الأثنين 2017/12/04

هل تنجح السعودية في صناعة “شرق أوسط جديد”؟


العنوان الأصلي : شرق أوسط جديد من صنع السعودية

المصدر: ستراتفور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


يسعى ولي عهد السعودية إلى وضع قواعد جديدة للمملكة، لكن الأمر المؤكد والذي لن يتغيّر هو عزم البلاد على مجابهة النفوذ الإيراني في المنطقة، خوفا من فقدان المزيد من الأراضي لصالح طهران، واستنادا إلى تعهدات واشنطن الكلامية، ستستمر الرياض في سعيها لأن يكون لها حضور قوي في كل من لبنان والعراق وسوريا وكذا اليمن. فعلى الرغم من القوة الضخمة التي تحظى بها هذه الدولة العملاقة، إلا أن خياراتها السياسية والعسكرية على ساحات القتال محدودة بشكل كبير مقارنة بإيران، وهي حقيقة مرة ستمنع السعودية من تحقيق حلمها الأزلي للسيطرة على الشرق الأوسط.

التنافس على الشرق الأوسط:

منذ تولي الملك سلمان العرش في كانون الثاني/ يناير 2015، قامت السعودية بسلسلة من التدخلات الغريبة والعلنية خارج حدودها. لكن مقاربتها الاستباقية والجديدة لم تأت دائما بالنتائج المرجوّة. فبعد عدة أشهر على اعتلاء الملك كرسي العرش، شنت المملكة حملة قصف هوجاء على المليشيات الحوثية في اليمن لاتزال مستمرة حتى الساعة، ولا يبدو أن نهايتها قريبة.

كما قامت السعودية في وقت سابق من هذه السنة بقطع علاقاتها مع قطر أملا في الضغط عليها لتغيير سياستها لكنها لم تنجح سوى في إبعاد الدوحة. وفي مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حاولت الرياض استخدام رئيس الوزراء اللبناني لكبح جماح نشاطات الجماعة المسلحة اللبنانية حزب الله، وهي محاولة جاءت بنتائج عكسية وأعطت صورة سلبية عن المملكة.

طوال هذا الوقت، كان ولي العهد، محمد بن سلمان، يسعى إلى ضم البلدان السنية في المنطقة مع بعضها من أجل تشكيل جبهة موحدة ضد إيران وتطاولها المتزايد، الشيء الذي خلّف جلبة بين حلفاء السعودية ولم يحرك ساكنا.

من وجهة نظر الرياض، لم يترك نفوذ إيران المتزايد، خلال العقد الماضي، للسعودية خياراً سوى الرد بطريقة ما. فقد أدى عزل الرئيس العراقي السابق صدام حسين سنة 2003 إلى نشوب الفوضى وإعطاء المجال لطهران من أجل حشد وتدريب المليشيات المحلية، وتشكيل فصائل موالية لها في حكومة بغداد. كما أدت الخلافات التي نشأت في كل من سوريا واليمن إلى إعطاء فرص إضافية لإيران من أجل تعزيز علاقاتها بالمجموعات المسلحة الموجودة على الحدود الشمالية والشرقية للمملكة.

وفي الوقت الذي تتجه فيه الحرب الأهلية السورية نحو تسوية تُبقي بشار الأسد -الذي يعد حليفا لإيران- على رأس الحكومة في دمشق، يعتري الرياض المزيد من التوجس من أن تثبت طهران أقدامها العسكرية والسياسية في الشام.

زادت صفقة إيران النووية مع الغرب من قلق السعودية بشأن هذه التطورات، وأعطى الاتفاق -الذي خفف بعضا من العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على إيران- الرياض دافعاً إضافياً لمجابهة طهران كلما سنحت لها الفرصة، باستخدام علاقاتها السياسية والعسكرية في المنطقة.

تخشى السعودية من الخراب الذي قد تتسبب فيه إيران في ظل عدم وجود عقوبات اقتصادية واستفادتها من موارد مالية إضافية لدعم مقاتليها في البلدان القريبة من السعودية، من خلال استمرارها في تطوير الأسلحة النووية سرا.

تغيرت سياسة الولايات المتحدة الأخيرة في الشرق الأوسط، فدعمت السعودية للوصول إلى مساعيها، كما عملت واشنطن في السنوات القليلة الماضية على تقوية دورها القيادي في عدد من الصراعات الإقليمية بين لاعبين محليين من بينهم الرياض. فتحت ضغوط من الولايات المتحدة، وكذا رغبة منها في الرفع من مكانتها في الخارج، حاولت السعودية الأخذ بزمام الأمور والحزم في هذه النزاعات، وقد شاركت إدارة ترامب ولي العهد نفس رغبته في التصدي لإيران ودعمت المملكة بقوة كما لم تفعل الإدارة الأمريكية السابقة.

بالتأكيد، فما تقوم به السعودية ليس بالأمر الجديد. فكل خطوة تقوم بها المملكة تتماشى مع النهج التقليدي لها لضمان بقائها ومكانتها في قلب المنطقة. وتحقيقا لتلك الغاية، سعت السعودية عبر التاريخ إلى الحفاظ على مكانتها في العالم الإسلامي من خلال نشر مفاهيمها عن الإسلام. كما إنها عملت أيضا على حماية نفوذها في الشرق الأوسط، من خلال استخدام الأموال والطرق الدبلوماسية لصعود حكومات ترعى مصالحها والوقوف في وجه الحركات السياسية التي من شأنها أن تعرقل قواها داخل هذه البلدان. وفي الوقت الذي تسعى فيه السعودية وراء تحقيق هذه الأهداف الاعتيادية، فإنها ستواجه عقبات اعتيادية كذلك، وعلى الخصوص في الأماكن التي توجد فيها مصالح إيران.

حامية حمى الدين:

باعتبارها معقلاً للإسلام، لم تخشَ السعودية من استعمال نفوذها للتأثير على جاراتها وكيفية تطبيقها للإسلام. فقد اعترضت الرياض بشدة على المذهب الشيعي الإيراني وإيديولوجية الإخوان المسلمين السنية، الذَين تعتبرهما خطرا على الاستقرار الإقليمي.

إلا أن التاريخ قد أثبت أن التلاعب بتيارات الإسلام السياسي من طرف حكومة واحدة ليس مستحيلا وحسب وإنما خطر أيضا. ففي سنتي 1970 و1980، ساعد قرار السعودية بنشر الفكر الوهابي في المدارس الموجودة بالمنطقة على ظهور تيار محافظ للإسلام يمكن تصنيفه بسهولة إلى التيار المتشدد عوض التيار الليبرالي. وقد بدأت هذه المحاولات في إعطاء جهود عكسية وتغذية تيار الرافضين لمحاولة الأمير الشاب الدخول في حقبة إسلامية "أكثر اعتدالا" ورفض المفاهيم المتشددة التي تغذي الجماعات الجهادية. سواء كان هذا الاعتراض من رجال الدين وأتباعهم داخل المملكة أو من بلدان أخرى لا تقبل القيادة السعودية الدينية، فليس من السهل التحكم في المفاهيم التي تحدد الحياة اليومية للمجتمعات في العالم أجمع.

لكن ذلك لم يمنع دولاً كالسعودية وقطر من المحاولة، فخلال العقود القليلة الماضية، عارضت الرياض بشدّة السياسة الخارجية للدوحة، ويرجع ذلك جزئيا إلى امتناعها عن الخضوع للسعودية، وأيضا بسبب دعم الدوحة لبعض التيارات الإسلامية خارج البلاد. فقد أعطى هذا الدعم لقطر تأثيرا يفوق استيعاب حجمها وسكانها. وعلى الرغم من جهود الرياض لتشديد الخناق على المنابر الإعلامية والشخصيات السياسية التي تستعين بها الدوحة، لإيمانها بمعارضتها مصالح السعودية، استعملت الدوحة احتياطات مالية هائلة لمقاومة الضغط الاقتصادي الذي مارسته السعودية عليها.

في الوقت نفسه، بدأ الخلاف بالتفكك ببطء في نسيج مجلس التعاون الخليجي الذي ينتمي له كلا البلدين. وفي هذا الوقت بدأت السعودية بفقدان رغبتها في عزل قطر عندما توضَّح لها، كما حدث مرات عدة، أنّ ما تقوم به آيل للفشل.

توحيد الصفوف عن طريق تشكيل تحالف:  

تميل الرياض لدعم أصدقائها من دول الجوار. في أواخر القرن العشرين موّلت السعودية المجاهدين الأفغان للحدِّ من زحف الاتحاد السوفياتي. وبعد ثلاثة عقود، وبالطريقة نفسها، دعمت الرياض تغيير النظام في مصر لاستبدال حكومة الإخوان المسلمين في القاهرة بإدارة أكثر علمانية يدعمها الجيش الذي كانت تجمعه علاقة جيدة مع العائلة الحاكمة في السعودية.

ليس هذا وحسب، فقد أدّت محاولات السعودية لدعم الحكومة اليمنية التي تفضّلها إلى حرب أهلية قبل نصف قرن. في سنة 1960، قدّمت المملكة الدعم العسكري للقوات اليمنية الشمالية التي تنوب عن النظام الملَكي في اليمن. أما اليوم، فقد تغيّرت العوامل الأساسية والتحالفات في الصراع اليمني، لكن دوافع السعودية لم تتغير، فهي تقوم بالأساس على تثبيت حكومة موالية للسعودية في صنعاء بهدف القضاء على المخاطر المنبثقة من اليمن، والتي من شأنها أن تهدّد استقرار المملكة. لكن فرص نجاح الرياض ضئيلة مثلما كانت قبل عقود مضت، عندما أدى انتهاء الحرب في اليمن إلى طريق مسدود.

مؤخرا، أخذت رغبة السعودية في دعم شركائها منحًى جديدا يتمثل في حشد التحالفات،  ويرجع الفضل في هذا إلى حث الولايات المتحدة السعودية للعب دور أكبر في التصدي للإرهاب والقيام بمبادرات أمنية في المنطقة، فقامت السعودية بتشكيل التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب في كانون الأول/ ديسمبر 2015. وعلى الرغم من أن هذه الكتلة كانت قد أحرزت تقدما في بعض من أهدافها المشتركة ونظمت تدريبات عسكرية مشتركة، إلا أن أولويات أعضائها التنافسية بدأت في الظهور على السطح. فحتى حلفاء المملكة الأوفياء بدوا مترددين في الالتزام بتعليماتها فيما يخص سياستها الخارجية. أدى اختلاف الرؤى هذا إلى تقويض تماسك مساعي السعودية الأخرى أيضا بما في ذلك تحالفها العسكري في اليمن وموقفها ضد قطر وكذا اقتراحاتها في مجلس التعاون الخليجي.

بالنظر إلى الصعوبة التي واجهتها السعودية من أجل الحصول على دعم حلفائها، ليس غريباً أن يكون حصولها على الدعم من طرف أصدقائها الموسميّين سهلاً كذلك. قامت المملكة بتخطي هذه الحواجز عن طريق السنّة وحليفها القديم تركيا مع استقلال تونس والجزائر وعمان وكذا بفضل بعض اللاعبين السنّة الذين يعتمدون على بعض الدعم الإيراني كالسودان وفلسطين. وعلى الرغم من ذلك، قد حاولت السعودية الاستفادة من منتدياتها الإقليمية، بما في ذلك منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية لنشر رؤية موحدة تتواقف مع تطلعاتها، لكن محاولاتها هذه لم تحقق نجاحا حقيقيا يذكر حتى الآن. والواقع أن جهود الرياض لتوحيد صفوف جاراتها ضد المد الإيراني أدى إلى نتيجة غير متوقعة، ووحدت صفوف الإيرانيين للدفاع عن حكومتهم.

مسلحون ومتفوقون:

واجهت السعودية العديد من المشاكل في مواجهة إيران على ساحة القتال، كما واجهت مشاكل على الساحة الدبلوماسية. فعند مقارنتها بإيران، تفتقر السعودية للخبرة العسكرية، كما إنها ليست القوة الوحيدة للطائفة الدينية في المنطقة. (عكس إيران التي تشكل القوّة الشيعية الوحيدة في العالم الإسلامي).

عملت طهران بشكل دؤوب لعدة سنوات على تعزيز روابطها مع المليشيات في الشرق الأوسط، بينما ظلت جهود الرياض للقيام بنفس الأمر بين مد وجزر. فعلى سبيل المثال، انتهى دعم السعودية للمليشيات السنية في لبنان سنة 2000، ومذ ذلك الحين، قامت مليشيا حزب الله التي تدعمها إيران بتشديد قبضتها على البلاد.

وفي الجنوب، قبيل ثلاث سنوات على بدء حملة القصف التي شنتها السعودية على اليمن، لايزال المتمردون الحوثيون قادرين على إلقاء الصواريخ على الأراضي السعودية والتي هي في الغالب أسلحة إيرانية.

أما في العراق، فواجهت السعودية صعوبات في تحديد ودعم شركائها داخل المجتمعات السنية المتفككة في البلاد. ومن جهة أخرى، قامت إيران بإنشاء شبكة دائمة من الحلفاء والميليشيات السياسية. وبسبب ضعف حضور السعودية في البلاد، ستستمر بالرجوع إلى الولايات المتحدة من أجل مساعدتها في إحراز تقدم سياسي في بغداد، إذ سيصعب تطبيق هذه الاستراتيجية في الوقت الذي تبحث فيه واشنطن عن سبيل للخروج من المنطقة.

لن يقف أي من التحديات التي تواجه السعودية عائقا أمام سياسية المملكة الجديدة للحؤول دون تحقيق جل أهدافها. لكن هذه التحديات تعني أن الرياض ستواجه مشاكل تشكيل الشرق الأوسط بحسب ما تراه مناسبا، إذ يعد هذا الأخير متنوعا للغاية في نهاية المطاف، كما إن إيران لن تسمح للسعودية بصنع منطقة جديدة باعتبارها منافسة قوية.