الأحد 2018/07/15

سيناريو جنوب وشرق سوريا على طاولة ترامب وبوتين


مركز الجسر للدرسات..


مباحثات محمومة على مدار الساعة بين نتنياهو وبوتين حول الوجود الإيراني في الجنوب السوري، أسفرت عن الرسالة الأمريكية للفصائل هناك أنها تتخلّى عن دعمهم، الأمر الذي أدّى إلى الانهيار السريع لهذه الجبهة وتسليمها للنظام، وفتح المعبر الحدودي مع الأردن.

ما يتم الحديث عنه حول "تقسيم درعا إلى أربعة قطاعات عسكرية سيتمّ حكمها من قبل المعارضة التي دخلت في اتفاقيّات مع الوفد الروسي" و "أنّ نظام الأسد والمليشيات الإيرانية لن يكون لها وجود هناك"، كما ذكرت وكالة "آكي" الإيطالية، ما هو إلّا استمرار في عملية تبرير ما حدث في الجنوب، وتمهيد لتكراره في الجزء الغربي من درعا، وعلى جبهة القنيطرة المحاذية لإسرائيل. التكرار سيكون قريباً لكنه سيمر هذه المرّة عبر تفاهمات ترامب وبوتين كهديّة مشتركة منهما تُقدّم لإسرائيل، وضمان عودة الأمن والهدوء للحدود السورية الإسرائيلية كما كانت طيلة العقود الماضية، التي تحكم فيها عائلة الأسد البلاد.

موضوع ضمان روسيا خروج إيران من سوريا، سيسمع ترامب من بوتين الشيء الذي سمعه نتنياهو: هذا أمر لا يمكن القيام به الآن، فالتغوّل الإيراني في سوريا كان سابقاً حتى للتدخل الروسي العسكري، وإيران متغلغلة في كل مفاصل النظام، بل وتتحكم بالعديد من هذه المفاصل، يتحدث رئيس سابق لمركز دراسات تابع لخارجية الأسد أنه كان مطلوباً منهم إعداد العديد من الدراسات حول كيفية "منع سقوط سوريا بيد إيران" كما حدث في العراق ولبنان، كان النظام يناقش هذا الأمر داخلياً قبيل بدء الأحداث في سوريا بسنوات عدّة.

إذن الروس يقولون فات الأوان على مثل هذا الطرح، وإن تحجيم نفوذ إيران في سوريا سيكون عبر احتوائها تدريجياً، مقابل زيادة النفوذ الروسي، وإحلال روسيا في مواقع الهيمنة الإيرانية على نظام الأسد.

على هذا الأساس وافقت إسرائيل، وستوافق الولايات المتحدة على إكمال تسليم الجنوب للنظام في إطار الرؤية التالية:

قبل كل شيء سيتم حل فصائل الجنوب بكاملها، ومعاملتها على غرار ما حدث في باقي مناطق المصالحات: الغوطة وحمص وحلب وغيرها: نقل جزء منهم إلى الشمال، وعمل تسويات لمن يرغب بالبقاء هناك، وتطبيق شروط التجنيد الإجباري لسوقهم للخدمة في قوات النظام حسب القوانين المعمول بها.

المليشيات الإيرانية المنتشرة في الجنوب، عملياً فقط سيجري تغيير اللباس العسكري الذي تلبسه، سيصبح هؤلاء بهذا اللباس الجديد جزءاً من قوات النظام!! كيف قبلت إسرائيل والولايات المتحدة بذلك؟؟

أولاً: هذا هو الممكن الوحيد حالياً كما أقنع بوتين نتنياهو وترامب به، ما عدا ذلك ستكون الولايات المتحدة مضطرّة إلى خوض حرب برية عالية المخاطر ضد إيران على الأراضي السورية، وهو أمر تسعى إليه إيران للحفاظ على صورتها الثورية المناهضة لـ"الاحتلال الصهيوني" للقدس، ولإلهاء الشعب الإيراني عن أزماتها الداخلية، ولتحسين موقعها التفاوضي في ملفها النووي، وفي العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

بالطبع تريد الولايات المتحدة وإسرائيل تجنّب هذه الحرب، ستُفتح الجبهة اللبنانية فور فتح الحرب على إيران في سوريا، شمال إسرائيل سيقع تحت تهديد 120.000 صاروخ يملكها حزب الله، هذا سيسير بالمنطقة عكس الوجهة التي تريدها إسرائيل من وجهة إتمام "صفقة القرن"، وتطبيع علاقاتها مع محيطها العربي بكامله.

ثانياً: دخول المليشيات الإيرانية في هيكل قوات نظام الأسد سيجعلها مشابهة لتشكيلاته وتراتُبيته العسكرية، من حيث الفيالق والفرق والألوية، وتجمّعها ضمن ثكناتها، أو أماكن انتشارها المحددة بدقّة، وهو أمر يسهِّل على إسرائيل استهدافها حال حدوث أي خرق من طرفها، أيضاً إسرائيل -كما أثبتت حروبها السابقة- تحقّق نجاحات هائلة في قتال الجيوش النظامية، وأقل من ذلك في حروب العصابات والمنظمات والمليشيات، كما جرى فيما مضى في غزة وفي الجنوب اللبناني، وهي دأبت على الاعتداء على قوات الأسد، وتدرك عدم وجود رد فعل منه على عشرات أو مئات الاعتداءات السابقة، وسيكون النظام مجبراً على كبح جماح هذه المليشيات عن محاولة الدفاع عن نفسها أو مهاجمة إسرائيل، إلا عبر قرار يصدر من قيادة قوات النظام، وهو الأمر الذي لا يحدث عادة. ولن يحدث مستقبلاً، إن لم نقل إنّ هذا جزء من الاتفاق بين بوتين والأسد في السماح لإسرائيل باستهداف التشكيلات العسكرية الجديدة المتحوّلة إيرانياً، لإجبارها على الانسحاب التدريجي من سوريا.

ثالثاً: وبنفس السياق السابق.. المليشيات الإيرانية تعمل كمرتزقة، وتعتاش من التعفيش والسلب والنهب وقطع الطرق، وخطف المدنيين للحصول على فدية لإطلاق سراحهم، وهم حين يتحوّلون إلى جيش نظامي ينحصر وجودهم في مناطق عسكرية، أو في مناطق دخلت مرحلة الهدوء والاستقرار ما بعد الحرب، سيفقدون كل هذه الموارد، وستخصص لهم رواتب مثل باقي عناصر قوات النظام، سيكون هذا دافعاً كبيراً لمغادرتهم سوريا صوب إيران، فهم مرتزقة في النهاية يبحثون عن الثروة التي سيتوقّف أمل تحقيقها من العمل في سوريا، ولا بدّ لهم من البحث عن مكان آخر.

رابعاً: قد يقول قائل كيف ستقبل إسرائيل بدخول عدد يصل في بعض التوقّعات إلى 80.000 مقاتل شيعي؟ لا مشكلة كبيرة لدى إسرائيل في ذلك، هذا العدد أقل من عدد العناصر التي فقدها النظام في سنوات الحرب السبع الماضية، بمعنى آخر حتى لو عادت قوات النظام إلى حالتها السابقة، فهو لا يشكّل قلقاً لإسرائيل، عشرات السنوات من هدوء الحدود يكفي لطمأنة إسرائيل.

خامساً: الجزء المكمّل لهذه الصفقة سيكون على الجانب اللبناني في إجراءات فكّ الارتباط بإيران على غرار الجانب السوري، فمطلوب من حزب الله أن يتحوّل إلى حزب سياسي، وأن يضمّ مليشياته إلى الجيش النظامي اللبناني، بهذه الطريقة ستخفّ القبضة الإيرانية على لبنان، وتصبح قادرة على الانخراط في صفقة القرن أيضاً، والدخول في صلح معلن وتفاهمات مع إسرائيل.

تقريباً هذا ما تمّ الاتفاق عليه بما يخصّ الجنوب بين بوتين ونتنياهو، وسيباركه ترامب في قمة هلسنكي، أما المحور الثاني في الشأن السوري في هلسنكي فسيكون المنطقة الشرقية من سوريا، حيث تنتشر القواعد الأمريكية وحلفاؤها المليشيات الكردية، في هذا الجانب سيطلب بوتين عقد صفقة تُطابِق ما حدث في الجنوب، وتسليم المنطقة والمعابر الحدودية للنظام، وإدخال المليشيات الكردية في التشكيلات العسكرية النظامية، وفي خطوات تعمل على تقليل عدد هذه العناصر المرتزقة في القوات النظامية حين يفقدون الميزات التي يحوزونها الآن، وكذلك ستفتح الطريق نحو عودة عدد كبير منهم إلى جبال قنديل، المكان الذي أتوا منه أصلاً إلى سوريا لإقامة "الدولة الكردية"، ولإثارة القلاقل على حدود تركيا، وليس لقتال نظام الأسد، وبالتالي يتوقّع بوتين أن تكون المفاوضات مع ترامب سهلة، فهذه الخطّة ستؤمّن الانسحاب الآمن للقوات الأمريكية، وستضمن عدم عودة تنظيم الدولة للسيطرة على المنطقة الشرقية، كما تضمن تحجيم النفوذ الإيراني، وقطع الممر البري الواصل بين طهران والمتوسط، سيتكفّل بوتين لترامب بتحقيق هذه الأهداف.

لا شكّ أن هناك أصواتاً داخل الإدارة الأمريكية، وفي حلف الناتو، والسعودية، ترفض هذا الجزء من الخطة، وتطالب ترامب بعدم الانسحاب من المنطقة الشرقية وترك الروس يسيطرون على سوريا بالكامل دون تنازلات روسية مسبقة في ملفات أخرى.

المليشيات الكردية أُبلغت بأن هذه الخطّة كانت قيد النقاش، وهناك احتمال لقبول ترامب بها، هذا يفسّر خطوات التقارب التي قامت بها هذه المليشيات مع النظام في الأيام القليلة الماضية من حيث إزالة أعلام حزب العمال الكردستاني، وصور زعيمهم أوجلان، والسماح برفع أعلام النظام فوق كثير من المنشآت والمباني الحكومية، والسماح لموظفي النظام بدخول المناطق التي تسيطر عليها المليشيات لتقييم وضع الخدمات فيها، ودراسة الاحتياجات اللازمة لها قبيل عودة إدارة النظام لها. المليشيات الكردية كفصائل الجنوب لا تملك خيارات أخرى فيما لو تخلّى ترامب عنها، ستكون مرغمة على القبول بهذه الصفقة، ما لم يكن لترامب رأي آخر.