الأثنين 2018/11/19

واشنطن بوست: بكل بساطة.. ترامب يتشبّث بابن سلمان!

بقلم: إيشان ثارور

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

أمضت السلطات السعودية نحو الشهرين في محاولاتها لإخفاء ما حدث للصحفي المقتول جمال خاشقجي.

طوال هذا الوقت، قام البيت الأبيض بمجاراة السعودية في محاولة منه لإخماد الغضب الدولي الذي أثاره مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، وحماية محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي الذي له صلة وثيقة بالقضية.

بعدما أنكرت علاقتها بقضية اختفاء خاشقجي، اعترفت الرياض في النهاية بوفاته نتيجة لما اعتبرته "عملية فاشلة" قام بها أشخاص "مارقون".

وكان المدعي العام السعودي، وجّه الأسبوع الماضي، سلسلة من الاتهامات لـ 11 مشاركاً على إثر قيامهم بنسج مؤامرة ضد خاشقجي، قد يواجه خمسة منهم عقوبة الإعدام. وأكد النائب العام، بالإضافة إلى عدة مسؤولين سعوديين بارزين، أن ولي العهد لا علاقة له بهذه بالجريمة.

لكن هذه الادعاءات تلقّت ضربة قاسية، خلال عطلة نهاية الأسبوع، عندما كشفت صحيفة "واشنطن بوست" أن وكالة الاستخبارات المركزية قد خلُصَت إلى أن محمد نفسه هو من أمر بقتل خاشقجي.

جاء في نص المقال ما يلي: "يُعد تقييم وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" الذي عبر مسؤولون عن ثقتهم الكبيرة فيه، الأكثر دقة حتى الآن؛ إذ يربط محمد بن سلمان بعملية قتل خاشقجي، ويعقّد جهود إدارة ترامب للحفاظ على علاقتها مع حليف وثيق كالسعودية، حيث إن فريقا يتكون من 15 سعودياً سافر إلى إسطنبول على متن طائرة حكومية في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، لقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية، التي توجَّه إليها للحصول على بعض الوثائق الرسمية التي يحتاجها لإتمام زواجه من خطيبته التركية".

وكما جاء على لسان مسؤولين في المخابرات الأوروبية لصحيفة "الغارديان" البريطانية، فإن تحليل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) "قد دمَّر السرد الرسمي للمملكة". وتعتقد الوكالة أنه من غير المرجح أن تتم عملية كهذه دون معرفة محمد بن سلمان بها.

كما إن التدقيق الذي أجرته الوكالة لتسجيلات صوتية من داخل القنصلية في إسطنبول بالإضافة إلى المكالمات الهاتفية التي أجراها مسؤولون سعوديون وتم اعتراضها - بما في ذلك مكالمة واحدة على الأقل بين عضو من أعضاء فريق الموت وبين مساعد مقرب من ولي العهد - عزز من هذا الاستنتاج.

في العلن، لم يعلق كل من البيت الأبيض ووزارة الخارجية على هذه الاستنتاجات.

وقالت هيذر نويرت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية: "إن التقارير الأخيرة التي تشير إلى أن الحكومة الأمريكية قد توصلت إلى نتيجة نهائية بخصوص هذا الموضوع غير صحيحة"، مضيفة أنه " لا تزال هناك العديد من الأسئلة دون إجابة فيما يتعلق بمقتل خاشقجي، وأن وزارة الخارجية ستواصل بحثها عن الحقائق المرتبطة بهذا الموضوع".

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أصر مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون بولتون على أن المعلومات الاستخباراتية التي اطلع عليها لا تورّط محمد بن سلمان. وقال ترامب، عندما ضغط عليه الصحفيون يوم السبت الماضي، إنه لم يتم تقييم سوى القليل من المعلومات، وإن إدارته ستوضح موقفها الثلاثاء القادم.

يبدو أن جزءاً من تحفُّظ ترامب راجع إلى عدم رغبته في الاعتراف بأنه أخطأ بخصوص محمد بن سلمان، وفي هذه الحالة، لا يريد الاعتراف بأنه أخطأ عندما راهن بشكل كبير على محمد بن سلمان كحليف قوي للولايات المتحدة.

قال أحد مستشاري ترامب الذي تحدث إلى زملائي في صحيفة "واشنطن بوست" شريطة عدم الكشف عن هويته: " في الواقع، الكل يعلم ما حدث"، مشيراً إلى أن ترامب بدا وكأنه يعلم بأن ولي العهد وراء مقتل خاشقجي.

"طوال أكثر من شهر، حاول ترامب رعاية مصالحه من خلال ربط علاقات قوية مع الحكومة السعودية، في ظل تزايد ضغوط الكونغرس والمجتمع الدولي الداعية لمعاقبة النظام السعودي".

لقد أخبر ترامب مساعديه أنه يريد بقاء محمد بن سلمان في السلطة، وأنه يرى أن السعوديين أفضل قوة استراتيجية موازية لإيران، ومصدر حيوي للنفط. تجمع محمد بن سلمان علاقة وثيقة بجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي وكبير مستشاريه، الذي يساعد في تطبيق استراتيجية الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط.

كما إن الحكومة اليمينية التابعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد دافعت بشكل علني عن محمد بن سلمان، الذي يشاطر كراهية نتنياهو لإيران، ويعبر عن إعجابه بالنجاح الاقتصادي الذي حققته إسرائيل.

أما بخصوص ترامب، فقد وجد كل من السعوديين والإسرائيليين زعيما أميركيا يتوق لتأييد رؤاهم بخصوص الشرق الأوسط.

لقد أثار السلوك الطائش لمحمد بن سلمان جدلا واسعا؛ يُلقي عليه العديد من النقاد اللوم بخصوص الحرب المدمّرة في اليمن وحملة التطهير التي طالت منافسين له داخل العائلة المالكة ونخبة من رجال الأعمال السعوديين.

غير أن مقتل خاشقجي، الذي عاش في ولاية فرجينيا، وكان له العديد من الأصدقاء من ذوي النفوذ في واشنطن، قد شدت أنظار العالم إلى الكيفية التي ساهمت بها سياسات الإدارة الأمريكية في مواصلة هذه الرعونة.

فقد أعطت مراوغات ترامب المجال للسعوديين للتملص من الاتهامات الأخيرة. وكانت فاطمة باعشن، المتحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن، قالت لزملائي في صحيفة "واشنطن بوست" إن " الادعاءات الواردة في تقييم وكالة الاستخبارات المركزية "المزعوم" لا أساس لها من الصحة"، مضيفة " ولا تزال النظريات تتوالى حول مقتل خاشقجي دون الحصول على أساس لهذه التكهنات".

تختلف الأمور بشكل كبير في الكونغرس، إذ يستعد المشرعون من كلا الحزبين لممارسة المزيد من الضغوط على الرياض.

وقال السناتور ليندسي غراهام يوم الأحد الماضي مشيراً إلى ابن سلمان "إذا كان سيظل على رأس السلطة في السعودية مستقبلا، أعتقد أن المملكة ستواجه أوقاتاً صعبة على المسرح الدولي"، وأضاف "أعتقد أن السعودية حليف مهم، ولكن عندما يتعلّق الأمر بولي العهد، فهو غير عقلاني، ومضطرب، وأعتقد أنه ألحق الكثير من الضرر بالعلاقة التي تجمع الولايات المتحدة بالسعودية، وليس لدي أي نية للعمل معه مرة أخرى".

لكن بغض النظر عما تكتبه الصحافة، من المرجح أنه سينجو بفعلته. كما جاء على لسان أحد المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية والذي قال " من المرجح أنه سينجو" مضيفاً أن دوره كملك مستقبلي للسعودية هو "أمر مُسلّم به".