الأثنين 2018/12/03

روسيا ومعضلة التشكيلات العسكرية غير النظامية بسوريا

في بلد مثل سوريا حيث يصعب الحصول على معلومات دقيقة عن الشؤون المتعلقة بمؤسسات النظام الشمولي المدنية، سيكون صعباً أكثر الحصول على معلومات دقيقة عن مؤسساته العسكرية والأمنية.

بعيداً عن لغة الأرقام في بنية وهيكلية جيش النظام، وأجهزته الأمنية، والخلاف حول صبغته الطائفية "العلوية" فإن سنوات الحرب الثماني الماضية التي وقفت فيها هذه الأجهزة إلى جانب النظام، قد أثّرت عليها تأثيراً كبيراً واستنزفت أعدادها وعتادها. يمكن أن يقال إنّ التدمير الوحشي الذي تسببت به قوات النظام نال منها بنفس الطريقة، وتسبب بتدمير بنيتها التحتية، ووصلت إلى درجة من الضعف أن خسرت فيه أكثر من نصف مساحة البلاد، الأمر الذي استدعى النظام للطلب من روسيا وإيران أرسال قوات عسكرية توقف التدهور الحاصل في صفوفه.

لم يكتف النظام بذلك بل فتح الباب على مصراعيه لجلب مليشيات طائفية عديدة كان أهمها "حزب الله" اللبناني، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وألوية "ذو الفقار"، وأبو الفضل العباس، وقوات من "الحشد الشعبي" العراقية، ولواء فاطميون الأفغاني، ولواء "زين العابدين" الباكستاني، كما أنشأ النظام جماعات عديدة مسلحة غير حكومية يطلق على معظمها مصطلح "الشبيحة"، إضافة لقوات "فاغنر" المرتزقة الروسية. تشير بعض الدراسات أن عدد هذه القوات الموالية للنظام بلغ 150 إلى 200 ألف مقاتل، وهو يوازي تقريباً العدد الذي فقده النظام من قواته النظامية، والتي تقدّر بنصف ما كانت عليه عام 2011.

كان من الطبيعي أن تتلقى القوات النظامية الأجنبية الروسية والإيرانية أوامرها من قياداتها الأصلية، كذلك كانت المليشيات الطائفية والمرتزقة تتلقى أوامرها من الدول التابعة لها، ومن جانب آخر لم تكن الجماعات المسلحة المحلية غير الحكومية خاضعة لسلطة النظام بشكل كامل، وسرعان ما تحوّل عدد من قادة هذه الجماعات إلى أمراء حرب يتحركون بحسب ما تملي عليهم مصالحهم الشخصية، وأنشأ بعضهم مناطق نفوذ خاصة بهم، وصارت البلاد أشبه بمجموعة مقاطعات خارجة عن سلطة الدولة المركزية في دمشق.

نجاح العملية السياسية يتوقف على عملية إعادة إعمار القطاعات العسكرية والأمنية:

" اليوم تفتقر القوات المسلحة السورية إلى الانضباط والمركزية والتحديث التقني والتنظيمي والهيبة والسلطة، ولا يمكن وصفها بالجيش الحقيقي. مع العدد المفرط من الجماعات المسلحة غير الحكومية الموالية للحكومة"، كانت هذه خلاصة التقرير الذي قدمه "المجلس الروسي للشؤون الدولية"، والذي قال أيضاً: " بدون جيش دولة قوي، لن تتمكن سوريا من استعادة سيادتها الكاملة وتوفير بيئة آمنة لعملية الانتقال السياسي، وبالتالي فإن إصلاح القطاع العسكري أمر أساسي ولا مفر منه".

من سيموّل عملية إعادة الإعمار هذه؟

لا أحد من الدول التي تملك الأموال سيموّل هذه العملية في ظل الوجود الإيراني الواسع، دول الخليج العربي لن تفعل ذلك بسبب عداوتها لإيران، والدول الغربية ستمتنع بسبب الاعتراض الإسرائيلي والأمريكي المُطالب بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة كلها، ولذا يرى "المجلس الروسي" أنه يجب "نزع سلاح كل جهة غير تابعة للدولة، أو وضع جميع الأسلحة وأباطرة الحرب في البلاد تحت سيطرتها، أو دمجها في هياكل عسكرية جديدة" لكن الروس يعترفون أن هذه مهمة معقدة وصعبة وتتطلب الكثير من التنازلات.

تاريخياً كانت روسيا هي التي انفردت بتأسيس البنية التحتية لجيش نظام الأسد، لكن روسيا اليوم تشتكي من خصم قوي منافس لها. لقد أسس الإيرانيون أيضاً بنية تحتية خاصة بهم، يصل التذمّر الروسي من الوجود الإيراني إلى الاعتراف بأن إيران " أنشأت شبكة واسعة من الهياكل العسكرية الموالية لطهران، ومن غير المرجح أن تحل نفسها أو تغادر، أو أن تصبح جزءاً من القوات المسلحة للدولة. قد تصبح هذه المشكلة حجر عثرة كبير بين روسيا وإيران في الأشهر والسنوات المقبلة".

يقول الروسي يجب أن تفهم دمشق أنه لا يمكن جذب أي أموال من الغرب أو من دول مجلس التعاون الخليجي دون " التأكد من خلو الجيش السوري الجديد من النفوذ الإيراني أو على الأقل عدم السيطرة عليه" وإن هذه من أهم أوراق المساومة التي يمكن استخدامها في عملية إعادة إعمار البلاد بكاملها وليس الجيش فقط.

من الصعب إقناع الاتحاد الأوروبي بالبدء بعملية إعمار كاملة دون بدء عملية انتقال سياسي حقيقية، فكيف بإعادة بناء جيش النظام لإعادة بسط سيطرته وسيادته على المناطق التي خسرها في الحرب، والملفات الأوروبية العالقة مع روسيا في أوكرانيا وغيرها، كذلك عدم وجود أخطار أمنية مباشرة، ستجعل استجابة الأوروبيين شبه مستحيلة، نعم سيستجيبون حال وجود عمليات إعادة إعمار تتيح عودة اللاجئين السوريين في أوربا.

إذن تبقى الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات، فما هو احتمال قبولها بذلك؟

الاحتمال قائم بسببين:

الأول: عداوة إيران، ورغبة البلدين الخليجيين في تحجيم نفوذها، وخاصة بعد تورطهما في حرب اليمن، وإضعاف إيران قد يضع نهاية للتدخل الكارثي في اليمن.

الثاني: تلبية طلب يأتي من الولايات المتحدة وإسرائيل حفاظا على أمن الأخيرة حال وقوع جيش النظام تحت سيطرة إيرانية كاملة، أو تحول سوريا إلى دولة فاشلة تتيح لإيران التغلغل في كل هياكلها الحكومية والاقتصادية والهيمنة على قرارها السياسي على غرار ما حدث في العراق ولبنان.

بالطبع هذا لو تم سيكون بتفاهم وتنسيق مع روسيا التي ترغب بمثل هذا السيناريو، ولعل التقارب الروسي السعودي الذي ظهر في قمة العشرين الأخيرة المنعقدة في الأرجنتين ما يشير إلى إمكانية ذلك.