الخميس 2018/06/14

واشنطن بوست: ستضطر إيران إلى التفاوض مع ترامب

بقلم: زلماي خليل زاد "مبعوث الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في الفترة ما بين 2007 و2009"

المصدر: الواشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لقد أدى انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني والخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية مايك بومبيو بعد ذلك إلى سلسلة من الردود: فقد رحب البعض بالخط المتشدد الجديد، لكن معظمهم عبروا عن قلقهم وانتقادهم. اعتبر المنتقدون أن ما قامت به إدارة ترامب إعلان حرب أو محاولة لتغيير النظام، فيما استنكر البعض الآخر استراتيجية الإدارة واعتبرها بعيدة عن الواقع.

والواقع أنه على الرغم من كل هذه الانتقادات إلا أن نجاح هذه الاستراتيجية ليس مستبعدا. فقد أبدت إدارة ترامب استعدادها للدخول في مفاوضات، حتى بعد أن صعدت الضغط على إيران من خلال فرض المزيد من العقوبات وهي نقطة مهمة أغفلها العديد من المنتقدين لاستراتيجية إدارة ترامب. إذ إن استخدام سياسة الحد الأقصى من الضغط، التي تليها المفاوضات وعقد الصفقات، تعني أن التوصل إلى اتفاق شامل بين البلدين غير مستبعد.

ربما كانت أكثر الرسائل إثارة للاهتمام في خطاب بومبيو هي الإشارة إلى الرغبة في إشراك إيران بالتفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق شامل يؤدي إلى تطبيع العلاقات. ودعا بومبيو إيران إلى "النظر إلى دبلوماسيتنا مع كوريا الشمالية" كدليل على رغبة الإدارة في إشراك الخصوم في المفاوضات حول قضايا معقدة للغاية.

من المرجح أن تكتيكات الضغط التي ينهجها ترامب لن تجبر إيران على الركوع أو تسهّل قلب النظام في المستقبل المنظور - لكن نهجه قد يجلب الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات.

ترفض طهران في الوقت الحاضر فكرة المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة، وهي تركز على السعي للتوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين للتعويض عن الخسائر التي ستعاني منها بسبب العقوبات الأمريكية الجديدة وفرض قيود على الصواريخ الإيرانية وسياساتها الإقليمية. إذ من المرجح أن تقوم بإعادة النظر في الخيارات المتاحة أمامها مع الأخذ بعين الاعتبار للعوامل المحيطة في الأشهر المقبلة.

أولا، من المرجح أن تكون إيران محبطة من أوروبا. صحيح أن الحكومات الأوروبية غير راضية عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية وفرض العقوبات على إيران، لكن بالنسبة إلى الشركات الأوروبية، تعتبر سوق الولايات المتحدة أكثر أهمية من إيران. فقد بدأت الشركات الأوروبية العالمية بالانسحاب من إيران، ولا يمكن لأي سياسة أوروبية واقعية أن تغير هذا الواقع بشكل جذري. إلى جانب ذلك، بالنظر إلى حجم التعامل الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي ولإيران، الذي يعتبر أقل بكثير من حجم التعاملات الاقتصادية بين كل من الاتحاد الأوروبي وكازاخستان، فمن غير المرجح أن تقدّم أوروبا الضمانات التي يطمح إليها المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي.

ثانيا، يعتبر السباق نحو الأسلحة النووية محفوفا بالمخاطر. يمكن لإيران أن تتخلى عن الاتفاقية النووية وتنتج كمية كبيرة من اليورانيوم بسرعة وعلى مستوى عال من التخصيب الذي تريده. وكان خامنئي قد أعلن بالفعل أنه أمر باستعدادات لرفع مستوى قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم. كما يمكن لإيران أن تقرر استئناف العمل في تصميم الأسلحة والقفز إلى القدرة على إنتاج أسلحة نووية دون الإعلان عن قيامها بذلك.

لكن أي قرار إيراني من هذا القبيل، إذا أصبح معروفا، من المحتمل أن يقود الأوروبيين للانضمام إلى الولايات المتحدة في فرض العقوبات. وبالنظر إلى أن واشنطن قد صرحت بأنها لن تسمح لإيران بالحصول على أسلحة نووية، فإن طهران قد تكون أيضا تحت خطر هجوم يستهدف بنيتها التحتية النووية (وقد يتعداه إلى ما وراء ذلك). ومن المحتمل أن يفقد الإيرانيون أيضا دعم روسيا والصين - في وقت يسعى فيه بعض القادة الإيرانيين إلى إقامة علاقات أقوى مع كليهما. ويبدو أنهم لن ينجحوا في ذلك.

ثالثا، ستعيد إيران حساباتها بالتأكيد من خلال تقييم تأثير استراتيجية الولايات المتحدة عليها. من غير الواضح كيف ستكون العقوبات الأمريكية الشاملة ومدى الضرر الذي قد يحدثه ذلك في الاقتصاد الإيراني الضعيف أصلا. من المحتمل أن تسبب العقوبات الجديدة في ضرر كبير من خلال انخفاض نسبة المستثمرين، وهروب المزيد من رؤوس الأموال، وربما زيادة الاضطرابات العمّالية.

إذا كانت العقوبات ضد إيران مصحوبة بضغوط ضد الوكلاء الإيرانيين في المنطقة، من خلال دعم أولئك المستعدين لمقاومتهم، ستكون إيران أمام خيارين إما التراجع أو التصعيد. وسيؤدي التصعيد إلى تحويل الموارد التي يمكن أن تستخدمها إيران في الداخل إلى زيادة المشاكل الاقتصادية وربما السياسية في طهران، بما في ذلك زيادة التوتر بين الأجنحة داخل النظام، وتعزيز موقف أولئك الذين يسعون إلى تغيير جوهري. وهذا التطور بدوره قد يؤدي إلى عدم الاستقرار وربما إلى التمرد. قد تكون إيران بالفعل في مرحلة ما قبل الثورة؛ إن الصعوبات الناجمة عن العقوبات وزيادة التكاليف المترتبة على مشاركتها في النزاعات الإقليمية يمكن أن تؤدي إلى اختلال التوازن.

رابعا، ستراقب إيران التطورات في مفاوضات الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. يبدو أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع إيران لم يقوض على الأقل رغبة كوريا الشمالية في المفاوضات والبحث عن تسوية. لقد كانت قمة سنغافورة بداية واعدة، مع تفاصيل صعبة ومعقدة وحيوية لاتفاق نهائي يتم التفاوض عليه. يمكن للتقدم الحقيقي مع كوريا الشمالية أن يكون له تأثير جيد على إيران، ما قد يشجع قادتها على الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة.

إيران في الوقت الحالي غير مستعدة للدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة. ولكن مع المزيد من الضغوط الاقتصادية وزيادة الأعباء المالية، قد تغيّر طهران نهجها وتصبح مستعدة لبدء حوار يمكن أن يؤدي إلى محادثات تراعي مصالح البلدين، ما يؤدي في النهاية إلى علاقات طبيعية. إن المسار البديل سيترتب عليه تكاليف اقتصادية ضخمة وحتى خطر نشوب نزاع، وهي نتائج لا تستطيع إيران تحملها.