهادية العالمية أكثر من أي عامل آخر، بل إن الأسد نفسه، عمد إلى زيادة عدد الجهاديين من أجل تشويه التمرد، وإبقاء الغرب رهينة لبقائه. وأفرج عن أعضاء القاعدة من السجون السورية، واستبدلهم بمحتجّين سلميين.

3- أنّ المساعدة الروسية والإيرانية للنظام أنتجت كارثة إنسانية مروّعة وطاحنة، لا تظهر أي علامات على إنهائها، وأن الوحشية المذهلة للأسد وشركائه الروس والإيرانيين أدّت إلى تطرّف المعارضة.

4- تراجع الولايات المتحدة عن دعم الجيش الحر، سمح لكل من تنظيمي الدولة والقاعدة بالسيطرة على مساحات واسعة من الأرض، كما إنه تسبّب باختطاف المعارضة العربية السنّية العلمانية في الأصل.

 

ما الذي كان يحدث في الإدارة الأمريكية السابقة والحالية؟

يشير مُعدّو التقرير إلى أنهم في معهد الحرب الأمريكي كتبوا "عدة مرات على مر السنين حول ضرورة إزالة الأسد واستعادة سوريا لشعبها. لكن كانت تواجههم ثلاثة أعذار رئيسية:

أولاً: في كل مرة، كان هناك أشخاص يرفضون تسليح الجيش السوري الحر، ويعتبرونه بمثابة تسليح للإرهابيين.

ثانياً: أن مشاركة أي طرف في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، سيعرّضه لخطر الدخول في نزاع مع إيران أو روسيا أو كليهما.

ثالثاً: كان أكثر ما يستحق الشجب قول بعض أعضاء الإدارة إنّ من مصلحة أميركا الحفاظ على الأسد في السلطة.

يجيب خبراء المعهد عن هذه الأعذار: لا شيء من هذا صحيح.

الطريق إلى الأمام في سوريا لا يزال موجوداً، لكنه حسب التقرير يحتاج إلى أمرين اثنين:

1- يتطلب استراتيجية جِدية، وتصميم على تنفيذها، على الرغم من اعتراضات حماة الوضع الراهن، الذين يريدون إثبات صحة مواقفهم.

2- يتطلب رغبة حقيقية في التعامل مع كل من إيران وروسيا بطريقة تجعلهم يفكرون مرتين في مغامرات أخرى كهذه.

 

ما هي النتيجة المرجوة من الاستراتيجية الجديدة؟

1- الخيار الأفضل هو سوريا بدون الأسد، وبدون نفوذ إيراني أو روسي في المستقبل.

2- سوريا بهذه المواصفات ستكون وحدها هي التي تستطيع أن تضمن إنهاء التدخل الإيراني، ومنع نقل الأسلحة إلى حزب الله، وانتشار أسلحة الدمار الشامل من النوع الذي رأيناه مستخدمًا في دوما (كانت إيران أداة أساسية في برنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا لسنوات عديدة).

3- والأهم من ذلك، أن سوريا هذه وحدها هي التي تستطيع أن تحرم القاعدة وتنظيم الدولة من العثور على موطئ قدم من خلال استغلال يأس الشعب السوري.

 

كيف نصل إلى هناك؟

يجب على الولايات المتحدة أولاً أن تعزّز وتقوّي موقفها في شرق سوريا من نهر الفرات إلى الحدود الشرقية. يشمل هذا إزالة بقايا تنظيم الدولة، هم بضعة آلاف، والقضاء في نهاية المطاف على الجيوب التي يسيطر عليها نظام الأسد والحرس الثوري الإيراني في شمال شرق سوريا. وهذا من شأنه أن يمكّن من إنشاء منطقة سيطرة في الشرق كقاعدة لبناء شريك ذي مصداقية وقادر، ليس خاضعاً لسلسلة القيادة الكردية، مع إغلاق الجسر البري الاستراتيجي الإيراني فعلياً من إيران إلى البحر المتوسط. إن قوة عربية إقليمية، يقترحها المستشار الجديد للأمن القومي، ستكون إضافة مُرحباً بها. لكن يجب التشكك بشكل جاد في أنهم سيشاركون بدون القيادة الأرضية الأمريكية، والدعم الجوي الأمريكي.

في غرب سوريا، على الولايات المتحدة أن تعيد بناء قوة معارضة سورية جنباً إلى جنب مع إرسال المستشارين، وتوفير الأسلحة والدعم الجوي، بينما تزيد الضغط على الأسد وأتباعه ليختاروا الطريق إلى سلام تفاوضي. إن التوصل إلى تسوية في جنيف بدون مثل هذا التأثير على نظام الأسد هو خيال محض.

 

وأخيراً، يجب على الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى أن تعرقل قدرة إيران وروسيا على إعادة الإمداد. يجب تدمير المطارات السورية، ويجب أن تظل الأجواء السورية مكشوفة للمراقبة. يجب إعادة وضع الأسد وإيران على قائمة أعداء الجيش الحر.

إن حملة ضد الأسد سوف تساعد في الحصول على دعم الحلفاء العرب السوريين ضد الجماعات السلفية الجهادية. لقد فشلت جهود سابقة لبناء مثل هذا الدعم بسبب إصرار أمريكا على أن أولئك الذين ساعدتهم ضد تنظيم الدولة يمتنعون عن محاربة الأسد. على الرغم من أن هؤلاء الحلفاء المحتمَلين فهموا أن الأسد هو العدو الوجودي الحقيقي. لذا فإن وصفة كسب الحلفاء بين السنّة يجب أن تشمل إعادة ضمّ الأسد والإيرانيين إلى قائمة الأعداء الذين يُسمح لهم بقتالهم.

 

ما الذي تحتاجه هذه الاستراتيجية؟

تحتاج هذه الاستراتيجية إلى أمرين اثنين:

الأول: سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى إرسال المزيد من القوات على الأرض في سوريا. الآلاف فقط، وليس عشرات الآلاف.

الثاني: سوف تحتاج الإدارة الأمريكية إلى مراعاة مخاوف تركيا حليفتها في الناتو، التي لا ترغب في تمكين الأسد ولا في تمكين أعدائه الأكراد الذين احتفظوا بالسيادة الشمالية لسوريا. ستحتاج أنقرة إلى تأكيدات بأن الولايات المتحدة ستدعم وحدة أراضي سوريا.

لكن هنا سيحتاج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاختيار، ويجب أن يعرف أن الخيار هو بين الصداقة مع الأنظمة القمعية والفقيرة التي تتناقض مصالحها بشدة مع مصالحه، أو أن تبقى تركيا عضواً ذا مغزى في أقوى وأغنى تحالف في التاريخ.

 

المتغيّرات:

المتغيّرات التي حدثت في الفترة الماضية كبيرة جداً، يمكن تلخيصها بالتالي:

1- تعرّض تنظيم الدولة لهزيمة ساحقة في كل من العراق وسوريا، وفقد "عاصمة الخلافة، وهو مشرّدٌ الآن في البادية، لا تخضع أي مدينة معتبرة لحكمه، ومن الصعب على التنظيم أن يعيد ترتيب صفوفه كما كانت.

2- إلغاء الاتفاق النووي الإيراني من طرف ترامب، وفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها، وهو أمر ستستجيب له الكثير من الدول والشركات العالمية.

3- روسيا ليست في أفضل حالاتها، والولايات المتحدة تدفعها بعيداً عن ثنائية القطبية العالمية، وقد تقبل مكانها الصين "العدو التجاري لا العسكري"، فالبارحة تماماً أعلن نائب رئيس الوزراء الصيني "ليو هي" أن بكين وواشنطن اتفقتا على عدم الدخول في حرب تجارية وعلى عدم فرض رسوم جمركية إضافية على بعضهما، بحسب ما نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) الرسمية.

4- الخارطة السياسية في العراق مقبلة على تغييرات عميقة بعد فوز التيار الصدري في الانتخابات الأخيرة، إيران تفقد نفوذها هناك، مقابل صعود للنفوذ الأمريكي.

 

الخلاصة:

هناك طريق للمُضي قُدماً في سوريا، حسب تقرير المعهد، فلقد كان لدى ترامب أكثر من مرة الشجاعة للوقوف مع أولئك الأشخاص داخل وخارج إدارته الذين يحثّونه على التراجع. روسيا لن تخوض الحرب مع الولايات المتحدة في سوريا. إيران أكثر استثمارًا في الأسد من روسيا، ومن المحتمل أن تقدم مقاومة حازمة إذا لم يكن هناك جدية والتزام، مع استراتيجية تعزّز وتقوّي المعتدلين الذين يرفضون الجهاد والتطرّف، وبإشراك حلفاء الولايات المتحدة العرب الإقليميين.

بهذا فقط يمكن مساعدة السوريين على استعادة بلدهم، وتحويل المدّ والجزر مرّة واحدة وإلى الأبد ضد تنظيم الدولة وروسيا وإيران في الشرق الأوسط.

المصالح الأمريكية الكبرى: تنظيم الدولة ، إيران، إسرائيل.. لا توجد نهاية لتنظيم الدولة دون نهاية للأسد. وليس هناك ضربة قاصمة لأسياد الإرهاب في طهران مثل انتزاع حليفهم العربي الأكثر ولاءً وانصياعاً لهم، وأخيراً، فإن طرد إيران من سوريا هو وحده الذي سيمنع الحرب الأوسع مع إسرائيل.