الجمعة 2018/10/19

واشنطن بوست: كيف غيّر ابن سلمان السعودية إلى الأسوأ


المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


 

لفهم الدولة السعودية البوليسية عليك معرفة حيثيات قضية عصام الزامل.

انتقد عصام الزامل، الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال الشهير ونجم وسائل التواصل الاجتماعي، العام الماضي خطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي تقضي بإدراج أسهم شركة النفط الوطنية العملاقة في البورصة للاكتتاب.

كان من المفترض أن يكون هذا الحدث مبهرا، باعتباره فكرة جريئة أخرى في مخطط ولي العهد لتحديث السعودية وتقبل الاختلاف داخلها. لكن السيد الزامل قال إن التقييم الذي قدم مرتفع للغاية لدرجة أنه يعني ضمنيا بيع كل احتياطي البلاد من النفط خلال العقدين المقبلين، أو أكثر من ذلك، وغرد على تويتر قائلا: "ليس من العدل أو المنطق بيع النفط تحت الأرض في صفقة تجارية في الوقت الحالي"، داعيا إلى طرح الأمر للمناقشة العامة على الأقل. لكن لا وجود لمثل هذه المناقشات العامة في السعودية، وسرعان ما اعتقل عصام الزامل مع مجموعة من الصحفيين السعوديين ورجال الدين والأكاديميين وغيرهم.

على الرغم من أن ولي العهد قد تخلى في نهاية المطاف عن صفقة أرامكو، إلا أنه تمت معاقبة الزامل بشدة، حيث اتهم بالانتماء إلى منظمة إرهابية، وبعقد اجتماعات مع دول أجنبية، ونشر تغريدات "تخل بالنظام العام"، بالإضافة إلى عدة أمور أخرى. ولا يزال محتجزا حتى الساعة.

لم يتساهل نظام الملَكية المطلقة في السعودية في التعامل مع المعارضة العلنية يوما، إلا أن موجة القمع التي تشهدها البلاد اليوم هي الأولى من نوعها. سابقا كان الحكام السعوديون يقومون بتكميم أفواه المعارضة عبر التفسيرات الشديدة اللهجة لأحكام الشريعة الإسلامية، ومن خلال تنفيذ عقوبات وحشية بحق المعارضين. كثيرا ما نلفت الانتباه إلى المعاملة غير العادلة للمدون السعودي رائف بدوي، الذي اعتقل عام 2012 وحكم عليه بالجلد 1000 جلدة – حيث جلد 50 جلدة في ساحة عامة بجدة – وحكم عليه ب 10 سنوات سجنا نافذا بسبب منشورات له على مواقع التواصل الاجتماعي طالب فيها السلطات الدينية بالسماح بممارسة إسلام أكثر اعتدالا وتعددية. فجاء رد النظام قاسيا.

سمح النظام القديم لقنوات محدودة بالتعبير عن رأيها دون التدخل، إلا أنه ومع وصول الملك سلمان للسلطة عام 2015، كممت أفواه هذه القنوات من جديد، لتشتد وطأة هذه السياسة في عهد ابنه محمد، الذي أصبح وليا للعهد في حزيران/ يونيو من عام 2017.

قام الحكام الجدد بإعادة هيكلة الوكالات، وصياغة قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب– التي تعتبر مخاوف أمنية مشروعة -وذلك للحصول على مزيد من السلطة لسحق المعارضة وسجن الناس لفترات طويلة لأتفه الأسباب. كما قام ولي العهد بتنحية ابن عمه محمد بن نايف، الذي كان يسيطر على وزارة الداخلية، من منصبه وتم تجريد الوزارة من صلاحياتها في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب. وأنشئ مكانها وكالة جديدة قوية تحت مسمى "رئاسة أمن الدولة"، والتي ترفع تقاريرها مباشرة إلى الملك ويمكن القيام "بعمليات البحث والتحقيق والاستيلاء والملاحقة الجنائية والإدارية" دون إشراف قضائي، وفقا لتقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

حوكم جميع النشطاء السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان في المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أنشئت في عام 2008 للتعامل مع قضايا الإرهاب، حيث لا يرافق المتهمين محامون خلال مرحلة التحقيق، ويمكن أن تكون فترات الاحتجاز التي تسبق المحاكمة تعسفية وطويلة. في تشرين الأول / أكتوبر من عام 2017، قامت السعودية بتحديث قانون "مكافحة الإرهاب" الخاص بها، والذي لم يكن مباشرا في تعريفه للإرهاب، لتضيف العديد من التعريفات التي تجرّم حرية التعبير. على سبيل المثال، يشمل تعريف الإرهاب أولئك الذين "يصفون" الملك أو ولي العهد "بأي وصف يطعن في الدين أو العدالة."

ومن الأمثلة الجيدة على تغير الوضع في السعودية مسألة الناشطات السعوديات اللواتي لطالما طالبن بحقهن في قيادة السيارة وتغيير نظام الوصاية، الذي يمنح الرجال سلطة اتخاذ قرارات حاسمة نيابة عن أقاربهم الإناث.

طالب هؤلاء النسوة لسنوات بالتغيير لكن بحذر ضمن الحدود التي تسمح بها الحكومة. لكن ولي العهد الجديد لم يستطع تحمل أصواتهن؛ حيث منح المرأة حق القيادة، ثم عاقب أولئك اللاتي عملن جاهدات للقيام بهذا الإصلاح. في أيار/ مايو الماضي، تم القبض على 11 ناشطة سعودية. لا تزال الكثيرات منهن في السجون، حيث وجهت لهن جرائم خطيرة يمكن أن تؤدي إلى أحكام بالسجن لفترات طويلة، والتي تشمل "التخابر مع أطراف أجنبية" وتقويض "أمن واستقرار" الدولة. تعرض هؤلاء النسوة للتشهير العلني في وسائل الإعلام؛ حيث نشر موقع تويتر المؤيد للحكومة صورا للمعتقلات كتب عليها كلمة "خائنة" باللون الأحمر، بحسب هيومن رايتس ووتش.

في آذار / مارس الماضي، خُطفت لجين الهذلول، من سيارتها في الإمارات، حيث كانت تدرس، وأُعيدت إلى السعودية. كان زوجها فهد البتيري، وهو ممثل كوميدي سعودي معروف، آنذاك يعمل في الأردن عندما اعتقله ضباط الأمن هناك، حيث اقتيد مكبل اليدين ومعصوب العينين ووضع على متن طائرة إلى السعودية. تم إطلاق سراحها، لتعتقل مرة أخرى حيث لا تزال في السجن.

والواقع أن سجون السعودية اليوم تكتظ بأشخاص وقعوا في شراك حملة القمع التي أطلقها ولي العهد. من بين هؤلاء، 11 عضوا من مؤسسي "الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية"، حيث صدرت في حقهم أحكام تصل إلى للسجن 200 عام، ومنعوا من السفر، وذلك وفقا لما أدلت به مجموعة "القسط" التي تعنى بحقوق الإنسان وتتخذ لندن مقرا لها.

إجمالا، وحسب تقديرات المجموعة، فقد تم احتجاز أكثر من 400 شخص عام 2017 من بينهم صحفيون ونشطاء ورجال دين ورجال الأعمال، وهو العام الذي أصبح فيه محمد بن سلمان وليا للعهد.

اختفى بعدها جمال خاشقجي في 2 من تشرين الأول / أكتوبر الحالي، وقد عمل صحفيا في قسم الآراء العامة في صحيفة "واشنطن بوست"، بعد دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول ولم يره أحد منذ ذلك الوقت.

كان السيد خاشقجي حريصا على انتقاد هذا النوع من التضييق، حيث تحدث في أحد مقالاته كيف أن ولي العهد كان يحتفظ بقائمة سوداء من المعلومات الهدف منها تعنيف وترهيب الكتّاب الذين ينتقدون نظام الحكم. آمن خاشقجي بأن رفع الحظر عن الناس وفتح المجال أمامهم للتفكير والتعبير عن أنفسهم سيكون مصدر قوة أكبر بكثير للسعودية من إسكاتهم وسجنهم واختطافهم وقتلهم.