الأربعاء 2017/12/06

هل تستطيع السعودية استمالة موسكو لإخراج إيران من سوريا ؟ 

المصدر: المونيتور

بقلم: علي بكر

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

استضافت السعودية مؤتمرا في 22 من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي للمعارضة السورية يهدف إلى توحيد صفوف المعارضة قبيل مباحثات جنيف في دورتها الثامنة برعاية الأمم المتحدة. وفي ختام ما أصبح يُعرف بلقاء الرياض 2، شدد المشاركون على " أنه لن تتم المرحلة الانتقالية دون رحيل بشار الأسد وجماعة القمع والاستبداد الموالية له مع بداية المرحلة الانتقالية".

في المقابل، جاء تصريح وزير خارجية السعودية، عادل الجبير، أقلَّ حدّة، حيث أشار إلى "توافق الآراء " واجتنب الإشارة إلى الأسد أو أي شيء يتعلق بمصيره. وكان الجبير قد أخبر ممثل المعارضة السورية أنه " لا وجود لحل للأزمة دون وجود توافق بالإجماع يحقق مطالب الشعب السوري بمقتضي الدورة الأولى لجنيف وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254”.

قبيل ذلك الاجتماع، التقى المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان لمناقشة الملف السوري في 19 من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وقد حضر لافرنتيف اجتماع الرياض 2 للاطلاع على نتائجه.

بعد المؤتمر، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف أن "روسيا تعمل مع السعودية لتوحيد صفوف المعارضة".

فلماذا تعمل الرياض وموسكو جنبا إلى جنب في الملف السوري؟ وكيف يخدم ذلك مصالح كل منهما؟

في شباط/ فبراير 2016، أكدت السعودية أنه سيتم إزالة الأسد من السلطة بالقوة على الرغم من دعم روسيا العسكري له. وفي المقابل، وبعد شهرين، كشف مسؤولون أمريكيون أن الرئيس باراك أوباما قد قام برفض 50 مخططا أعدته وكالة الاستخبارات المركزية لإزالة الأسد من السلطة. كانت الحرب على حلب نقطة تحول للسعوديين في نهاية 2016. أدركت عندها الرياض أن إزالة الأسد من السلطة أصبحت مستحيلة على أعقاب سيطرة النظام عليها.  وتناقص دور السعودية بسرعة وبشكل كبير، فبدا وكأنها غائبة عن أرض المعركة في ظل تعرض قوات الثوار لهزيمة نكراء. توقفت السعودية عن المطالبة بإزالة الأسد فورا من السلطة، كما توقفت عن انتقاد العمليات العسكرية الروسية.

في كانون الثاني/ يناير 2017، قدمت مباحثات أستانا- مبادرة اقترحتها روسيا وتركيا وانضمت إليها بعد ذلك إيران؛ لإجراء مباحثات سلام في سوريا. لم تشارك السعودية في الدورة السابعة من المباحثات التي أجريت فيما بعد. وعلى الرغم من هذا، لاتزال المملكة تأمل بأن تظل في اللعبة من خلال الهيئة العليا للمفاوضات التي شكلتها الرياض في كانون الأول/ ديسمبر 2015 لتمثيل المعارضة السورية في مباحثات جنيف التي ستجريها مع نظام الأسد برعاية الأمم المتحدة.

علاوة على ذلك، في آذار/مارس الماضي، الذكرى السادسة للحرب الأهلية السورية، اعترفت الولايات المتحدة علناً بأن عزل الأسد ليس ضمن لائحة أهدافها. ومن ثم فإن قدرة الرياض على تشكيل الأحداث التي تتعلق بسوريا أصبحت محدودة جدا، إن لم نقل غير موجودة. وأصبح القادة السعوديون يعتمدون على واشنطن وموسكو للبقاء في اللعبة. لكن كيف؟

إن جهود موسكو بالتوصل إلى حل سياسي دائم في سوريا يفتقر لعنصر أساسي مهم وهو الشرعية. بغض النظر عما حققت كل من روسيا وإيران وتركيا من خلال المباحثات تبقى نتائج هذه العملية هشة بدون وجود الشرعية. وبسبب ذلك، ارتأت موسكو ضرورة إحراز تقدم في مباحثات جنيف وتوجيهها نحو المسار الذي تراه مناسباً وإجبار المعارضة السورية على الاعتراف بالأسد. وأصبح الهدف عندها تحوير نتائج هاتين الخطوتين نحو المسار الذي تتبناه كل من أستانا و "مؤتمر الحوار الوطني السوري"، في مؤتمر سوتشي المزمع عقده في كانون الثاني/ يناير وشباط /فبراير 2018.

وقد أكد مسؤول رفيع المستوى في المعارضة السورية، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، ممن حضروا اجتماع الهيئة العليا للمفاوضات مع الجبير في 3 من آب/ أغسطس الماضي، أكد "للمونيتر" أن الجبير قد صرح قائلا " إن الحقائق قد تغيرت على الأرض...وإن الأسد سيظل في السلطة، على الأقل حتى انتهاء المرحلة الانتقالية...وعليه فإنه يجب أن تحضروا أنفسكم لحضور "الرياض 2" للتعامل مع هذه التغيرات".

تنفي وزارة الخارجية السعودية أن يكون الجبير قد قام بهذه التصريحات،  وكان قد نُقل عن مصطفى العاني، مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز الخليج للأبحاث- وهو مركز دراسات سعودي يترأسه عبد العزيز صقر، الذي كلفه السعوديون بإدارة اجتماع الرياض 1 عام 2015- نقل عنه أن " النظام لم يعد مشكلة للسعوديين، كما إن الأسد نفسه لم يعد مشكلة، وأن نقاش السعوديين يتمحور حول وجود الإيرانيين على الأرض". مضيفا " أنه على الروس العمل من أجل إنهاء الوجود الإيراني في سوريا".

علمت "المونيتور" أنه تمت الموافقة بالفعل على المقترح الذي قدمه صقر في النصف الأول من 2017. وكان قد أخبر محمد بن سلمان نفسه بعضا من ضيوفه الأجانب به. وعليه، ستحاول السعودية إقناع روسيا بإخراج إيران وميلشياتها من سوريا. في المقابل، ستحاول الرياض الرفع من علاقاتها في اقتصاد والاستثمار والطاقة إلى مستويات غير مسبوقة مع موسكو، بالإضافة إلى إعادة تشكيل المعارضة السورية لتعويض القصور الذي يتخللها والسماح لشخصيات تابعة لموسكو والقاهرة بالانضمام إليها.

وكان مصدر على معرفة مباشرة بالوضع -طلب عدم الإفصاح عن اسمه لعدم السماح له بالحديث إلى وسائل الإعلام- قد أخبر " المونيتر" أن " محمد بن سلمان نفسه هو من قرر أن على السعودية العمل مع روسيا لإخراج إيران من سوريا. وفي المقابل، ستسعى الرياض لربط شراكة اقتصادية متقدمة مع روسيا وتساعد على استقرار نظام الأسد إذا ما وافق على التخلي عن إيران"، مضيفا أن " الرياض 2 كان جزءا من هذه الخطة، كما كان حال الزيارات التي أجراها ولي العهد والملك سلمان إلى روسيا".

وبالفعل، في 30 أيار/ مايو 2017، قابل محمد بن سلمان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واتفقا على تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الطاقة وتقليص الفجوة بينهما في الصراع السوري. قال محمد بن سلمان "لدينا الكثير من النقاط المشتركة، أما بخصوص نقاط الخلاف التي بيننا، فإن لدينا آلية واضحة حول كيفية تخطّيها، فنحن نتحرك للأمام بسرعة وبطريقة إيجابية".

بعد خمسة أشهر من زيارة الملك سلمان إلى روسيا، وصف لافروف هذه الزيارة "باللحظة التاريخية" بينما وصفها بوتين "بالحدث البارز".

وكان ماجد التركي، رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية في المملكة السعودية، قد أخبر "المونيتر"، "أن مساحات التفاهم بين المملكة وروسيا وبشكل خاص فيما يخص سوريا والنفوذ الإيراني ازدادت بعد زيارة الملك سلمان الأخيرة إلى موسكو" وأضاف التركي أن "المليشيات الموالية لإيران أصبحت مشكلة الآن كما هو الحال في المستقبل. وأن هناك اهتماما مشتركا عندما يتعلق الأمر بقطع اليد الإيرانية الممتدة في المنطقة، إذ يتوافق هذا أيضاً مع ما تريده الولايات المتحدة".

في 10 من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، صرحت وكالة "بي بي سي" الإخبارية، عن مصدر استخباراتي غربي، أن إيران قد أنشأت قاعدة عسكرية لها داخل سوريا.  هذا بالإضافة إلى أنه في المكالمة الهاتفية التي جرت بين كل من بشار الأسد والرئيس الإيراني حسن روحاني في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، نقل عن روحاني قوله إن "إيران مستعدة للعب دور أساسي في إعادة الإعمار في سوريا (في فترة ما بعد الحرب)".  وباختصار، فهذا يعني أن بإمكان الأسد تجاهل الشروط الغربية وأن إيران تخطط للبقاء في سوريا.

روسيا ستواجه مشاكل مع إيران بخصوص المليشيات الشيعية في سوريا وكذا تأثير طهران على الأسد، إذ يمكن أن تصبح لهما اليد العليا في مرحلة ما بعد الحرب عندما يصبح دعم موسكو للأسد غير مهم كما هو الآن.

يقول البعض إن مستقبل العلاقات السعودية-الروسية غير واعد، وأنه من الصعب التخيُّل أن تتخلى روسيا عن إيران لأجل السعودية الأقل ثقة. حالياً يبدو أن موسكو تتجنب الصدام المباشر مع أي من اللاعبين الأساسيين في سوريا، كي تستطيع الاستفادة من جهودهم لمصلحتها. ويبدو أن السعودية ضمن هذه المجموعة.  وتبقى مسألة إذا ما كانت روسيا ستلبي تطلعات السعودية في سوريا غير معروفة.