الأربعاء 2018/03/14

لأول مرة.. خارطة طريق إسرائيلية “بدون الأسد”

مع بداية عام 2018 بدأت مراكز البحوث السياسية، ومعاهد الدراسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، تطلب من حكومتها إعادة النظر في سياسة "النأي بالنفس" التي انتهجتها طيلة السنوات السبع الماضية تجاه الحرب في سوريا، وحول مبدأ "التعامل مع الشيطان الذي تعرفه أفضل من التعامل مع الشيطان الذي لا تعرفه". ومع أن "آل الأسد" مجرَّبون لخمسين عاماً خلت، إلا أن الخوف من تحول سوريا إلى "دولة دُمية" بيد إيران يوجب تغييراً جذرياً في التعامل مع هذه القضية.

ترى مراكز الدراسات الإسرائيلية أن عودة الاستقرار إلى سوريا بعيد جداً، وجميع السيناريوهات المطروحة لحل دائم غير ممكنة التطبيق، فبقاء سوريا دولة موحدة تحت حكم علوي بقيادة الأسد أمر شبه مستحيل، "خاصة بالنظر إلى مسؤوليته عن قتل مئات آلاف المدنيين أثناء الحرب"، وانتقالها إلى دولة موحدة تحت حكم سنّي كذلك صعب، فخلافات الفصائل المسلحة كبيرة، وهي طالما تقاتلت فيما بينها، ثم هناك الخلاف بين حكم يترأسه "الإخوان المسلمين" أو حكم "إسلامي سلفي" وفق تفسير دقيق للشريعة الإسلامية، وهذا كله مقابل الطابع العلماني والديمقراطي لهذا الحكم.

وترى تلك المراكز أن سوريا فدرالية "ستكون ضعيفة نتيجة للعداء الشديد بين الجماعات الدينية والطائفية في سوريا بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية وإراقة الدماء"، كما إن تقسيم البلاد إلى "مقاطعات" ذات حكم ذاتي متمايزة دينياً وعرقياً، سيكون معقّداً جداً، فلا وجود لتجانس طائفي في كل مراكز المدن الكبرى نتيجة حالة التحضّر فيها، لكن يمكن إنشاء مثل هذا تحت سلطة الأمر الواقع مؤقتاً، ومن المتوقع ألّا تعود سوريا إلى ما كانت عليه قبل 2011، ولا إلى واحد من أشكال الحكم المذكورة سابقاً، بل قد تتحوّل إلى "نظام سياسي هجين" يعني فيما يعنيه "حالة حكم مختلطة ينفّذها أكثر من ممثّل أو وكيل، تشمل العناصر الفاعلة من مستويات متعددة: المحلية، الوطنية، والدولية. قد تكون هذه العناصر سياسية أو دينية، أو مؤسسات ومنظمات، وحتى حكومات رسمية".

بقاء إسرائيل خارج دوائر القتال والاضطرابات الإقليمية كان مفهوماً، وصراعُ أعداءها "الراديكاليين" يصبّ في مصلحتها، كما إن حلفاءها المحتمَلين كانوا قليلين وضعيفين للغاية، وليس لديها أي رافعة كبيرة للتأثير في التطورات!

اليوم الأمور تغيّرت، وهي إما أن تظهر كلاعب رئيسي في الساحة السورية، أو أنها ستواجه احتمال إنشاء "حزب الله السوري"، المشابه للنموذج اللبناني والمليشيات الشيعية في العراق، وسيتم تحويل سوريا إلى نوع من مَحمية إيرانية. في عملية بطيئة وتدريجية، وهذا سيشكّل تهديداً مرتفعاً لأمن إسرائيل.

الخارطة الأولية التي بدأت تظهر في سوريا تشتمل على ثلاث مقاطعات "كانتونات" أو مناطق نفوذ كبرى، الأولى شمال شرق الفرات تحت الحماية الأمريكية، والثانية شمال غرب الفرات تحت الحماية التركية، والثالثة وسط وغرب البلاد إلى المنطقة الساحلية تحت الحماية الروسية، وتعمل إيران على ألّا تخسر نفوذها في هذه المنطقة.

على هذا الأساس يوصي "المعهد الوطني للدراسات الأمنية" بإنشاء "مقاطعة إسرائيلية " منطقة نفوذ رابعة في جنوب سوريا، ويُفضّل أن يكون ذلك بالتنسيق مع الأردن، لضمان بيئة مستقرة وهادئة، ومنع العناصر المتطرفة – المنظمات السلفية الجهادية، والعناصر الإيرانية – من إنشاء المواقع الاستيطانية هناك.

مقابل وجود شريك كردي لأمريكا، وعلوي لروسيا وإيران، وسنّي لتركيا، فإن إسرائيل تواجه صعوبة في إيجاد شريك فعّال مماثل، فوجود الأقلية الدرزية ليس كافياً، وهناك عوائق إيديولوجية وثقافية ناجمة عن الصورة التقليدية لإسرائيل في الرأي العام السوري، حول أنها دولة احتلال عدوة، ولا تزال التشريعات الرسمية تحظر الاتصال مع "الكيان الصهيوني"، وقد فشلت العديد من المبادرات لفتح حوار مع نشطاء بارزين من المعارضة السورية، وعدم القدرة على تنفيذها، حتى عبر قنوات ثانوية غير رسمية.

"هذا الوضع القانوني والثقافي يجعل من الصعب جداً الشروع في التفاعل البنّاء بين إسرائيل وعناصر "إيجابية" في سوريا"، "كانت مخاوف المعارضة السورية من الضرر الناجم عن التعاون مع إسرائيل، الذي يمكن أن يلحق بصورتها ستكون أكبر من فوائده المحتملة. نظام الأسد سيسارع للمطالبة بأن يشكل هذا التعاون دليلاً على خيانة المتمردين، وسوف يكون مُضراً بشرعية المعارضة في نظر الجمهور".

سياسات نظام الأسد خلال الحرب، وقتل مئات آلاف السوريين، وقصف مدنهم وقراهم، وعمليات الحصار والتجويع ساهمت في التقليل من الصورة السلبية عن إسرائيل.

إسرائيل لن تتخلّى عن "القوة الصلبة" التي تمكّنها من إلحاق أضرار فادحة بأعدائها، وردع قوات الأسد وحلفائه الإيرانيين، والمنظّمات السلفية الجهادية، لكنها ستستخدم بالتوازي معه "القوة الناعمة"، بمعنى استخدام الفعالية الاقتصادية والمدنية، والإنسانية والقانونية والسياسية والدبلوماسية، وغيرها من الأدوات.

المبـادرات التـــــعاونيـة:

لغرض تكثيف وتوسيع مجال النفوذ الإسرائيلي في جنوب سوريا بصفة عامة وفي مرتفعات الجولان خاصة، تنصح الدراسة السابقة ببذل الجهود للتنسيق مع الجهات الفاعلة "الإيجابية" (أو الأقل سلبية)، مثل "الجيش السوري الحر"، المجتمعات المحلية، ومجموعات الأقليات مثل الدروز. الشراكة مع هذه الأطراف، حتى ولو كانت محدودة في طبيعتها، فيمكن من خلالها توفير الاحتياجات الأساسية للسكان المحليين.

ولتحديد هذه الأطراف المحلية التي تميل نحو التعاون مع إسرائيل يجب النظر في توفر أربعة شروط أساسية فيها:

1- تأثيرهم على استمرار الحفاظ على الهدوء على طول الحدود السورية الإسرائيلية، وقدرتهم على منع إنشاء "الجماعات الإرهابية الجهادية"، وعدم القيام بأي عمل من جانبهم ضد إسرائيل.

2- قدرتهم على توفير التمثيل الواسع لأبناء المنطقة في صفوفهم، وترسيخ التحالفات (الإقليمية والطائفية أو السياسية) التي من المحتمل أن تلعب دوراً  بالمستقبل في تشكيل سوريا (أو على الأقل في جزء منه) في نهاية الحرب.

3- العلاقات الجيدة بينهم وبين السكان المحليين، والشرعية والدعم الذي يتمتعون به داخل المنطقة الخاضعة لسيطرتهم.

4- قدرتهم على التأثير على مجموعات أخرى تحمل إيديولوجيا بعيدة عن إسرائيل، بما في ذلك "المنظمات السلفية الجهادية".

تقول الدراسة إن الحرب السورية قد أوجدت فرصة فريدة لإسرائيل، ليس فقط مع العناصر غير التابعة لنظام الأسد، ولكن أيضا مع الدول الراعية التي تدعمهم، فتداخل المصالح مع البلدان "العربية السنية" – ولا سيما الأردن والسعودية ودول الخليج – الناجم عن الخوف المشترك من السيطرة الإيرانية في سوريا، وإنشاء الممر البري الشيعي من طهران، عبر بغداد ودمشق إلى بيروت، سيكون وسيلة لإقامة علاقات أقوى مع مرور الوقت، ويمكن أن تشمل أيضا مشاركة هذه البلدان في السعي إلى إيجاد حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

هذه المقاطعة الإسرائيلية ستوفر الاحتياجات الاقتصادية للسكان المحليين، العامل الاقتصادي سيكون ذراعاً لنفوذ بالغ الأهمية بمكان. فانهيار الاقتصاد السوري خلال الحرب أدى إلى معاناة مادية شديدة وظروف معيشية صعبة. وبسبب استخدام نظام الأسد الحصار على نطاق واسع، والتدمير المنهجي للبنية التحتية، والتجويع لفرض شروط الاستسلام، أصبحت الاعتبارات الاقتصادية هي المعيار الأول في تحديد الولاء والانتماء التنظيمي، واتخاذ القرار بالانضمام أو الانسحاب، والانتقال من مجموعة إلى أخرى. والوضع الاقتصادي أضرّ أيضا بقدرة نظام الأسد على الحفاظ على قواعده العامة الموالية له.

ستؤدي هذه المنطقة الآمنة ثلاثة أدوار مهمة:

1- ستكون بمثابة نقطة جذب للنازحين واللاجئين.

2- ستساهم في الحيلولة دون الانضمام للجماعات الإسلامية المتطرفة لأسباب مادية.

3- ستكون بمثابة نموذج بنّاء لمناطق إضافية مماثلة في سوريا.

تسهيل طرق التجارة بين إسرائيل وجنوب سوريا، سوف يسهّل استيراد وتصدير الخدمات والسلع، بما في ذلك المنتجات الزراعية، فضلا عن استيراد اليد العاملة. هذا سيساهم أيضاً في تحسين الوضع الاقتصادي والإنساني في جنوب لبنان، وتوسيع المصالح المشتركة بين إسرائيل والعناصر المحلية السورية في مرتفعات الجولان خاصة وجنوب سوريا بشكل عام. إذا تطورت الظروف بشكل مناسب، ستكون إسرائيل كذلك قادرة على جني فوائد طويلة الأجل من الاقتصاد بالانخراط في الجهود التعاونية مع الجانب السوري من الحدود في مجالات البنية التحتية، والاقتصاد والتجارة، والزراعة، والتكنولوجيا.

إسرائيل كانت قد بدأت منذ عام 2013 على بناء علاقات جيدة مع أبناء المنطقة عبر حملة "حُسن الجوار"، وبحسَب قول ضابط إسرائيلي "إن بلاده تهدف إلى كسب قلوب وعقول أبناء المنطقة والنازحين إليها من بقية المناطق كي ينأوا بأنفسهم عن العناصر غير المرغوب فيها وعن نظام الأسد والجماعات الموالية له"، نُفّذ خلال الحملة مئات العمليات الإنسانية، واستقبلت المشافي الإسرائيلية آلاف الجرحى، "وأغلبهم من فئة الشباب وأغلب الإصابات ناجمة عن عمليات قتالية عسكرية. ولا يقوم الجيش الاسرائيلي بالتدقيق في هويات المصابين لمعرفة ما إذا كانوا مسلحين أم لا. ويقتصر الأمر على التفتيش البدني، وبعدها يتم نقل المصاب إلى المشافي من قبل الجيش الإسرائيلي"، وفق ما ذكر تقرير سابق لـ"بي بي سي" البريطانية، وأضاف التقرير "تتنوع المساعدات التي تقدمها إسرائيل للسوريين الذين يعيشون على الطرف الآخر من السياج الحدودي وتشمل المعكرونة وأغذية الأطفال والوقود ومولدات الكهرباء والطحين ومعدات ضخ المياه من الآبار، بل حتى المصل المضادّ للدغات الأفاعي"، ويتابع التقرير "شملت آخر علمية قام بها الجيش الإسرائيلي إقامة مستوصف كبير خلف جدار الأسلاك الشائكة الذي يمثل خط وقف اطلاق النار بين البلدين، وتقوم منظمة خيرية أمريكية مغمورة بإدارته، بينم تقوم إسرائيل بتوفير الحماية له. يتابع التقرير "يحمل المستوصف الملاصق للسياج الحدودي الاسم العبري "مازور لاداخ" ومعناه "إغاثة المحتاجين"، ينتهي الدوام في العيادة بحلول الساعة السادسة مساءً حيث يغادر المرضى إلى منازلهم وتستطيع العيادة تقديم الخدمات لنحو 1000 مريض أسبوعيا، بحيث يتفادى المرضى أو ذووهم دخول إسرائيل وتجنب شبهة التعامل معها.

خارطة طريق:

توصي دراسة المعهد الوطني للدراسات الأمني بصياغة "خارطة طريق" بهدف تحويل سوريا إلى دولة مستقرة وفعّالة، وأنه سيكون من الأفضل من وجهة نظر إسرائيل أن تشمل العناصر التالية:

1- تفكيك "تنظيم الدولة"، والقضاء عليه، لمنع اجتذاب المُحبَطين إلى صفوفه.

2- إزالة الأسد من الرئاسة، حتى لو كان ذلك على حساب ترك النظام في أيدي العلويين.

3- طرد إيران ووكلائها من سوريا عامة، ومن الجنوب خاصة والحد من تأثيرها على تشكيل الدولة السورية.

4- زيادة التنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا، فيما يتعلق بالمطلوب للحل السياسي والاستقرار في سوريا، والحد من التأثير السلبي للعناصر الفاعلة الإقليمية، وبخاصة إيران وتركيا.

5- إيجاد حالة تتوقف فيها سوريا عن أن تكون ساحة معركة بين السنة والشيعة. ولكي يحدث هذا، فإنه سيكون من الضروري أولاً وقبل كل شيء الحد من التأثير السلبي لإيران وتنافسها مع تركيا والسعودية.

6- إبرام اتفاق بين الأطراف الداخلية والخارجية ذات الصلة فيما يتعلق بكيفية تطهير سوريا من كل المجموعات المسلحة، خاصة المجموعات السلفية الجهادية.

7- إعادة تأهيل وبناء الاقتصاد والبنى التحتية التي دُمّرت أثناء الحرب، سيكون إعادة الطبقة الوسطى السورية التي فرّت من البلاد أمراً بالغ الأهمية في جهود إعادة البناء.