الثلاثاء 2018/05/15

واشنطن بوست: قاعدة التنف.. حصن عرضي ضد إيران يظهر التناقضات في سياسة ترامب

المصدر: واشنطن بوست

بقلم: ميسي رين وغريغ جيف

ترجمة: مركز الجسر للدراسات 


يعطي مصير قاعدة عسكرية أمريكية في جنوب سوريا صورة عن التناقضات التي تتخلل سياسة الرئيس ترامب بخصوص إيران.

محاربة تنظيم الدولة كانت هي الهدف من إنشاء قاعدة التنف الصغيرة والمحاطة بصحراء شاسعة. لكن هذا الهدف تغيَّر العام الماضي عندما بدأت القوات المدعومة من إيران بالزحف نحو هذه المنطقة المعزولة.

خشي المسؤولون الأمريكيون أن تتمكن القوات التابعة لإيران التي تقاتل بجانب قوات النظام من اجتياح قاعدة التنف الأمريكية وإغلاق الطريق البرية المؤدية إلى دمشق والبحر الأبيض المتوسط بسبب الموقع المكشوف لهذه الأخيرة، وكذلك بسبب القوة العسكرية الصغيرة الموجودة هناك. إذ من المحتمل أن تجرَّ الضربات الأمريكية على القوات الزاحفة بالبنتاغون إلى مزيد من الحرب الأهلية في سوريا.

يرى بعض المساعدين في الإدارة الأمريكية أن الأجواء المتوترة التي تحيط بالتنف، فرصة لتعزيز عمليات الولايات المتحدة ضد إيران، وشن حملة أكبر على طهران للحد من وصولها عسكرياً إلى المنطقة.

إن مداولات البيت الأبيض المشحونة، التي بدأت في أيار/مايو الماضي وما زالت مستمرة حتى اليوم، توضح الفوضى التي ميزت ردود فعل ترامب حول التأثير السياسي والعسكري لإيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

منذ اللحظة التي وضع فيها ترامب طهران "تحت المجهر" من خلال لهجته التحذيرية قبل أيام من تولّيه الرئاسة، توعد بالتصرف بشكل حاسم مع إيران، مستعملاً أكثر العبارات عدوانية، والتي لم نسمعها منذ الفترة الرئاسية للرئيس جورج دبليو بوش عندما وصف إيران بـ "محور الشر".

وقال ترامب في مؤتمر صحفي الشهر الماضي، " أينما وجدت مشكلة في الشرق الأوسط بغض النظر عن مكانها فإيران وراءها "، متهمًا طهران مرات عديدة من قبل بتأجيج "العنف وسفك الدماء والفوضى" في المنطقة.

وحتى الآن، فقد ارتكزت استراتيجية ترامب على معارضته للاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 2015 لوقف طموحات إيران النووية، والذي وصفه بأنه "أسوأ صفقة على الإطلاق". سيجبر قرار الرئيس بالانسحاب من الاتفاقية كلاً من البيت الأبيض والبنتاغون على تحويل تركيزهما لمواجهة التأثير الإيراني في ساحات المعارك التي تدور رحاها في الشرق الأوسط.

قد تكون الأشهر القادمة محورية بالنسبة للرئيس ترامب وفريق سياسته الخارجية، إذ سيتعين عليه التوفيق بين لهجته الشديدة تجاه إيران ورغبته المعلنة في الانسحاب من الشرق الأوسط والانسحاب من سوريا على وجه التحديد.

فلا وجود لصورة أوضح عن التناقضات التي تتخلل سياسة الرئيس ترامب بخصوص إيران من قاعدة التنف.

يرى حلفاء الولايات المتحدة ومعارضو إيران أن هذا الموقع الصحراوي قد أصبح مقياسا لاستعداد أمريكا للوقوف في وجه النفوذ الإيراني، ويثير الوجود الأمريكي في التنف أيضًا سؤالًا صعبًا موجها لترامب: كم من الدماء والأموال هو على استعداد للمخاطرة بها لمواجهة المد العسكري الإيراني؟

كوكب المريخ:

جاء التركيز الأمريكي على إيران في التنف بشكل عرضي.

في عام 2016، وافق الرئيس أوباما على برنامج تدريب صغير للقوات السورية عبر الحدود في الأردن، وعندما بدأ الجيش الأمريكي يحقق تقدمًا ضد تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا، اقترح حينها البنتاغون إرسال القوات التي تدعمها الولايات المتحدة إلى منطقة التنف التي استُرِجعت من أيدي المليشيات في السنة نفسها.

وجود المنطقة في مكان معزول كان أهم نقاط قوتها؛ كونَها محاطة بأميال من الرمال، ومن السهل الدفاع عنها، حيث وصفها أحد المسؤولين الأمريكيين قائلاً " يمكن تشبيه هذه المنطقة بكوكب المريخ، فلا وجود لشيء فيها"، فهي "مجرد صحراء قاحلة وطريق".

في البداية، كانت الخطة تتمثل في نقل هذه القوات الموجودة بالتنف برفقة مستشاريهم الأمريكيين شمالاً على طول الحدود مع العراق؛ لينضموا لباقي الوحدات الأخرى التي تدعمها الولايات المتحدة والتي تحارب تنظيم الدولة على الحدود الاستراتيجية المؤدية إلى مدينة البوكمال.

لكنْ قبل أن يتمكنوا من الخروج، تقدمت القوات المدعومة من إيران بالإضافة إلى قوات نظام الأسد باتجاه الحدود العراقية، ما عرقل تحرك الولايات المتحدة شمال شرقي البلاد. وبدلاً من شق طريقهم عبر خطوط العدو، ظلت القوات المدعومة من الولايات المتحدة والمستشارون الأمريكيون في التنف.

وبهذا تحولت مهمة قاعدة التنف من قتال تنظيم الدولة -الذي فقد سيطرته بشكل تدريجي على المنطقة- إلى مهمة مواجهة الوجود الإيراني المتزايد.

لم تكن القوات الأمريكية في التنف مفيدة في حماية مخيمٍ للاجئين بالقرب من هذه القاعدة وحسب، بل ساهمت في احتجاز شحنات من الأسلحة والعتاد يتم إرسالها من إيران إلى قوات النظام عبر ما يسمى "الجسر البري" لطهران عبر الشرق الأوسط حسب ما أفاد العديد من المسؤولين.

إن استكمال خط الإمدادات البري سيساعد إيران على إنشاء مسار جوي، ما يساعد طهران على إنشاء بنية تحتية عسكرية في سوريا، تشكل تهديداً كبيراً لإسرائيل باعتبارها حليفة الولايات المتحدة.

وسرعان ما بدأت القوات المدعومة من إيران بالتحرك باتجاه القاعدة الأمريكية في محاولة لاستعادة معبر حدودي قريب والانضمام إلى المليشيات الموجودة بالعراق بحسب ما جاء على لسان مسؤولين أمريكيين.

في أيار/مايو الماضي، أطلقت الطائرات الحربية الأمريكية النار على قافلةٍ من القوات الموالية لنظام الأسد، بما في ذلك المليشيات التابعة لإيران، حيث كانوا متَّجهين نحو هذه القاعدة. وبعد بضعة أسابيع، ضربت الطائرات الأمريكية هذه القوات مرة أخرى بعد أن قامت بتحصين موقعها بالقرب من التنف. ثم في حزيران/ يونيو، أسقط الجيش الأمريكي طائرتين إيرانيتين بدون طيار في المنطقة نفسها.

وقال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية، رفض الكشف عن هويته: "لقد كانت الأسابيع القليلة الماضية مخيفة ".

عزَّز البنتاغون المراقبة الجوية على القاعدة، وزوَّد القواتِ الموجودة هناك بأسلحة مضادة للدبابات لحمايةٍ أفضل ضد أي هجوم إيراني باستخدام المدرَّعات.

وفي إشارة للتوتر بين الطرفين، تلقى المسؤولين الأمريكيون رسالة سرية من "قاسم سليماني" قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني تم استلامها عبر الحكومة السويسرية. ويعتقد كبار المسؤولين الأمريكيين أن وجود سليماني هناك بشكل متكرر هو تجسيد للطموحات الإيرانية.

وفي ردٍّ لوزارة الخارجية الأمريكية، قالت للإيرانيين إن الجيش الأمريكي سيدمر أي قوات تدعمها إيران توجد على بعد 30 ميلاً من القاعدة.

داخل البيت الأبيض، بدأ المسؤولون الذين أرادوا القيام بمزيد من الجهد لمواجهة النفوذ الإيراني بالضغط من أجل توسيع المحيط الأمني لقاعدة التنف. وقد دعت خطط أكثر طموحًا إلى إنشاء منطقة آمنة حيث يمكن للجيش الأمريكي تدريب قوة لتحدي إيران ونظام الأسد في جنوب سوريا.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية: "بالتأكيد بدا الأمر وكأنها لحظة محورية تحدد المنتصرين سياسياً، بين من يريد أن يقاتل الإيرانيين في سوريا وأولئك الذي لا يريدون ذلك".

لكن الخطط العسكرية الأكثر جرأة واجهت رفضا من البنتاغون ورغبات ترامب المتضاربة.

أصبحت إدارة ترامب مليئة بمعارضي إيران، والتي تضم مستشار الأمن القومي مايكل فلين ومدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق مايك بومبيو. كما قام بربط علاقات وطيدة مع السعودية ودول الخليج الأخرى التي لطالما دقت ناقوس الخطر بخصوص إيران.

لقد اتخذ ترامب خطوات صغيرة لتقويض عدوان إيران وفرض عقوبات مالية جديدة على التابعين لها وقام بإلصاق وصف الإرهاب على فيلق الحرس الثوري الإيراني. وفي محاولة لاستبدال نفوذ إيران بدعم من حلفاء الولايات المتحدة، قام الدبلوماسيون بتنسيق عملية لتجديد العلاقات السعودية مع العراق الذي يقوده الشيعة.

كما كثّفت الإدارة محاولاتها العلنية لإخافة إيران، من خلال عرض شظايا الصواريخ وغيرها من الأسلحة التي يقول المسؤولون الأمريكيون إنها دليل على مساعدة إيران للحوثيين في مهاجمة حلفاء الولايات المتحدة في الخليج.

لقد تفاخر ترامب مراراً وتكراراً بسياسته الحازمة اتجاه إيران. في مقابلة أجرتها معه "فوكس نيوز" مؤخراً، أصرّ على أن الإيرانيين خفّفوا من حِدّة لهجة خطاباتهم الداعية بـ"الموت لأمريكا" منذ تولّيه رئاسة البيت الأبيض، كما إن تهديداته باستعمال القوة قد قللت من عدد المناورات التي تقوم بها إيران في الخليج العربي، قائلاً .. "لم نعد نرى قواربهم الصغيرة تحوم حول سفننا بالمحيط في الآونة الأخيرة".

لكن يبدو أن ترامب لا يرغب بالدخول في صراع مفتوح مع إيران، بل يفضّل التركيز على الاتفاق النووي والتباحث حول استراتيجية إيرانية أوسع نطاقاً بحسَب ما قال مسؤولون حاليّون وسابقون.

كما تحدث عن البقاء في قاعدة التنف لعرقلة التحركات الإيرانية، وأعرب عن دعمه الكامل لخروج القوات الأمريكية من سوريا بالكامل في الوقت نفسه.

"سيكون هناك حاجز كبير بالبحر الأبيض المتوسط في وجه إيران، لأننا إن لم نقُم بذلك ستتجه مباشرة إلى هناك، ولن نسمح بذلك". وكان قد أعلن في مؤتمر صحفي قائلا: "سنقوم بإعادة القوات الأمريكية إلى الوطن قريبًا ".

لقد أثارت هذه الرسائل المتضاربة امتعاض حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بحسب أحد كبار الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين في المنطقة، حيث أوضح قائلا "إنهم يخشون خروج القوات الأمريكية من هناك".

لطالما كان ترامب مُصرّاً في محادثاته الخاصة مع كبار مساعديه في الأمن القومي على أن أولوية الولايات المتحدة في سوريا هي هزيمة تنظيم الدولة والخروج من هناك، وليس محاربة إيران.

خروج الولايات المتحدة من سوريا:

كما إن كبار القادة العسكريين التابعين لترامب غير راغبين في إطالة أمد مهمتهم العسكرية في سوريا، وكذا الدخول في اشتباكات مع إيران، فإنهم بالإضافة إلى ذلك قلقون بشأن سلامة القوات المنتشرة في أنحاء المنطقة.

اتُّهِمت القوات الموالية لإيران بالقيام بالهجمات التي أدت إلى تفجير ثكنة القوات البحرية في بيروت عام 1983، وكذا هجمات حرب العصابات التي تعرضت لها القوات الأمريكية في العراق بعد عام 2003، هذا بالإضافة إلى سلسلة من الهجمات الأخرى التي أودت بحياة العديد من الجنود الأمريكيين.

وزير الدفاع جيم ماتيس، الذي خرج من الجيش الأمريكي سنة 2013 بسبب سياسة العداء التي كان يتبناها ضدّ إيران، وصفها بأنها تهديد رئيسي في الشرق الأوسط. كما سعى للحفاظ على وجود معارضين لإيران في الإدارة الأمريكية وأعاد توجيه الجيش للتعامل مع التهديدات المتزايدة من روسيا. تركّز الجهود التي يبذلها ماتيس في الآونة الأخيرة على الاستعداد لاشتباكات محتملة مع كوريا الشمالية.

وكان الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية ، والجنرال جوزيف فوتيل ، قائد القيادة المركزية الأمريكية ، دعَوَا إلى تشكيل قوات تُعيق تحرك الميليشيات التي تدعمها إيران.

فمن السابق لأوانه الجزم فيما إذا كان مستشار الأمن القومي الجديد في إدارة ترامب "جون بولتون" المدافع الصريح عن تغيير النظام، سيسعى إلى تحدي الاتجاهات الأخرى بما يتلاءم مع الآراء الداعية لمواجهة النفوذ الإيراني عسكرياً.

في أعقاب قرار ترامب حول الصفقة النووية، أدان البيت الأبيض الأسبوع الماضي الهجمات الجديدة على إسرائيل والسعودية من قبل القوات التي تدعمها إيران. أما بخصوص اليمن، فيسعى المسؤولون الأمريكيون إلى إيجاد طرق جديدة لعرقلة وصول شُحنات الصواريخ إلى المتمرّدين الحوثيين الذين يقاتلون التحالف العسكري الذي تقوده السعودية هناك.

وقالت السكرتيرة الصحفية في البيت الأبيض سارة هوكابي ساندرز: "لقد حان الوقت كي تمارس الدول المسؤولة الضغط على إيران لتغيير هذا السلوك الخطر".

مما لا شك فيه أن تؤدي أي إجراءات قد تقوم بها الولايات المتحدة إلى نتائج سلبية، ما قد يزيد من احتمالية تعرض القوات الأمريكية للخطر.

لكن يبقى السؤال الأهم بهذا الشأن هو ما الذي سيحدث في التنف إذا قام ترامب بإخراج القوات الأمريكية من سوريا؟

قال السفير الأمريكي السابق دينيس روس الذي قدم المشورة لرؤساء الحزبين بشأن الشرق الأوسط، إنه قد يتم جر الولايات المتحدة إلى صراع إقليمي إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء لعرقلة إيران في سوريا، إذ قد يستدعي اندلاع حرب بين كل من إيران وإسرائيل إلى تدخل الولايات المتحدة للمساعدة. كما قامت إسرائيل الخميس الماضي بشن سلسلة من الهجمات ضد أهداف إيرانية في سوريا.

مضيفاً: "من السهل معرفة كيف يمكن أن تندلع هذه الحرب، إلا أنه من الصعب التكهن كيف ستنتهي، وبدلاً من الانتظار، فلماذا تخرج الولايات المتحدة من سوريا؟"