الأثنين 2018/06/04

الجيش الجديد للأسد.. “المصير الأسود” الذي ينتظر مدنيّي مناطق المصالحات


مركز الجسر للدراسات..


"قد يبدو السماح للأشرار بقتل الأشرار فكرة لا أخلاقية للبعض، ولكن هذا شيء مفيد، بل وأخلاقي في حال أبقى ذلك على الأشرار مشغولين، وأضعف من قدرتهم على إيذاء الأخيار.

إن الواقع الحالي في الشرق الأوسط لا يقدّم دائماً خياراً أخلاقياً سهلاً أو خالصاً". كانت هذه نصيحة البروفيسور الإسرائيلي "افرايم إنبار" في ورقة بحثية نشرها مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية.

فجأة وبعد خدمة امتدت ما يقارب ثماني سنوات أصدرت قوات النظام قراراً بتسريح دورة من دورات "المجنّدين إجبارياً"، وبغضّ النظر عن العدد المتبقي من هذه الدورة على قيد الحياة من آلاف أخرى لقيت حتفها، لكنها تزامنت مع إجلاء المقاتلين عن محيط دمشق، كدعاية إعلامية أن العاصمة صارت بمأمن من خطر "الجماعات المسلّحة".

المفارقة هنا أنّ هذا القرار تزامن مع تصريح "بشار الأسد" عن عزمه على "تحرير كل جزء من سوريا" في مقابلته التلفزيونية على قناة "آر تي" الروسية، قواتُه المنهكة جراء سنوات الحرب السبع الماضية، لولا تدخّل القوات الروسية والإيرانية، والمليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية وغيرها، لكانت قد لقيت شرّ هزيمة على يد فصائل الجيش الحر، بقايا قوات النظام هل هي قادرة على "تحرير كل جزء من سوريا" كما يزعم الأسد؟ من سيقوم بذلك والأمور تسير نحو تحجيم إيراني وإحجام روسي؟ فالصفقات تجري على قدم وساق بين هاتين الدولتين وباقي الدول المعنية بالشأن السوري لتثبيت مكاسب تخصّ هذه الدول جميعاً على حساب النظام أولاً، وعلى حساب الشعب السوري ثانياً.

صفقات بطعم الهزيمة والإذلال للنظام، لن يجد مخرجاً منها، أو تخفيفاً لآثارها، إلاّ ببدء موجة عنف جديدة في البلاد تؤخر الحلول السياسية المطروحة على الساحة، النظام آخر المهتمّين بتشكيل لجنة دستورية تفتح عليه سلسلة من الإجراءات السياسية، يعتبرها فخّاً منصوباً له ينتهي بتغييره، النظام كرة صمّاء لا تقبل المشاركة أو المقاسمة، أي خلخلة في بنية النظام التي وضعها الأسد الأب ستؤدي لانهياره، الحرس القديم والجديد للنظام يعون هذا، ويتفقون عليه.

سنوات الحرب السبع دفع فيها أبناء الطائفة العلوية ثمناً باهظاً: القتلى ما يقارب 150.000 والمعاقون الذين خرجوا من الخدمة نصف هذا العدد تقريباً، كبار الطائفة فهموا اليوم أن آل الأسد كانوا يسمّنون أبناءهم ليضحّوا بهم قرابين على مذبح كرسيّ السلطة، والأسد يريد أن يحتوي التذمر الكبير والمتصاعد في الساحل ضدّه، قرى عديدة فرغت من الشباب بين قتيل ومهاجر وهارب من الالتحاق بمعركة لا ناقة له فيها ولا جمل.

الخزّان البشري الذي يكاد ينفد كيف يمكن تعويضه؟

جاء نظام وقف الأعمال العدائية، أو خفض التصعيد، أو الهدن والمصالحات، بمثابة حبل الإنقاذ للنظام، حسب نشرة وزارة الدفاع الروسية أكثر من 2500 قرية وبلدة ومدينة وقّعت على شروط المصالحة مع النظام، وقريب من 250 فصيلاً فعل ذلك، وفيما يغادر المقاتلون المسلّحون صوب الشمال "بالباصات الخضراء" فإنّهم يتركون وراءهم المدنيين "للمصائر السوداء" التي تنتظرهم على يد مخابرات النظام وشبّيحته.

لم يكتف النظام بقتل مئات آلاف السوريين، وبتهجير ملايين آخرين خارج حدود البلاد، وفي كلتا الحالتين كان السوريون السنّة هم من دفع الثمن الأكبر في هذا الجانب، النظام سينتقم مّمن صالحه، وممّن بقي على عدائه على حدٍّ سواء، الانتقام من أعدائه مفهوم! فما الذنب الذي اقترفه الذين قبلوا بالمصالحات معه؟ وكيف ينظر إليهم الأسد بعد سنوات من وجودهم في مناطق خارجة عن سيطرته، يعيشون في كنف "الجماعات المسلّحة" التي يصنّفها النظام أنها جميعاً "إرهابية"، وتربّي الناس على الفكر المتطرف؟

لنتابع قليلاً لنستنتج كيف ينظر النظام إلى هؤلاء:

الأسد في خطابه 20حزيران/يونيو 2011 على مدرج جامعة دمشق يقول: "اليوم لدينا جيل من الأطفال تربى بهذه الأحداث أو تعلّم الفوضى وعدم احترام المؤسسات، عدم احترام القانون، كره الدولة هذا الشيء لا نشعر بنتائجه اليوم سنشعر بنتائجه لاحقاً وسيكون الثمن غالياً".

ثمّ في خطابه 30 نيسان/ أبريل 2014 "إذا انطلقنا من حقيقة واحدة بأننا أمام عشرات الآلاف من الإرهابيين السوريين، أنا لا أتحدث عن إرهابيين أتوا من الخارج، وعندما نتحدث عن عشرات آلاف الإرهابيين فهذا يعني أنه خلف هؤلاء حاضنة اجتماعية. هناك عائلة، هناك قريب وجار وصديق وأشخاص آخرون. يعني نحن نتحدث عن مئات الآلاف، وربما الملايين من السوريين".

يتوّج هذا المفهوم بالوثيقة التي سلّمها بشار الجعفري في مؤتمر أستانا ردّاً على مقترح اتفاق وقف إطلاق النار الذي قدّمه وفد الفصائل العسكري هناك، تقول الوثيقة: "عندما يسيطر تنظيم داعش أو النصرة على منطقة ما، فإن الأهالي يبايعونها حكماً، سواءٌ أكان ذلك برغبتهم أم لا، وبالتالي أصبحوا منهم، ولا فارق بينهم".

إذن ما العمل أمام هذه المعضلة، واتجاه هذه المجموعات البشرية التي قررت البقاء في مناطق سيطرة النظام، ولم تختر الرحيل إلى إدلب شمالاً، إلى المنطقة التي "تخضع لسيطرة النصرة" المكان الأنسب لهم، حيث يتوفّر "لديهم جميعاً نفس الحاضنة، نفس المناخ، نفس طريقة التفكير" كما قال الأسد في لقائه الأخير على قناة روسيا اليوم؟

بقاؤهم في مناطق سيطرة النظام يؤثر على التجانس الذي قال عنه الأسد أواسط عام 2017 لقد "ربحنا مجتمعاً أكثر صحة وأكثر تجانساً بالمعنى الحقيقي وليس بالمعنى الإنشائي أو المجاملات"، إذن لا بدَّ من التخلّص منهم بطريقة أخرى غير التهجير القسري، هذه المرة سيرسلهم الأسد إلى الموت، هم الخزّان البشري الجديد لمعاركه الطاحنة القادمة، فرصة لن تتكرر بالنسبة له:

1- سيعمل على تهدئة نفوس أبناء طائفته، وتقليل القتل فيهم.

2- سيعيد تقديم نفسه كشريك فعّال في الحرب على الإرهاب، وبالتالي قبول إعادة تأهيل نظامه.

3- سيقاتل الأشرار بالأشرار حسب النصيحة الإسرائيلية، ويتخلّص من أكبر عدد ممكن منهم، وسيحافظ على التجانس الذي "ربحه" بعدما خرج نصف الشعب السوري من تعداد مواطني "الدولة السورية".

أين اتجه الأسد في معركته القادمة فستكون هذه استراتيجيته وأهدافه منها، وصمت البنادق المضلّل الآن، هو الهدوء الذي يسبق عاصفة العنف التي يخطط لها النظام.