الجمعة 2018/10/26

واشنطن بوست: لماذا كان ابن سلمان يخشى جمال خاشقجي؟


بقلم: ديفيد إغناتيوس

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لماذا كان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يخشى جمال خاشقجي إلى درجة إصدار أوامر الصيف الماضي بإعادة الكاتب المساهم في قسم الآراء بصحيفة "واشنطن بوست" إلى السعودية؟

لن نستطيع الإجابة عن هذا السؤال إلا بعد الانتهاء من التحقيقات السعودية التركية وإدانة الجناة المعينين. فما التهديد الذي شكله خاشقجي على محمد بن سلمان وكان يجب إسكاته؟

أظن أن خاشقجي شكّل خطرا على محمد بن سلمان لسبب بسيط جدا وهو أنه لا يمكن تخويفه أو السيطرة عليه. فقد كانت أفكاره غير خاضعة للرقابة. لم يكن يلقي بالا "للخطوط الحمراء" التي وضعتها السعودية. فقد كان صحفيا عنيدا يحب التحدي.

إذا كنت ترغب في معرفة ما الذي كان خاشقجي يحارب ضده، ما عليك سوى مشاهدة بعض تغطية مؤتمر مبادرة الاستثمار المستقبلي هذا الأسبوع في الرياض. وكأن الحضور مرغمون -إن جاز التعبير- حين صفقوا بحرارة ولمدة طويلة لابن سلمان عندما أدان هذا الأخير جريمة قتل خاشقجي، وتعهد بالتعاون مع تركيا بخصوص هذه القضية.

كما أشادت صحيفة "عرب نيوز" التي تتخذ من الرياض مقرا لها، في إحدى مقالاتها "الحرب" التي يقودها محمد بن سلمان لتحديث البلاد، والتي تهدف إلى "استعادة أمجاد الشرق الأوسط "، ونقلت عن ولي العهد قوله: "أعتقد أن أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط".

من منا لا يتمنى رؤية عالم عربي حديث، يشبه أوروبا، يعيش في سلام مع جيرانه؟ لكن يبدو أن ولي العهد لم يدرك بعد أن حالة السلام والتوحد التي تعيشها أوروبا اليوم لم تكن لتصبح أمرا ممكنا بدون ثقافة مشتركة من الحرية والتسامح. إذ لا يتعرض الصحفيون المعارضون للقتل في أوروبا. كما لا يطالب القادة "بتسليم" المنشقين، كما فعل محمد بن سلمان مع خاشقجي في تموز/ يوليو، وفقا لما جاء على لسان مسؤول أمريكي.

هناك خطر الآن من أن ينظر إلى خاشقجي على أنه صنيعة الغرب وأنه ليس صوتا سعوديا حقيقيا. لكن هذا الاعتقاد خاطئ: خاشقجي كان جزءا من ثرات الصحافة العربية ذات التاريخ الطويل والأصيل. إذ يمكن اعتباره آخر الشهداء العرب الذين دفعوا حياتهم ثمنا لحرية الصحافة، لكنه ليس الأول.

لقد عرفتُ العديد من الأبطال المشابهين لجمال خاشقجي على مدار الأربعين عاما الماضية والذين كان لديهم نفس طموح خاشقجي.

لنبدأ بشخص ربما لم تسمعوا به قط، وهو فلسطيني يدعى "توفيق ميشلاوي"، الذي كان زميلا لي في بيروت في أوائل الثمانينات. كان يدأب كل صباح على جمع أخبار المنطقة ليضعها في ملخص واضح وغير متحيز كان يسميه "تقرير الشرق الأوسط". كان حلمه، كما أخبرني مرة، هو إنشاء وكالة أنباء عربية لها نفس معايير وكالة أسوشيتد برس أو رويترز..

توفي ميشلاوي عام 2012، لكنه درّب جيلاً من المراسلين العرب البارزين، بما في ذلك المراسلة البارزة، نورا بستاني، التي تعمل كمدرسة في مجال الصحافة بالجامعة الأمريكية في بيروت.

خاطر الصحفيون اللبنانيون بحياتهم متحدين القوات السورية آنذاك التي غزت بلدهم لجيل كامل. تم اغتيال سمير قصير، كاتب لا يعرف الخوف في صحيفة "النهار"، في حزيران /يونيو من عام 2005. وقد شُوهت مي شدياق، وهي مذيعة تلفزيونية لبنانية، بواسطة سيارة ملغومة في أيلول/ سبتمبر في العام نفسه. وما زالت تحارب من أجل حرية الصحافة.

كما قُتل أيضا "جبران تويني" وهو محرر "بصحيفة النهار" في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2005. وفي حفل تأبين له في بيروت بعد عام، ودعوني أقتبس عن والده، المحرر الكبير غسان تويني، الذي كتب قبل شهر من مقتل ابنه: " بالنسبة لنا، فإن الصحافة الحقيقية ديمقراطية وحرة. إنها منتدى يستطيع فيه الرأي العام التعبير عن نفسه. إنها أداة فعالة للتغيير ".

يتوق الكثير من السعوديين الآخرين إلى المناقشات العامة. طرد صديقي "حسين شبكشي" من قبل جريدة عكاظ في جدة عام 2003 بعد أن كتب عمودًا قال فيه إنه يحلم بالمزيد من الحداثة في السعودية حيث يمكن لابنته أن تقود السيارة، سعودية يتم فيها التصريح بالميزانية السنوية العامة ويتم فيها انتخاب القادة.

يمكن لأولئك الذين يريدون حقا أن تصبح السعودية حديثة ومزدهرة أن يبدؤوا بالبناء من إرث خاشقجي. فالدولة التي لا تتسامح مع الانتقاد لن تكون أبدا، كما وصفتها إحدى الشعارات في مؤتمر الرياض هذا الأسبوع، "خارطة طريق لمستقبل الحضارة". قد يكون في موت خاشقجي منفعة: فرصة لتحديث السعودية والبدء من جديد، دون وحشية السلطة الاستبدادية.