السبت 2018/10/06

النظام يمنع أعضاء “اللجنة الدستورية” من السفر

كانت مشاركة وزير خارجية الأسد "وليد المعلّم" في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ولقاؤه الأمين العام "أنطونيو غوتيريس" فرصة النظام الأخيرة لعرقلة تشكيل اللجنة الدستورية، وإفشال جهود المبعوث الخاص "ستافان دي ميستورا" الذي سيقدم تقريره يوم 31/ 10 تشرين أول/أكتوبر الجاري، التقرير الذي قد يكون الأخير له ما لم يحصل على تمديد لمهمته.

لم ينفع التهديد الذي وجهه "المعلّم" للأمين العام حول رفض تشكيل اللجنة الدستورية ووضع شروط شبه مستحيلة إن كان في عضويتها، أو في آليات ومكان عملها، إذ أبلغ الأمين العام مبعوثه الخاص بعدم الرضوخ للنظام في فرض شروطه، ولو اقتضى ذلك إعلان انسحاب الأمم المتحدة من ملف اللجنة الدستورية برمّته، وتحميل النظام المسؤولية الكاملة عن تعطيل إطلاقها في جلسة مجلس الأمن القادمة.

النظام يجد نفسه ولأول مرة في حالة فريدة، محاصراً حتى من حلفائه، فروسيا صاحبة مشروع اللجنة الدستورية التي أجبرت النظام على القبول بها بعد بيان مؤتمر سوتشي، تسعى لنجاح هذا المشروع، وإثبات نفسها لاعباً رئيسياً في المنطقة، وهي تريد تخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية عليها ببيان موقفها الإيجابي من عملية السلام والحل السياسي وليس العسكري في سوريا، مع اعترافها بعجزها عن بدء عملية الإعمار ذات التكاليف الباهظة التي تفوق إمكانياتها، وضمن انعدام موارد النظام اللازمة لتلك العملية باستمرار بقاء مناطق شرق الفرات الغنية بالنفط والغاز تحت سيطرة الأمريكيين وحلفائهم مليشيات "ب ي د".

إيران من جانبها كذلك وصلت الرمق الأخير، وهي تحاول إنقاذ نظام الملالي من السقوط بشتى الوسائل، وتريد إظهار حسن سلوكها أمام الأوربيين كيلا يسيروا في ركاب العقوبات الأمريكية إلى آخرها، ويصلوا إلى نقض الاتفاق النووي معها، كما تريد الإبقاء على علاقات جيدة مع تركيا في الوقت الحاضر، التي قد تكون المنفذ الوحيد لكسر الحصار الأمريكي على الصادرات والتعاملات المالية مع إيران.

النظام عاد إلى أساليبه القديمة التي طالما كانت فعّالة منذ تأسس على يد الأسد الأب في سبعينات القرن الماضي، منع السفر خارج البلاد أحد أهم وسائل منع المعارضين والمشكوك في ولائهم، فبقاؤهم داخل البلاد يعني بقاءهم تحت السيطرة الكاملة، وفي الحالات التي يضطر فيها النظام للسماح لهؤلاء بالسفر فسيكونون تحت المراقبة الشديدة والمرافقة الأمنية، كما إنه لا بأس من وجود رهائن من أقربائهم بيد النظام ضماناً لعودتهم، وعدم طلبهم حق اللجوء السياسي في البلاد التي يزورونها بمهمات رسمية أو غير رسمية.

إبراهيم الدرّاجي أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة دمشق أحد الشخصيات المحسوبة على النظام، والذي كان يظهر على شاشات التلفزيون محللاً سياسياً يدافع عن النظام على مدى خمسة عشر عاماً خلت تقريباً، وخصوصاً أيام اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وظهور نتائج لجنة التحقيق الخاصة التي كان يرأسها القاضي الدولي التابع للأمم المتحدة، الألماني "ديتليف ميليس"، لم يشفع هذا التاريخ الطويل في خدمة النظام للدرّاجي، فقد فوجئ قبل فترة وجيزة بمذكّرة منع سفر تنتظره على الحدود اللبنانية حيث كان سيشارك في ندوة قانونية، بعد اتصالات عديدة تم السماح له بإكمال سيره، وإلى أن عاد يبدو أنه كان تحت أنظار مخابرات الأسد، وعناصر أمن حزب الله اللبناني على حد سواء، المهم في الأمر أن الرسالة وصلت للدرّاجي وغيره.

الدرّاجي أحد الشخصيات التي لم يدرجها النظام على قائمته في اللجنة الدستورية، وبسبب اختصاصه الأكاديمي ولإعطاء تطمينات للنظام وحلفائه، ولوضع التوازن المطلوب داخل قائمة دي ميستورا تمّ اقتراح اسمه ضمن الأسماء الخمسين من المستقلين الذين يمكن تصنيف نصفهم تقريباً بحالة مثل الدرّاجي في قربهم من النظام وبعدهم عن المعارضة.

النظام يريد تجنّب أي خرق أو مفاجأة من أعضاء اللجنة الدستورية سواء الذين تم تسميتهم من طرفه، أو من طرف دي ميستورا، هو بذلك يضمن إعلان عدم مشاركة، أو انسحاب نصف أعضاء اللجنة الدستورية قبل بدء أعمالها احتجاجاً على "القواعد الإجرائية والبروتوكولية" كما درجت عليه العادة في جولات جنيف مع الأمم المتحدة، كما يضمن نصف أصوات اللجنة فيما لو بدأت أعمالها عدا عن الموالين له ضمن النصف الثاني.

لا يتضّح كيف ستعالج الأمم المتحدة هذه المعضلة، وتؤمّن الحصانة اللازمة لأعضاء اللجنة الدستورية القادمين من داخل سوريا، بحيث يكون لهم مساحة الحرية الكافية لمناقشة القضايا الدستورية التي يفترض بها أن تضع الأسس الأولى لتغيير النظام القائم حالياً. هذا إذا لم نشهد حوادث "موت طبيعي" لبعض هؤلاء المرشحين للعمل في اللجنة الدستورية!!

الخلاصة أن النظام لا يزال يملك أوراق اللعبة تقريباً في تعطيل الحل السياسي، وهو على الأقل سيماطل إلى أن يتكشّف مصير إدلب خلال الأيام القادمة.