الأحد 2017/11/12

هل يدرك ترامب أن استراتيجيته الجديدة مع إيران ستفشل فشلا ذريعاً في سوريا ؟

المصدر: فورين بولسي

بقلم: جون حنا

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

 دون وجود خطة لمجابهة المصالح الإيرانية والروسية شرق سوريا، ستضع إدارة ترامب نفسها في موقف محرج جدا في الشرق الأوسط.

ملاحظة إلى الرئيس ترامب: إن الاستراتيجية الجديدة التي أعلنتَ عنها في الأسابيع الثلاثة الماضية معلّقة بخيط رفيع. وسيقرَّر مصيرها في الأشهر القليلة القادمة على الحدود السورية-العراقية، فإذا كنت جاداً بخصوص التصدي للعدوان الإيراني، فعليك أن تتحرك بسرعة لصد هذا المد على ساحة المعركة، التي تمثل نقطة البداية للصراع الذي يدور في المنطقة من أجل الأولية الاستراتيجية.  فإن لم تقُم بذلك واكتفيتَ بالمراقبة -في الوقت الذي يقوم فيه الحرس الثوري الإيراني بتثبيت هيمنته السياسية والاقتصادية والعسكرية في الشرق الأوسط على الخط الشمالي بأكمله، ما يسمح له بإنشاء معبر أرضي يمتد من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط دون عوائق- فإن هذه الاستراتيجية ستصبح عقيمة ضد إيران، وسيكون مصيرها مزبلة التاريخ بعد أشهر قليلة من الكشف عنها.

قد يكون هذا الكلام قاسياً. لكن ليس من الواضح بتاتاً إذا ما كان ترامب على دراية بالخسائر التي قد تتكبدها الولايات المتحدة شرق سوريا أوبمدى تسارع الأحداث هناك.  إذ يتم طرد تنظيم الدولة من معاقله الأخيرة بشكل سريع في محافظة دير الزور التي تقع على الحدود العراقية.  كما يسعى الحرس الثوري الإيراني جنبا إلى جنب مع النظام والقوات الجوية الروسية وعدد من المليشيات الشيعية التابعة إلى إيران (بمن فيهم مليشيا حزب الله اللبناني)، لفرض سيطرتهم على جُل المناطق التي يخرج منها تنظيم الدولة. ومع تأمين ذاك الطريق، سيصبح هدف إيران الاستراتيجي بتشكيل ممر أرضي يمتد عبر العراق وسوريا ولبنان واقعاً  يحميه داعمون أقوياء لإيران في كل من بغداد ودمشق وبيروت. كما ستعزَّز قدرة إيران على فرض قوتها على نهر الفرات ويزيد من قدرتها على المدى البعيد لتشكل تهديد على حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في كل من إسرائيل والأردن وغيرها.

 وتبقى قوات التحالف الذي تدعمه أمريكا والمكوَّن من الأكراد السوريين والعرب، المعروفة باسم "قوات سوريا الديموقراطية" العائق الوحيد أمام تحقيق المطامع الإيرانية بالكامل.

قامت "قسد" بدعم من القوات الأمريكية الجوية والقوات الخاصة بطرد تنظيم الدولة من عاصمتها المزعومة الرقة، واستمرّت بشنِّ هجمات على معاقلها المتبقّية في الجهة الشرقية لنهر الفرات في محافظة دير الزور، على مقرُبة من التحالف الذي يضم كلاً من إيران وسوريا وروسيا والذي يحارب هو الآخر تنظيم الدولة على الجهة الغربية للنهر.

بمنأى عن النزاع الأمريكي-الروسي في الوقت الحالي، سعا التحالفان إلى تأمين الأراضي الرئيسية قبيل تقدمهما نحو الحدود السورية-العراقية والأراضي التي تخضع لسيطرة تنظيم الدولة ،وعلى الخصوص باتجاه مدينة البوكمال التي تعد مدينة استراتيجية ويقع ضمنها طريق رئيسية للعبور ونقطة تفتيش تربط سوريا بالعراق.

ويبقى السؤال المحيّر دون إجابة حول سياسة ترامب في دعم الولايات المتحدة العسكري لـ "قسد"، هل يهدف هذا الدعم العسكري إلى هزيمة تنظيم الدولة فقط أم إن له هدفاً أشمل يندرج ضمن استراتيجية ترامب الجديدة التي تهدف إلى التصدي إلى قوة إيران المتزايدة في المنطقة. فإذا كان الهدف هزيمة تنظيم الدولة فقط، فبعد القيام بذلك، سينتهي دور أمريكا في سوريا وستقوم بسحب قواتها من هناك معلنة "انتهاء مهمتها"- وتتخلى بذلك عن قسد لتواجه وحدها التسونامي الإيراني-السوري-الروسي.

وهذا بطبيعة الحال ما تراهن عليه كل من إيران وحلفائها. فهم مقتنعون أنه على الرغم من الكلام الحازم والتهديدات التي تتعرض لها، إلا أن إدارة ترامب لا تملك الجرأة لتمديد عملياتها في سوريا. وبالفعل قد أظهرت كل من إيران والأسد وروسيا لـ "قسد" أنه لا يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة لدعمها بعد القضاء على تنظيم الدولة. وفي المقابل، يجب على "قسد" أن تقطع اتفاقاتها مع النظام وداعميه الآن عوض مواجهتهم بعد انسحاب الولايات المتحدة من أرض المعركة، إذ يؤكدون على حدوث ذلك لا محالة.

بشكل مقتضب ومنفصل: لم تؤدِّ الأحداث الأخيرة على الحدود العراقية الكردستانية سوى لتضخيم الزخم الإيراني. فبغض النظر عما يجول في أذهاننا عن أسباب النزاع بين الحكومة العراقية ومنطقة كردستان -التي جاءت على إثر التوقيت غير الموفق لاستفتاء الانفصال الأخير- فإن التصوُّر الشائع الآن هو أن الولايات المتحدة قد تخلت عن أفضل وأكثر حلفائها ولاءً، وتعرَّض هذا الحليف للإهانة، وأُخضع من قِبَل الجيش العراقي بالتواطؤ مع الميليشيات الشيعية وقادتهم في الحرس الثوري الإيراني. وفي غضون أيام فقط، انهار المشروع الكردي الذي تدعمه الولايات المتحدة في العراق على مرأى من واشنطن، بعد أن تطلب أكثر من جيل لبنائه.

لابد من القول إنه خلال 100 ساعة أو أكثر من إعلان الرئيس ترامب للعالم أنه يعمل مع شركاء وحلفاء دائمين لوقف التهديد المتزايد للعدوان الإقليمي الإيراني، أصبح هذا الإعلان الآن محور الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط. وبالتأكيد، لا يُعد هذا مؤشرا جيدا، لأن العراق وسوريا ملفان منفصلان، ولكل بلد عوامله وتعقيداته الخاصة.

إذا ما قرر ترامب أن خطط الهيمنة الإيرانية يجب أن تحبط شرق سوريا، فلايزال قادرا على القيام بذلك. ومع الدعم الجوي للولايات المتحدة والقوات الخاصة، ستبقى "قسد" قوة قتالية كبيرة، كما سيبقى عشرات الآلاف من مقاتليها السنة العرب عنصرا مهما وعلى وجه التحديد في دير الزور ذات الغالبية السنية. ومن هذا المنظور، لدى قوات التحالفالذي تقوده أمريكا- عكس القوات الموالية لإيران-  كل المقومات لتقرر إذا ما كانت ستنتزع البوكمال والحدود العراقية السورية من تنظيم الدولة. يمكن للولايات المتحدة أن تؤكد لحلفائها بـ"قسد" أنها لن تسحب قواتها من سوريا بعد القضاء على تنظيم الدولة، وستقوم بتقديم الدعم لهم من أجل الحفاظ على موقعها الاستراتيجي والأراضي التي حررتها، حتى في ظل التهديد والمخاطر والهجمات من النظام وداعميه.

يجب أن يكون هدف الولايات المتحدة تحصيل المزيد من النفوذ قدر المستطاع والتطلع إلى التفاوض في نهاية المطاف حول مستقبل سوريا.

إذا كانت "قسد" قادرة على السيطرة على البوكمال، فإن المكاسب التي جناها التحالف حتى الآن كبيرة، ولا يجب أن تذهب سدى. ومن بين أهم هذه المكاسب: المساحات الشاسعة شمال وشرق سوريا وكذا العديد من مشاريع البنية التحتية المهمة التي تعد أساسية لمستقبل سوريا الاقتصادي، والتي تتضمن أكبر حقول النفط والغاز في دير الزور، أضف إلى ذلك أكبر السدود ومحطات الطاقة الكهربائية. وأخيرا، لدى الولايات المتحدة وشركائها في كل من أوروبا والخليج العربي مفاتيح لعشرات مليارات الدولارات من المساعدات الدولية التي تحتاجها سوريا لتعويض الدمار الذي خلفته الحرب، وهي فاتورة لن تستطيع دفعها كل من إيران وروسيا، ولن تقبلا بذلك.

وفي ظل وجود أوراق كهذه، ستتمكّن واشنطن وحلفاؤها على الأقل من المطالبة بمراعاة المصالح الأمريكية في أي حل سياسي بسوريا؛ ما يشير إلى وجود خطة تُفضي في نهاية المطاف إلى عزل الأسد من السلطة؛ وضمان الحقوق الأساسية للأقليات وعلى وجه التحديد الأكراد كالحقوق السياسية والاجتماعية، والأهمّ من ذلك، منع أي وجود عسكري لإيران ومليشياتها الشيعية في سوريا، وهو ما قد يشعل فتيل حرب إسرائيلية-إيرانية، وباختصار، سيمنع هذا وجود جسر بري إيراني على البحر المتوسط.

لن يكون شيء مما ذكر سهلَ التحقيق، فكلها خيارات تنطوي على مخاطر وتكاليف جمّة، لكنها ستتماشى بشكل كبير مع الاستراتيجية الجديدة التي تم إعلانها للعالم بكل جرأة والتي تفيد بأن الأيام التي كانت تقف فيها أمريكا مكتوفة الأيدي في وجه تنامي العدوان الإيراني في المنطقة قد ولّت.

على الرئيس ترامب أن يعلم في أقرب وقت ممكن أنه: سيدي الرئيس لا يمكنك أن تعلن الحرب على الحرس الثوري الإيراني في تشرين الأول/أكتوبر الماضي لتتجاهل دوره فيما بعد على المحور الشمالي للشرق الأوسط في تشرين الثاني/نوفمبر الحالي.  سيدي الرئيس: دون وجود سياسة حازمة تتصدى للمد الإيراني في العراق وسوريا، فإنك لا تملك استراتيجية جادة للتغلب على التهديد الإيراني لمصالح الولايات المتحدة. فسياسة الحزم الجديدة التي أعلنتَها ضد إيران الشهر الماضي لا تعدو أن تصبح مجرد كلام وتهديدات لا أساس لها، فعندما يتعلق الأمر بقادة الحرس الثوري الإيراني يصبح الأمر غاية في الخطورة بالنسبة لأمريكا والشرق الأوسط والعالم أجمع.