الخميس 2018/09/06

إيران..عزف منفرد على أوتار “معركة إدلب”

زيارات مفاجئة وغير معلن عنها مسبقاً توالت من كبار المسؤولين الإيرانيين إلى دمشق، زيارات تأتي قبل لقاءات ثلاثية لدول مسار أستانا روسيا تركيا إيران، ورباعية دعا لها الرئيس التركي أردوغان تضم ألمانيا وفرنسا إلى جانب روسيا، ولقاءات المبعوث الأممي إلى سوريا دي مستورا لبحث تشكيل اللجنة الدستورية مع الدول الراعية لها، ثم مع المجموعة المصغرة للدول الخمس المضاف إليها أخيراً مصر وألمانيا، كذلك وسط اجتماعات لمجلس الأمن تسبق انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في النصف الثاني من هذا الشهر، والذي يَجمع هذا الحراك الدبلوماسي المحموم مسألة واحدة  هي منع وقوع معركة إدلب القادمة، أو الدفع باتجاه حدوثها.

العالم كله جميعاً بما فيهم النظام يريد منع وقوع كارثة إدلب، الخسارة ستكون فادحة للجميع، والنظام سيكون أكبر الخاسرين بغضّ النظر عن مآلات المعركة عسكرياً، فالخسارة السياسية التي سيصاب بها النظام لا يمكن تعويضها، وهو سيفقد ملفات يعوّل عليها كثيراً في استمرار وجوده في السلطة وخصوصاً ملف إعادة الإعمار.

الروس يفكرون بنفس الطريقة، سيخسرون بسبب إدلب الكثير سياسياً، وخطتهم لإعادة اللاجئين ستكون طيّ النسيان، وملف إعادة الإعمار أيضاً سيكون قد قضي عليه، وواحدة من أوراق المساومة التي يستخدمها الروس في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي ستسقط من أيديهم، وأهم من ذلك كله فك الشراكة الاستراتيجية مع تركيا التي يعوّل عليها الروس كثيراً في صياغة علاقة جديدة مع حلف الناتو.

فقط إيران تقف على الجانب الثاني من هذا المشهد الدولي، وهي تقرأ جيداً خارطة المصالح التي ستحصل كلٌّ من تركيا وروسيا عليها، فيما ستبقى هي الدولة المارقة المنبوذة التي تتوالى عليها العقوبات الاقتصادية الأمريكية، والضربات الجوية الإسرائيلية.

إيران هي الرابح الوحيد من معركة إدلب، فروسيا ليس لديها قوات برية واسعة تسيطر فيها على الأراضي التي تستعيدها من الفصائل المسلحة، وأي انتصارات عسكرية تصبّ في صالح إيران فقط دون غيرها من الدول، بصورة طبق الأصل عمّا حدث في العراق، وتريد الهيمنة والتحكم بالنظام السياسي القادم في سوريا، سيكون هو الممسك بجميع الملفات التي يتحدث عنها العالم في الحل السياسي..

الدستور وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين وغيرها، هذا الذي تبحث عنه إيران وتركّز عليه في سوريا، تجربتها ناجحة في العراق وفي لبنان، وهي بحاجة إلى إكمال هذا "الهلال الشيعي" الذي يفتح لها أبواب علاقات جيدة مع أوروبا، وتضغط على دول الخليج لتغيير سياساتها تجاه إيران، كما سيحسّن موقفها التفاوضي حول مصالحها مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

هل ستنجح إيران في جرّ العالم إلى معركة إدلب؟

وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي، وعلى رأس "وفد عسكري رفيع المستوى"، يقول: "إن الهدف من الزيارة هو تطوير التعاون الثنائي في الظروف الجديدة ودخول سوريا إلى مرحلة البناء والإعمار"!! توقيع اتفاق تعاون دفاعي بين البلدين لا يساعد على تصديق هذا الهدف من الزيارة، من الواضح أن هناك دفعاً باتجاه معركة في الأفق، لكن النظام يرفض التورّط فيها وحده، فالروس لا يريدونها وهم يعطون فرصة واسعة للتفاهمات السياسية التي تجعلهم محور الأحداث العالمية، وتعبّر عن قوة نفوذهم الدولية، وهو ما يسعون إليه، وتركيا لا تريدها، فموجة اللاجئين ستكون هي الأكبر التي يتحدث عنها التاريخ، وهي ليست لها مطامع في الأراضي السورية، في مقدمة أهدافها الحفاظ على الأمن القومي التركي، وتجربتها في استقرار الشمال السوري جيدة، وهي تحاول التفاهم مع روسيا حول استمرار نهجها هذا في باقي مناطق إدلب، ريثما يحين وقت الحل السياسي النهائي.

تلكؤ النظام في بدء الهجوم على إدلب دفع بزعماء إيران إلى إرسال وزير الخارجية جواد ظريف هذه المرة الذي غادر طهران على عجل فجراً ليلتقي بمسؤولي نظام الأسد، لا بدّ أن التهديد الإيراني كان شديد اللهجة، فعدم انصياع النظام في هذه المرحلة المفصلية ستصل ارتداداته إلى خروج إيران من المنطقة بالكلية، لبنان واليمن وسوريا والعراق.

موقف الإيرانيين ضعيف، فصحيح أن لهم عملاء كثراً داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، ومليشيات طائفية تابعة لهم هنا وهناك، لكن هذا لا يكفي، الروس يمسكون بمفاصل مهمة أيضاً، وأخبار الخلافات والمناوشات السياسية والعسكرية بدأت تطفو إلى العلن، وتتسع بحيث لا يمكن احتواؤها، وروسيا في النهاية ستتجاوز الموقف الإيراني إن لم تستطع التفاهم معه، لذا فمن المتوقع أن تتجه إيران إلى العمليات التخريبية والتفجيرات والقصف العشوائي وإثارة الفوضى والقلاقل، لكنها لن تصل إلى مرادها في فتح معركة واسعة النطاق في إدلب.