الثلاثاء 2018/03/06

النظام والمعارضة.. فرّقتهم السياسة والحرب، فهل ستجمعهم عقود إعادة الإعمار؟

عقود إعادة الإعمار في سوريا هي الحديث الأهم للدول عن هذا البلد الذي مزّقته حرب السنوات السبع، فكلفة إعادة الإعمار تتراوح بين 200-500 مليار دولار، حسب تصريح رئيس غرفة التجارة والصناعة الروسية "سيرغي كاتيرين" في تصريحه يوم 26/2/2018، على هامش منتدى الأعمال الروسي السوري في موسكو، وبرأيه طبعاً "السلطات السورية تمنح الأولوية للشركات الروسية في هذا المجال".

نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، بدوره قال عقب لقائه الأسد في دمشق، في 18 كانون الأول الماضي، إن "قطاع الأعمال الروسي في سوريا يعدّ كل روبل، لأننا لا يجب أن نفكر في مصلحة البلدان الأخرى فقط، حتى لو كانوا من الأقرباء والأصدقاء"، وأضاف "يجب أن نفكر الآن كيف نكسب الأموال لميزانياتنا، لمواطنينا والناس والذين ينتظرون أيضًا أي مكاسب من العمل الكبير لروسيا في سوريا".

إيران ترى أنها تقف هنا على قدم المساواة مع روسيا، فمستشار المرشد الإيراني للشؤون الاستراتيجية رحيم صفوي بمنتصف فبراير/شباط الماضي كان قد قال: "لولا طهران لسقطت دمشق"، وطالب بـ "ضرورة تعويض إيران عن كافة التضحيات والتكاليف التي قدمتها وهي تحارب الإرهاب في سوريا، مع إمكانية توقيع معاهدات مع الحكومة السورية مشابهة لما حصلت عليه موسكو من معاهدات استعادت من خلالها ما قدمته لسوريا".

الصين التي تحمي النظام بالفيتو الذي تملكه في مجلس الأمن، تستعد للفوز بعقود كبيرة وتوسيع نفوذها الاقتصادي غرباً. سفير سوريا لدى بكين، عماد مصطفى، قال لصحيفة جلوبال تايمز الصينية: "إن الشركات الصينية ستحصل على الأولوية في إعادة الإعمار".

هؤلاء الثلاثة الصين وروسيا وإيران يعتقدون في صراعهم مع الغرب أن النظام هو أفضل الشركاء لإنجاز أولوياتهم الاستراتيجية في سوريا، وللحفاظ على التأثير السياسي والاقتصادي والعسكري في سوريا والشرق الأوسط الأوسع.

كذلك تتربص دول مثل مصر الفرصة للحصول على دور في إعادة إعمار سوريا، فبحسب "طارق النبراوي"، رئيس نقابة المهندسين المصريين في تصريحاته لـ"المونيتور" تحدث عن دراسات وتقديرات من نقابة المهندسين أنّ إعادة بناء سوريا ستكلف 500 مليار دولار، وقال النبراوي إن النقابة تتوقع أن تحصل الشركات المصرية على حصة تتراوح بين 20٪ و25٪ أو ما بين 100 مليار و125 مليار دولار، ما يمكن أن يفتح آلاف فرص العمل أمام المصريين في السوق السورية.

على الجانب الآخر تقف الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوربي، فهذا الأخير على لسان مسؤولة السياسة الخارجية "فيدريكا موغريني" على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن 17/2/2018 أكد "أنهم يريدون أن يكونوا أكبر جهة مانحة للمساعدة كمساهمة تهدف لإحياء جنيف"، شريطة انحسار القتال، وأن تضمن روسيا مشاركة جادة للنظام في محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف.

إذاً.. ملف إعادة الإعمار على مفترق طرق تتداخل فيها السياسة والاقتصاد، وهو بمقدار ما يكون عاملاً مساعداً للوصول إلى حل سياسي، قد يكون كذلك البوابة الأوسع لتقسيمها، بحكم سلطة الأمر الواقع، وقبول كلٍّ من النظام والمعارضة بإعادة إعمار المناطق الخاضعة لسيطرتهم من قبل الجهات الداعمة لهم، فالروس ومن معهم سيقفون نفس الموقف الذي أعلن عنه وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون في معهد هوفر 17/1/2018، بشأن نهج الولايات المتحدة الجديد للمستقبل في سوريا، بقوله: "لن تقدّم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والشركاء الإقليميون أي مساعدات إعادة إعمار دولية لأي منطقة خاضعة لسيطرة نظام الأسد. نطلب من مختلف أصحاب المصلحة في مستقبل سوريا أن يحذوا حذوَنا. لن نشجع العلاقات الاقتصادية بين نظام الأسد وأي بلد آخر. وبدلاً من ذلك، سنشجع المساعدة الدولية لإعادة بناء المناطق التي حررها التحالف الدولي وشركاؤه المحليون من قبضة تنظيم الدولة. وبمجرد أن يتنحى الأسد عن السلطة، ستشجع الولايات المتحدة بكل سرور تطبيع العلاقات الاقتصادية بين سوريا والدول الأخرى. وتدعو الولايات المتحدة جميع الدول إلى ممارسة الانضباط في الضغط على الأسد اقتصادياً وإعادة بناء سوريا بعد انتقال سياسي. ونتوقع أن تساعد الرغبة في العودة إلى الحياة الطبيعية وأدوات الضغط هذه على حشد الشعب السوري والأفراد داخل النظام لإجبار الأسد على التنحي".

هل سيظهر في طرفي النظام والمعارضة مَن يرى أن تنحّي الأسد، سيكون كافياً لاعتباره "انتقالاً سياسياً" يحقق مطالب ثورة الشعب السوري؟

الجواب: نعم، والحديث يجري عن تصنيع معارضة تقبل بهذا الشيء مقابل "جزرة إعادة الإعمار"، فأمراء الحرب والكيانات والهيئات السياسية الجديدة التي يتسارع تشكيلها بطريقة محمومة هنا وهناك، ستكون-بذريعة الحفاظ على وحدة البلاد- أدوات تنفيذ هذه الصفقة إلى جانب لصوص النظام التقليديين من كبار ضباط الجيش والمخابرات وعصابات المافيا المالية، فمثل مئات مليارات الدولارات التي سُرقت في إعادة إعمار العراق من حكامه الجدد، ستجد مئات المليارات السورية طريقها إلى جيوب أصحاب "الاتفاق السياسي"، والخصوم الدوليون سيكونون حاضرين جميعاً لتقاسم الكعكة، فقط الأسد وحده سيغيب عن المشهد، والنظام سيبقى.