السبت 2018/05/19

روسيا تنقلب على إيران وتركيا وتطلب منهما الخروج من سوريا.. لماذا؟


مركز الجسر للدراسات..


لم تنقض 24 ساعة على انتهاء أعمال "أستانا 9" حتى استدعى الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بشار الأسد إلى سوتشي، التي استضافت في وقت سابق ما سمي "مؤتمر الحوار السوري" الذي خلص إلى تشكيل "لجنة دستورية"، كما إنه من المقرر أن تستضيف الجولات القادمة من مسار أستانا.

تحدث بوتين بالتفصيل -على خلاف العادة- حول ما دار في هذا الاجتماع، يبدو أن بوتين أراد قطع الطريق على أيّ مناورة يمكن أن يفكّر بها النظام للتملّص من نتائج هذا اللقاء، كما فعل المرة الماضية عقب سوتشي، ورفض بيانه الختامي، ورفض الانخراط في أعمال اللجنة الدستورية، وتسمية ممثليه فيها.

الرئيس الروسي يحدد بدقة اللحظة التي ينطلق منها في حديثه: "إن الإرهابيين ألقوا سلاحهم في النقاط المحورية بسوريا، ما أتاح إعادة إعمار بنيتها التحتية، وإبعادهم عن العاصمة السورية والقضاء على وجودهم هناك عملياً".

بوتين يرى " أن هذه النجاحات الميدانية أسفرت عن خلق "ظروف إضافية ملائمة لإحياء عملية سياسية شاملة الأطر". الأطر التي وضعها الرئيس الروسي تمثلّت بثلاثة محاور:

1- المحور الاقتصادي:

قال عنه بوتين: نعتبر أنه من بالغ الأهمية اتخاذ خطوات ضرورية لإحياء اقتصاد سوريا، وكذلك اتخاذ إجراءات معقدة ولازمة لحل القضايا الإنسانية ظهرت الحاجة إليها منذ وقت بعيد". هذا المحور ليس شأناً روسياً فقط؛ فتجاوز الكارثة الاقتصادية للبلاد، وتكاليف عملية إعادة الإعمار تتطلب 500 مليار دولار، ويعلم بوتين أن هذه العملية لا يمكن أن تتم إلا بعد حصول تفاهمات، وخصوصاً من الدول الكبرى حولها، لتقاسم أعبائها ومكاسبها على حد سواء.

تابع بوتين أنّ روسيا تتواصل مع "جميع أطراف هذه العملية المعقدة، بما في ذلك الأمم المتحدة والمبعوث الخاص لأمينها العام إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا". وأعرب عن أمله في أن تُسهم "الأمم المتحدة وكل الدول المهتمّة بحل القضية السورية" في نجاح هذا العمل.

بوتين هنا يرسل رسالتين.. لإيران أولاً التي بدأت محاولات فرض أمر واقع في إعادة الإعمار وأرسلت شركاتها على الأرض، ووقّعت بعض العقود مع النظام، وأجبرته على إصدار القانون 10 القاضي بنزع ملكيات الكثير من أبناء الشعب السوري تمهيداً لاستملاكها من قبل الإيرانيين... ولتركيا ثانياً في أنها لن تنفرد بعملية إعادة الإعمار في المناطق التي تسيطر عليها شمال غرب البلاد.

2- المحور العسكري:

يستهلّ بوتين المحور العسكري بمراعاة التوجُّه العالمي نحو مكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، ثم ينتقل ليتحدث عن "النتائج الكبيرة التي حقّقها الجيش السوري في هذا السبيل"، وعندما يؤكد بوتين أن كل ذلك  "تم بفضل الجهود، التي بذلها خلال الفترة الماضية العسكريون السوريون، اتخاذ خطوات غاية في الأهمية للتعزيز اللاحق للسلطة الشرعية"، فإنما يقصد أن كل ما تم استعادة السيطرة عليه بعد إجلاء الجيش الحر، أو طرد تنظيم الدولة والنصرة، فينبغي أن يعود إلى سلطة النظام "الشرعية"، إيران لا تستطيع الانفراد عسكرياً بالأراضي التي تشارك في استعادتها، فالروس حاضرون دائماً معهم فيها، لكن الرسالة لتركيا في أن مناطق شمال غرب البلاد، يجب أن تعود لسلطة النظام مستقبلاً، وأن ترتيبات إقامة إدارة حكومية فيها، إن كان مع الحكومة السورية المؤقتة، أو عبر المجالس المحلية التي تنشئها تركيا، ستكون ترتيبات مؤقتة ريثما تعود حكومة النظام لبسط سيطرتها عليها.

يصل بوتين بشكل مباشر إلى رسالته الأساسية في هذا المحور بقوله: "انطلاق المرحلة النشطة من العملية السياسية سيليها بدء انسحاب القوات المسلحة الأجنبية من أراضي الجمهورية العربية السورية".

بوجود الأسد هي رسالة حصرية لإيران وحزب الله اللبناني والمليشيات العراقية، والمليشيات الشيعية الطائفية المرتزقة: أن النظام كما عمل على استقدامها، فهو الآن سيطلب منها الانسحاب في عملية أشبه بالطرد من سوريا.

القوات التركية بالأصل تنتشر في مناطق محدودة، وأهدافها واضحة حول الأمن القومي التركي اتجاه حزب العمال الكردستاني، وميليشيات PYD التابعة له، ومنع إقامة دولة كردية على حدود تركيا، هذه القضايا فيما لو تم الاستجابة لها دولياً فتركيا ستنخرط في العملية السياسية التي يتحدث عنها بوتين، ولن يكون هناك مشكلة معها.

 

المشكلة ستكون مع إيران وأطماعها في السيطرة الكاملة على سوريا وربط الممر البري بين طهران وبيروت عبرها، وإيران الآن بعد إلغاء ترامب للاتفاق النووي، وفوز الصدر في الانتخابات العراقية ضاقت خياراتها، بقي لها عملاؤها في لبنان، وهي ستضغط بكل الوسائل على النظام لمهاجمة مناطق خفض التصعيد شمالاً باتجاه تركيا، وجنوباً باتجاه الأردن وإسرائيل، ويبدو أن بوتين اتخذ قراراً مشتركاً مع إسرائيل ببدء طرد إيران من سوريا، وهو ما ظهرت نتائجه في الضربات الإسرائيلية المتلاحقة للمواقع الإيرانية دون أي اعتراض روسي عليها.

إيران بين نارين الآن في تقديم محاولة إنقاذ مشروعها النووي والخضوع للطلبات الأوروبية التي سيكون الاستقرار في سوريا واحداً منها، أو اتباع سياسة عدم الثقة بالوعود الدولية، وتحصيل ما تريد عبر فرض نفوذها على الأرض والتفاوض على أساسه.

أين ستذهب إيران؟

براغماتية إيران ستذهب بها من ناحية القوات النظامية للاستجابة لطلبات بوتين والمجموعة الأوربية، لكنها ستُبقي دعمها للمليشيات المرتزقة التابعة لها، كي تستمر الفوضى هي السائدة في سوريا، وتمنع التوصل إلى حل سياسي تكون فيه هي الخاسر الأكبر. وقد تدفع بهذه المليشيات لاجتياح إدلب، وإثارة القلاقل على الحدود الجنوبية.

حزب الله اللبناني سيستجيب أيضاً للطلبات الروسية، وخصوصاً بعد وضع قياداته على لوائح الإرهاب، وهو قد يجد في الانكماش الإيراني في سوريا والعراق فرصة لفك الارتباط مع إيران، بعد أن هيمن على الدولة اللبنانية بشكل مطلق تقريباً. ولم يعد بحاجة للدعم الإيراني كما كان سابقاً.

المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية، ألكسندر لافريننييف، قال عن كلام بوتين حول سحب القوات الأجنبية من سوريا. "إن هذا التصريح يخص كل المجموعات العسكرية الأجنبية، التي توجد على أراضي سوريا، بمن فيهم الأمريكيون والأتراك وحزب الله والإيرانيون". واستدرك قائلاً: "يخص جميع الجهات باستثناء روسيا"، لكن روسيا ليست في الموقع الذي يؤهلها لطلب وقف عمليات التحالف الدولي، أو سحب القوات الأمريكية من مناطق شمال شرق الفرات، لذا فإن ذكر الأمريكيين على لسان بوتين في هذا السياق هو فقط لعدم ظهور احتجاج من حلفائه في مسار أستانا.

 3- المحور السياسي:

الوضع ملائم لتفعيل العملية السياسية كما قال بوتين. عن أي عملية سياسية يتحدث؟ لم يأت على ذكر بيان جنيف أو القرار 2254، بل ذهب مباشرة إلى العمل الكبير الذي تم إنجازه "خلال عملية أستانا وفي إطار مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي جرى في سوتشي"، وبينما كان النظام ممتنعاً عن المشاركة في تشكيل اللجنة الدستورية المنبثقة عن سوتشي، فقد أعلن بوتين أن بشار الأسد اتخذ قراراً "بإرسال وفد لتشكيل اللجنة الدستورية... إن روسيا ترحب بهذا القرار وستؤيده بكل السبل الممكنة".

هذا المحور هو الأضعف في كلام الرئيس الروسي، ما من عملية سياسية قريبة مستندة على مسار سوتشي، المطلوب من بوتين تأمين نوع من الهدوء والاستقرار في سوريا، والعمل على إخراج القوات الأجنبية النظامية، والقوات والمليشيات غير النظامية، وعندها ستبدأ عودة الملف السياسي للظهور من جديد إن كان في جنيف على أساس القرارات الأممية القديمة، أو على أساس قرار دولي جديد.