الأثنين 2018/10/01

إهانة الأسلحة الروسية تدفع بوتين للحل السياسي في سوريا

على عكس ما كانت تفعله روسيا طيلة السنوات السبع الماضية في تعطيلها لقرارات مجلس الأمن الساعية نحو حل سياسي في سوريا باستخدامها الفيتو 12 مرة كان بعضها لحماية ترسانة الأسد من الأسلحة الكيماوية التي استخدمها ضد السكان المدنيين في عدد من المدن السورية، نجدها الآن تدفع باتجاه هذا الحل السياسي، وتعقد له المؤتمر تلو الآخر في أستانا وسوتشي، وتوّجت ذلك بالإعلان عن تشكيل لجنة دستورية تمهد الطريق لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية يشارك فيها كل من النظام والمعارضة، بحيث يكون هذا هو خارطة الانتقال السياسي بديلا عن بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن اللاحقة.

لماذا يندفع بوتين نحو الحل السياسي الآن؟

تبدأ القصة حين أسقطت المقاتلات التركية ف16 الأمريكية الصنع، طائرة سوخوي 24 الروسية قبل ثلاث سنوات تقريباً، على مدى التدخل الروسي العسكري في سوريا تحطمت 9 طائرات روسية متنوعة، كان أحدث الطائرات تطوراً سوخوي 30 إس إم، وأسوأ الحوادث كان طائرة أنتونوف 26، التي قتل فيها 39 عسكرياً روسياً بينهم 27 ضابطاً أحدهم برتبة لواء.

مع أنه لا يوجد إحصائية دقيقة عن خسائر قوات النظام السوري الجوية والبرية وهي بمعظمها أسلحة روسية، لكن المعلومات تتحدث عن أرقام ضخمة، يؤيد تلك المعلومات الانهيار الذي حصل في صفوف جيش النظام، مما استدعاه لطلب الدعم والتدخل الروسي والإيراني، إضافة لميليشيات حزب الله اللبناني، وغيره من الميليشيات الطائفية الشيعية والمرتزقة، وهذه الخسائر الكبيرة وقعت على يد الفصائل المسلحة ذات التسليح الضعيف والخبرة المتواضعة مقابل ما يمتلكه النظام.

روسيا هي البلد الثاني الأكبر مبيعات للسلاح بعد الولايات المتحدة، حصة روسيا في سوق السلاح العالمي تتجاوز 25%، من صادرات السلاح بمختلف أنواعه، كانت روسيا تفتخر بفعالية أسلحتها المتطورة التي أنقذت نظام الأسد من السقوط، وساهمت في "دحر الإرهاب" من مناطق عديدة أهمها مدينة حلب، والغوطة الشرقية، وجنوب سوريا.

وحتى عند الإعلان عن بعض الإحصائيات حول خسائر النظام السوري الفادحة في العتاد العسكري الروسي، كان بإمكان وزارة الدفاع الروسية تحميل ذلك لسوء أداء عناصر جيش النظام وضعف تدريبهم على استخدام الأسلحة الروسية، لكن الأمور انقلبت الآن رأساً على عقب، فالطائرات تسقط في عمليات عسكرية خاصة بالجيش الروسي، وتحت إمرة ضباط روس، وزاد الطين بلّة _كما يقال_ أنّ آخر طائرة عسكرية أسقطت في المتوسط كانت بيد سلاح روسي آخر فشل في التعرّف على هدفه من بين أهداف حربية إسرائيلية كانت موجودة في السماء بقربه.

إذن هي واحدة من المعارك الصامتة التي تشنّها الولايات المتحدة أولاً، ومن خلفها باقي الدول الغربية المصدّرة للسلاح ثانياً، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا التي تأتي خلف روسيا في سلّم ترتيب سوق السلاح، ثم تأتي إسرائيل في المرتبة السابعة عالميا، مع تقدم الصين عام 2018 لتحل محل إيطاليا في هذا السلّم، وتعتبر منطقة الشرق الأوسط هي المستورد الأكبر للسلاح في العالم، فالمنطقة تشهد العديد من الحروب والنزاعات ودخلت في سباق تسلّح غير مسبوق، فقد زاد استيراد الأسلحة بالشرق الأوسط بنسبة 103% خلال العشر سنوات الماضية، ليشكل 32% من حجم الأسلحة المستوردة على مستوى العالم.

نصف صادرات الأسلحة الأمريكية، تقريباً في السنوات الخمس السابقة، ذهب إلى الشرق الأوسط المشتعل بالحروب، ولا تزال الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية هما المُصدِّرَين الرئيسيَّين للأسلحة إلى المنطقة، فقد قدَّما أكثر من 98% من الأسلحة التي استوردتها السعودية"، وصدَّرت بريطانيا مثلاً نصف صادراتها من الأسلحة تقريباً إلى السعودية، التي زادت وارداتها بنسبة 225% منذ عام 2013 إلى يومنا هذا.

مشهد سوق السلاح له وجه آخر فقد شهدت روسيا، ثاني أكبر مُصدِّر، انخفاضاً بنسبة 7.1% في حجم صادراتها الإجمالي من الأسلحة؛ وكانت الصادرات الأميركية أعلى بنسبة 58% من الصادرات الروسية.

كذلك لم تكن إيران ضمن قائمة أكبر 40 مستورداً للسلاح حول العالم، ولم تستورد إلا 1% فقط من واردات الأسلحة إلى المنطقة.

واليوم ومع تلاشي دور فصائل الجيش الحر على أرض المعركة الدائرة في سوريا، وقرار الإدارة الأمريكية بزيادة وجودها العسكري، وخصوصاً منطقة شمال شرق سوريا، وإرسال عدد من الدول الغربية قواتها للتمركز في القواعد الأمريكية، وامتلاء مياه بحر المتوسط بالقطع البحرية التابعة لحلف الناتو، وارتفاع مستوى الضربات الجوية الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية المنتشرة في معظم مسارح المعارك، ومع احتمال انتقال المواجهات في سوريا إلى مستوى مواجهة القوات النظامية بسبب تعقيدات ساحة القتال وإمكانية حدوث أخطاء مقصودة أو غير مقصودة، فإن الرئيس الروسي بوتين ومن خلفه القيادة العسكرية الروسية يعلمون تماماً الفارق التقني بين الأسلحة الغربية والأسلحة الروسية التقليدية، ومدى تطور وتفوق الأسلحة الغربية، وأن جرّ روسيا إلى  مواجهة من هذا النوع سيؤدي حتماً إلى إظهار فشل الأسلحة الروسية، مما يعني مزيد انهيار في صادراتها التي تأتي في المرتبة الثانية في الصادرات الروسية بعد النفط، وبقيمة تفوق 15 مليار دولار.

هذا الرعب الروسي يدفع بوتين لتجنّب هذه المواجهة بشتى الوسائل، حتى لو أدّى ذلك لتقديم تنازلات في الملف السوري، الذي صار عبئاً ثقيلاً على بوتين في ظل العقوبات الغربية المتصاعدة عليه، ومن المتوقع أن يستمر بوتين في تقديم هذه التنازلات على حساب كل من النظام السوري والإيراني معاً، لحفظ ماء وجه الأسلحة الروسية، ولتفادي انهيار سوق الأسلحة الروسية عالمياً، فيما لو حدثت هذا المواجهات حقيقة في سوريا.