السبت 2018/08/18

واشنطن بوست: الولايات المتحدة تنظم تحركاتها في الملف السوري


بقلم: كارين دي يونغ

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


ستقوم وزارة الخارجية الأمريكية بإلغاء التمويل الذي خصصته لإعادة إعمار أجزاء من سوريا، وتحديدا تلك المناطق التي كانت في يوم من الأيام تحت سيطرة تنظيم الدولة، كما صرحت الوزارة الجمعة الماضية قائلة إن الدول الأخرى ستقوم بتوفير 230 مليون دولار من الأموال التي كان مخططا إنفاقها.

كان قد أعلن وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، لأول مرة في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن الأموال الأمريكية التي ستقوم الولايات المتحدة برصدها سيتم توجيهها من أجل "تحقيق الاستقرار" في مناطق معينة كمدينة الرقة، التي دُمرت بشكل كامل خلال الضربات الجوية الأمريكية والمعارك التي دارت على الأرض هناك، وساهمت في الإطاحة بتنظيم الدولة العام الماضي.

قامت الولايات المتحدة بتجميد هذه الأموال في شهر آذار/ مارس الماضي، بعد إقالة تيلرسون من منصبه، كجزء من جهود الرئيس ترامب لتسريع انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وإعطاء المزيد من الصلاحيات لأعضاء التحالف الدولي الذي تقوده بلاده.

أبلغت الإدارة الأمريكية الكونغرس يوم الجمعة الماضي أنه سيتم استخدام هذه الأموال لإعمار مناطق أخرى غير محددة خارج سوريا.

بلغت الإسهامات المالية للدول الأخرى نحو 300 مليون دولار، وفقاً لما جاء على لسان مسؤولين في وزارة الخارجية، حيث أعلنت السعودية إسهامها بنحو 100 مليون دولار هذا الأسبوع.

جاء إعلان الولايات المتحدة تمويل إعادة إعمار سوريا في الوقت الذي أصبحت في الحرب هناك ثنائية الجانب - الصراع المدني لإسقاط بشار الأسد والقتال المنفصل ضد تنظيم الدولة - بشكل كبير وعرفت هذه الحرب مراحل جديدة.

أعلن الأسد، بمساعدة من روسيا وإيران، انتصاره على مقاتلي المعارضة السورية في معظم المناطق التي تقع في الجانب الغربي لسوريا.

كما قادت روسيا حملة دولية لإعلان عودة الأسد بقوة إلى السلطة، وإقناع بقية العالم بدعم السلام من خلال تمويل إعادة بناء البلاد وإعادة ملايين السوريين الذين فروا من القتال.

أعلنت الولايات المتحدة عن انتصار وشيك لها على تنظيم الدولة في الثلث الشرقي من سوريا، كما صرحت عن اعتزامها قيادة جهود تحقيق الاستقرار في المناطق التي تشرف عليها دون تمويل لذلك، بما في ذلك إزالة الألغام واستعادة الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء.

وسيقوم البنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى بالإشراف على إعادة تعمير هذا البلد الذي دُمر نتيجة لحرب استمرت أكثر من سبع سنوات على المدى الطويل.

لكن الإدارة الأمريكية، إلى جانب الكثير من الدول، أكدت أنها لن تقوم برصد أية أموال لإعادة بناء سوريا ما لم يشارك الأسد في المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة بين جميع السوريين لإقامة حكم ديمقراطي هناك.

خلال مؤتمر صحفي مع ترامب في أعقاب الاجتماع الذي عقده الشهر الماضي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي، صرح هذا الأخير قائلا إنهما تباحثا حول أسس التعاون في سوريا.

وقال بوتين "إن مهمة إحلال السلام والمصالحة في هذا البلد يمكن أن تكون أول مثال يحتذى به لهذا العمل المشترك الناجح".

لكن مسؤولين بوزارة الخارجية الأمريكية قالوا يوم الجمعة الماضي، إن الولايات المتحدة لن تتعاون مع روسيا حتى تلتزم هذه الأخيرة بدعم جهود الأمم المتحدة بالكامل، والتي توقفت لعدة أشهر.

وقال ديفيد مايكل ساترفيلد، الذي يعمل سكرتيرا مساعدا في الشرق الأوسط، الجمعة الماضية " إنه لن يتم تقديم أية مساعدات لإعادة إعمار سوريا ما لم تؤكد الأمم المتحدة- لا موسكو، ولا واشنطن، ولا أية دولة أخرى - نفسها أن هناك عملية سياسية لا يمكن الرجوع عنها في طور التبلور".

مضيفا أن هذا هو "الطريق الوحيد أمام النظام والروس للحصول على ما نعتقد أنهم يسعون إليه بشدة، وهي الأموال الدولية التي يمكن أن تتدفق إلى سوريا".

وكانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة قد دعتا اللاجئين - الذين تسبب وجودهم باضطرابات اقتصادية وسياسية في البلدان المجاورة وفي أوروبا – إلى عدم العودة إلى المناطق التي كانت فيما مضى مكتظة بالسكان في غرب سوريا، والتي هي اليوم تحت سيطرة النظام؛ لأنها لا تزال غير آمنة.

كما كانت الإدارة الأمريكية قد طالبت إيران بسحب جميع قواتها من سوريا.

أثار الإعلان الأول لترامب عن الانسحاب المبكر للقوات الأمريكية من سوريا، وتجميد تمويل إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار، قلقا واسع النطاق حول تخلي الولايات المتحدة عن قدرتها على الضغط على النظام وتحقيق أهداف طويلة المدى في سوريا، كرحيل الأسد وإنهاء النفوذ الإيراني هناك، إلى جانب إقامة حكم ديمقراطي غير طائفي يمنع ظهور تنظيم الدولة من جديد.

وفي رد على الانتقادات القائلة إن تجميد الولايات المتحدة أموال تحقيق الاستقرار إنما هو تخلّ عن نفوذها في سوريا، قال مسؤولون إن الولايات المتحدة ستظل تسيطر على معظم مسارات التمويل من الدول الأخرى، وستحرص على إنجاز العمل في كل من الرقة والمناطق الأخرى وفقا لخطة كانت قد وضعتها مسبقا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت يوم الجمعة إن قرار التمويل يمثل "نجاحا لجهود إدارتنا التي تحاول تنفيذ توجيهات الرئيس دونالد ترامب من أجل الحصول على المزيد من الدعم الدولي والإقليمي لتحقيق الاستقرار شمال شرقي البلاد"، مضيفة: "يسمح لنا هذا الإجراء باستعمال هذه الأموال في أولويات سياسية أخرى في سياستنا الخارجية".

وأصرّ كل من هيذر نويرت ومسؤولون آخرون في إحاطة إعلامية أدلوا بها يوم الجمعة، بمن فيهم ساترفيلد وبريت ماكغورك، مبعوث ترامب الخاص للتحالف الدولي، على أنه رغم دعوة ترامب للانسحاب، فإن الولايات المتحدة لن تغادر سوريا في الوقت الحالي.

وأوضح ساترفيلد قائلا: "لا ينبغي أن يكون هناك خلط بين موقف الرئيس والسبب الرئيسي وراء وجود الولايات المتحدة في سوريا بشكل دائم". مضيفا: "نحن في سوريا من أجل القضاء على تنظيم الدولة، وهزيمته بشكل كامل".

على الرغم من أن 99٪ من الأراضي التي كانت تحت سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة، قد تمت استعادتها الآن، إلا أن ماكغورك قال "ما زلنا لم نطلق المرحلة النهائية للقضاء على تنظيم الدولة في شكله المادي...وهذا يتم الإعداد له الآن، سوف يتم اختيار الوقت المناسب لإطلاق هذه المرحلة".

وقال ماكغورك "تعد هذه العملية العسكرية بالغة الأهمية، لأن لدينا عددًا كبيرًا من مقاتلي تنظيم الدولة يختبئون في إحدى المناطق في وادي الفرات. وبعد ذلك، يتعين علينا تدريب القوات المحلية لتعزيز سيطرتها على الأراضي الخاضعة لها، للتأكد من أن المنطقة ما زالت مستقرة ولا يمكن لتنظيم الدولة إعادة تشكيل صفوفه من جديد".

وعليه فإن " هذه المهمة مستمرة، ولم ينته الأمر بعد".

تم تعليق الهجمات ضد المقاتلين المتبقّين على طول نهر الفرات جنوب الرقة الربيع الماضي، عندما قام مقاتلون من "قوات سوريا الديمقراطية" بمغادرة مواقعهم والمشاركة في معركة منفصلة ضد الجيش التركي شمال غرب سوريا.

ومن أجل تنظيم تحركات الولايات المتحدة في الملف السوري، عينت وزارة الخارجية مسؤولين جديدين للقيام بمهام جديدة. وقالت نويرت إن جيمس جيفري، وهو ضابط كبير اشتغل سابقا في الشؤون الخارجية، قد عين "مبعوثا لوزير الخارجية مايك بومبيو لدى سوريا".

موضحة أن "جيفري سيعمل كمستشار لوزير الخارجية الأمريكي وسيكون صلة الوصل الرئيسية للاطلاع على ما يحدث بخصوص سوريا". في حين سيظل ماكغورك مبعوث ترامب الخاص لدى التحالف الأمريكي هناك.

وقالت نويرت أيضا إن الجنرال المتقاعد في الجيش الأمريكي جويل رايبورن، الذي شغل منصب كبير المديرين في العراق، وسوريا ولبنان، قد تم تعيينه في وزارة الخارجية كنائب مساعد لوزير الخارجية بخصوص شؤون بلاد الشام، ومبعوثا خاصا لسوريا.

من الواضح أن مهمة رايبورن ستكون القضاء على النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة، وقالت نويرت إن رايبورن سيسعى "للحفاظ على معارضتنا القوية لحزب الله وأهمية وجود حكومة لبنانية قوية"، بالإضافة إلى "تمتين علاقتنا الثنائية مع الأردن".