السبت 2018/08/11

واشنطن بوست: الغرب لا يزال قادراً على صياغة شروط السلام في سوريا


بقلم: ديفيد ميليباند

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


أودت الأزمة في سوريا، التي بدأت منذ سبع سنوات، بحياة نصف مليون شخص، وشردت أكثر من 5 ملايين، كما ساهمت في تغيير الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. لكن الأسوأ آت لا محالة. لا يمكن السماح للساسة الغربيين بالتغاضي عما يجري، بل هم بحاجة لإظهار هممهم خلال الاجتماع القادم لمجلس الأمن.

في تموز/ يونيو الماضي، اقتحمت قوات النظام المنطقة الواقعة في الجنوب الغربي من سوريا التي تعد مهداً للثورة التي قادها السوريون.  في غضون أسابيع، سيطرت قوات الأسد على المعابر الحدودية مع الأردن التي كانت تستخدمها وكالات الإغاثة لإيصال المساعدات عبر الحدود لمئات الآلاف من السوريين.

تعد لجنة الإنقاذ الدولية، ومنظمة سورية تابعة لها، من أكبر المزوّدين للخدمات الصحية في الجنوب السوري، حيث تقدم هذه اللجنة الدعم لأكثر من ربع مليون سوري. لا يمكن لهذه المنظمات اليوم إيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، كما لا يعلم أحد مصير السكان المقيمين فيها وما آلوا إليه بعد انقطاع المساعدات عنهم.  إذ لا يمكن الوثوق بالضمانات التي يقدمها النظام بالنظر إلى الظروف التي يعيشها سكان المناطق الأخرى بعد أن أصبحت هذه المناطق تحت سيطرته (كالغوطة الشرقية)، إذ لم تحصل الوكالات الإنسانية المرخص لها بالعمل بمناطق النظام على إذن منه لتقديم المساعدات الضرورية للسكان.

لقد تم منع وصول المساعدات الإنسانية إلى تلك المناطق، ما يزيد من احتمالية ازدياد احتياجات سكانها مع مرور الوقت، وذلك بالنظر إلى وحشية الهجوم الذي شنه النظام لاستعادة درعا، والذي دفع بمئات الآلاف من السوريين إلى النزوح من منازلهم في غضون أيام فقط. فهم عرضة لهجمات انتقامية عنيفة، في الوقت الذي سيسعى فيه النظام لإعادة تأكيد سيطرته، وذلك من خلال التجنيد القسري، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى تعرض النساء والفتيات إلى انتهاكات جنسية.

في ظل الحظر الذي تتعرض له وكالات الإغاثة ومنع وصول المساعدات التي تقدمها عبر الحدود، يجب على مجلس الأمن المطالبة برفع الحظر عن هذه الوكالات والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى الجنوب السوري دون عوائق، والحفاظ على حياة المدنيين هناك، وكذا التوزيع العادل لهذه المعونات. كما يجب توثيق الجرائم المرتكبة ضد المدنيين ومساءلة الجناة بموجب القانون الدولي. هذا بالإضافة إلى توفير الحماية للعاملين في المجال الإنساني وأولئك الذين يتلقون المساعدات الإنسانية، من بطش النظام، نتيجة لعيشهم في كنف المعارضة لسنوات.

يجب أن يحصل الشمال الغربي من سوريا -وتحديداً إدلب- على الاهتمام نفسه من مجلس الأمن، إذ من المحتمل أن تحدث كارثة إنسانية جديدة. فقد تم حصر جل جماعات المعارضة المسلحة هناك عبر ترحيلهم من الأماكن الأخرى في إطار ما يُسمّى باتفاقات المصالحة. تستعد هذه الجماعات الآن لخوض آخر معاركها مع النظام، ما يعرّض نحو ٢.٦ مليون مدني للخطر، كانوا قد نزحوا مسبقاً عن مدنهم بسبب اشتداد المعارك. كما إن هناك ما يقارب مليوناً وسبعمئة ألف شخص بحاجة إلى الحصول على مساعدات إنسانية للنجاة. كما فر نحو ٧٠ ألف شخص من أهوال الغوطة الشرقية، حيث عاش معظمهم تحت الحصار لمدة خمس سنوات.

لقد جعلت روسيا من نفسها لاعباً رئيسياً في الحرب التي تدور بسوريا. ففي نهاية تموز/ يوليو الماضي، عقدت كل من مع تركيا وإيران وروسيا اجتماعاً في سوتشي لمناقشة السيناريوهات المحتملة في إدلب. لقد استثنت هذه الدول دور الأمم المتحدة وعملية حفظ السلام في المنطقة.

يحتاج مجلس الأمن إلى إعادة تأكيد دوره، إذ من المهم أن تستخدم الدول الغربية -التي هي أعضاء دائمة في المجلس كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا- صوتها ونفوذها لحماية المدنيين في شمال غرب سوريا. يجب أن تطالب هذه الدول بما يلي: أولاً، ضرورة تعليق أي هجمات مخطط لها وإعادة استئناف محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة بين الأطراف المعنية، فلم تقدم مناطق خفض التصعيد واتفاقات المصالحة أي حماية للسوريين حالها حال القانون الإنساني خلال هذه الحرب الطويلة الأمد.

ثانياً، ينبغي فتح مراكز المراقبة العسكرية التابعة للجيش التركي في إدلب للأمم المتحدة لرصد أية انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، كما يجب أن تقوم تركيا بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين.

ثالثاً، يجب تكون هناك طرق آمنة وحدود مفتوحة باتجاه تركيا أمام المدنيين في حال حدوث اشتباكات تهدد حياتهم.

بشار الأسد وروسيا يطمحان إلى اللعب وفق قواعدهما الخاصة من أجل الفوز في هذه الحرب، وإرغام الغرب على دفع كلفة إعادة إعمار سوريا، ولكن عليه التخلص من هذه الأوهام.  لذا من المهم توضيح أن تمويل الغرب لمساعدات إعادة إعمار سوريا ما بعد الحرب، مشروط بحدوث عملية انتقال سياسي شامل وحقيقي تتم من خلال مفاوضات في جنيف، مع توفير الضمانات اللازمة لسلامة المدنيين السوريين في الوقت الراهن.

للحضور الغربي تأثير مهم في سيرورة الأحداث. إذ يخضع الشمال الشرقي من سوريا حاليا للسيطرة الكردية، مع وجود ألفي جندي أمريكي لصد الهجمات ضد المدنيين من قبل نظام الأسد. ينبغي على الرئيس ترامب أن يدرك جيدا هذا التأثير عوض التكهن بموعد انسحاب القوات الأمريكية من هناك.

لقد دفع السوريون ثمن حصانة بشار الأسد، فقد أصبح اليوم في وضع أقوى مما كان عليه منذ سنوات، وكما يقول المثل "إن الفوز بالحرب ليس مثل الفوز بالسلام".