الجمعة 2018/02/02

هل تشكل عملية “غصن الزيتون” نهاية للمليشيات الكردية بعفرين؟ ( ترجمة)

لم يكن الأمر مفاجئا عندما قامت تركيا بشن حملة عسكرية على مدينة عفرين. فالمدينة التي يشكل الأكراد معظم سكانها، تعتبر أيضا قاعدة رئيسية للملشيات الكردية الانفصالية، التي تعتبر منظمة عسكرية وتحصل على دعم كبير من أمريكا وروسيا في حربها ضد تنظيم الدولة. قامت هذه المليشيات بشن حرب على تنظيم الدولة في كل من الرقة وشمالي سوريا، وتحاول في الوقت نفسه تحديد مناطق لتديرها وتسيطر عليها المنظمة.

لقد تم التلميح إلى اقتراب القيام بمثل هذه العملية في العديد من التصريحات التركية للصحافة، وفي منتصف كانون الثاني / يناير الماضي، بدأت تركيا جِدياً بالتعاون مع الجيش السوري الحر الذي يتخذ من منطقة درع الفرات مقرا له تحت سيطرة تركية.

لم تتردد أمريكا في إنكار دعمها للمليشيات الكردية، حالها حال الروس. فقد سحبت روسيا عناصرها من منطقة عفرين، كما قامت باستدعاء عناصرها التي تعمل في "مركز المصالحة"، الذي يوجد أحد فروعه بمدينة عفرين. فقد أصبحت المدينة الآن خالية من العناصر الأمريكية والروسية، وغدت ساحة قتال للمعارك التي تدور بين المليشيات الكردية المسلحة من جهة والقوات التركية والمعارضة السورية.

وقد فقدت المليشيات الكردية الدعم العسكري والسياسي الدوليين على حد سواء، الشيء الذي لعب دورا حاسما في سعيها للحصول على المزيد من السلطة والسيطرة على المزيد من المناطق. لعبت أميركا دور الراعي لمصالح هذه المليشيات على المستوى السياسي، في حين غطت روسيا احتياجاتها العسكرية. وعلى هذا النحو، بدأت هذه المليشيات بالاعتماد على المُعدات العسكرية التي تحصل عليها، غير أن قدراتهم العسكرية لم تستطع التفوق على القوة الجوية والأسلحة الثقيلة التي يستخدمها الجيش التركي.

تجد المليشيات الكردية نفسها اليوم أمام خيارين اثنين: المواجهة أو التراجع. الطريق الوحيد المفتوح أمام خروج هذه المليشيات يؤدي إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام. أما بقية المناطق المحيطة بعفرين فهي تحت سيطرة الجيش السوري الحر الذي يقاتل إلى جانب الجيش التركي، وبذلك لا يمكن للمليشيات الكردية الخروج من تلك المناطق، الشيء الذي من شأنه أن يزيد من حدة الوضع في المدينة.

ولكن دون تحرك المليشيات في أي من هذه الاتجاهين، من الواضح أنها تنتظر معرفة ما إذا كان من الممكن التوصل إلى حل أو اتفاق دولي من شأنه أن يحافظ على وجودها العسكري في منطقة عفرين.

إذا ما انسحبت المليشيات الكردية من هذه المنطقة، فهذا يعني أنها تقر فعليا بوجودها العسكري في منطقة الجزيرة السورية. ومع ذلك، من الواضح أن هذا لن يحدث إذ يبدو أن التفاهم القائم بين كل من تركيا وروسيا والولايات المتحدة سوف تمنع ذلك.

السيناريوهات المحتملة لعملية غصن الزيتون:

من الواضح الآن أن المعركة لن تكون سهلة، على الرغم من الهوة الواسعة في القدرات العسكرية بين الجانبين. وعلى الرغم من أننا ما زلنا في الأيام الأولى من القتال، إلا أن التضاريس الجبلية لمنطقة عفرين تصب في مصلحة المليشيات الكردية. يمكن القول إنه من المرجح أن يواجه الجيش التركي نفس المشاكل في عفرين إذا ما قارنا هذه المعركة بالمعارك الأخرى التي خاضها الجيش التركي في مدينتي الباب وجرابلس ضد تنظيم الدولة، والتي استمرت أكثر من ستة أشهر بسبب كثرة تركز المدنيين في هذه المدن.

ويرجع ذلك بالأساس إلى تجنيد مقاتلي هذه المليشيات من المدنيين المتواجدين بعفرين، حيث تفوق أعداد ساكنة هذه المدينة سكان مدينة الباب، إذ تصل أعداد السكان هناك، بما في ذلك أولئك الذين فروا من أجزاء أخرى من سوريا، إلى ما يقرب من 600 ألف مدني حسب التقديرات.

بالنظر إلى مسار المعارك التي دارت حتى الآن، من المرجح أن يقسم الجيش التركي والجيش السوري الحر المدينة إلى منطقتين. إذ من المرجح أن يشنا هجوما من الممر القادم من مدينة عزاز نحو غرب عفرين، الأمر الذي من شأنه أن يقسم المدينة إلى قسمين شمالي وجنوبي.

من شأن إجراء كهذا أن يقلل من مشكلة مواجهة منطقة مدنية مكتظة بالسكان، إلا أن غالبية السكان سيبقون في الجزء الجنوبي من المدينة مع المليشيات الكردية هناك.

لن تستطيع هذه المليشيات مواصلة القتال لأنها سوف تتعرض لضغوط من كلا الجانبين، إذ سيهاجمها الجيش السوري الحر والجيش التركي من الشمال، في حين أن المناطق الغربية والجنوبية من إدلب سوف تستخدم من قبل الجيش التركي لتطويق المليشيات وبالتالي إنهاء المعركة.

وعليه، ستحتاج الميليشيات إلى إذن روسي للعبور من الطريق الوحيد المتبقي للخروج من المنطقة، والذي يؤدي إلى مناطق قوات النظام الواقعة بالقرب من حلب. ومن هناك يمكن لهذه الميليشيات العبور إلى المناطق المحيطة بالرقة والتي كانت تحت سيطرتهم بعد هزيمة تنظيم الدولة.

لن تقبل تركيا بالهزيمة في هذه المعركة مهما كلفها ذلك

، وذلك لأن هزيمة كهذه ستنعكس سلبا على صورة الحزب الحاكم وسمعته محليا ودوليا. هذا بالإضافة إلى أن تركيا في حرب مع المليشيات الكردية الانفصالية التي تعتبر الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني منذ عقود.

علاقة الميليشيات الكردية باللاعبين الآخرين:

قدمت الميلشيات الكردية الدعم لقوات النظام في عدد من المناطق كمساعدته في إنشاء طريق توريد يخدم المدنيين والمقاتلين من المليشيات الموالية للأسد في كفريا والفوعة، وكذا الدور الذي لعبوه في الحملة التي شنها الأسد والروس شرق حلب.

وعلى الرغم من كل هذا، لم يتمكن النظام من دعم هذه المليشيات، إذ إن من شأن ذلك أن يجعل قوات النظام في مواجهة مباشرة مع الجيش التركي، وهو أمر لا يريده الأسد حاليا. ومن العوامل الأخرى التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار بهذا الصدد هو أن روسيا لن تسمح للأسد بأن يقوض اتفاقها الدولي مع تركيا وأمريكا.

ومن جهتها، أصدرت المليشيات الكردية بيانا يدعو قوات النظام إلى الدخول إلى عفرين ومواجهة الجيش التركي.

ولم يصدر النظام أي بيان أو رد فعل على هذا النداء. وفيما يتعلق بالفصائل المسلحة للمعارضة السورية، فهم مضطرون للوقوف مع الجيش التركي في هذه العملية بسبب المعارك السابقة والعداوة بين هذه المليشيات والجيش السوري الحر، وعلى الأخص في بلدة عين دقنة حيث دخلت هذه المليشيات البلدة، فقتلت نحو خمسين مقاتلا من الجيش السوري الحر، والتقطوا صورا مع جثثهم في عفرين.

ما الذي تحمله الأيام لعفرين بعد مغادرة المليشيات الكردية المدينة؟

بعد رحيل هذه المليشيات من مدينة عفرين، ستصبح هذه الأخيرة تحت سيطرة الفصائل المحلية من المعارضة السورية التي تدعمها تركيا. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه قد اختيرت عدد من المنظمات العسكرية الكردية للقتال جنبا إلى جنب مع الجيش التركي. كالذراع الكردي لأحرار الشام، فضلا عن مجموعات أخرى.

كما سيصبح ريف حلب الشمالي جزءا من الطريق المباشرة الرابطة بين مدينتي جرابلس وإدلب. وفي وقت لاحق، سيتم استخدام هذه الطريق لنقل آلاف المدنيين من إدلب إلى عفرين في محاولة لتجنب القصف الجوي اليومي الذي تتعرض له المحافظة حاليا وكذا الهروب من معارك كبرى قادمة والتي يمكن أن تبدأ في أي لحظة مع وصول قوات النظام إلى أجزاء من إدلب. ستؤدي هذه العملية إلى رفع أعداد السكان العرب في المدينة على حساب السكان الأكراد المحليين.

ومن الواضح الآن أن المعارضة السورية لم تعد قادرة على الاحتفاظ بأي من الأراضي التي تسيطر عليها على المدى الطويل طالما أنه لا وجود لأي اتفاق دولي لضمان ذلك. إن الوجود التركي في عمق الأراضي السورية وسيطرته على مساحات شاسعة من شمال سوريا (ومن المرجح أن تمتد هذه السيطرة إلى مناطق أخرى) أصبح الشيء الوحيد الذي يحمي هذه المناطق ويمنع قوات النظام من استعادتها.


المصدر: تشاتام هاوس (المعهد الملكي للشؤون الدولية)

بقلم: أسعد حنا

ترجمة: مركز الجسر للدارسات


تنويه : تحدث الكاتب عن أن المليشيات الكردية قدمت الدعم للنظام وأنشأت طريقاً لتوريد مقاتليه في "كفريا والفوعة" بريف إدلب، ويشار إلى أن "كفريا والفوعة" بعيدتان عن عفرين وإنما القريب منهما هما بلدتا "نبل والزهراء" المتاخمتان لمنطقة عفرين بريف حلب الشمالي.