الأثنين 2018/12/10

هل تستثمر واشنطن عقوباتها ضد إيران في الملف السوري؟

بقلم: فراس مقصد

المصدر: الناشيونال

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

لا تستطيع روسيا وإيران تحقيق الاستقرار في سوريا وتأمين مئات المليارات من الدولارات لإعادة إعمارها دون مساعدة ترامب.

قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً اقتراحاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول التقليل من الوجود العسكري الإيراني في سوريا، والحفاظ على مصالح كل من روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة، مقابل تخفيض الولايات المتحدة لعقوباتها المفرطة على طهران.

قد يكون هذا الاقتراح نتيجة للمنافسة الروسية الإيرانية المتزايدة، حيث يحاول كلا الطرفين الحصول على المزيد من الاستحقاقات النقدية من القطاعات الاقتصادية الرئيسية في سوريا وعملية إعادة الإعمار، التي تقدّر تكلفتها بأكثر من 250 مليار دولار.

في الوقت الذي تدرك فيه إدارة ترامب المعضلة السياسة التي ينطوي عليها هذا الاقتراح، فإن التوتر القائم بين كل من موسكو وطهران حول مستقبل سوريا يجب الاستفادة منه.

إن التنافس القائم بين أبرز داعمي نظام الأسد يدور حول عقود إعادة إعمار البنية التحتية المدمَّرة في سوريا، والهيمنة على صناعات استخراج المواد الباطنية.

تتجاوز الاستحقاقات النقدية المكافآت المالية المقدمة للأقلية الحاكمة في روسيا وعناصر الحرس الثوري الإيراني: سيكون للفائز تأثير كبير على هياكل الدولة في سوريا، والشرق الأوسط، للعقود قادمة.

تسعى طهران لفرض هيمنتها على القطاعات الاقتصادية السورية وتكرير التجربة العراقية.

فقد أدى تدخل إيران عسكريا ونشر مليشياتها على الأراضي السورية إلى حماية نظام الأسد من كارثة موشكة.

فحتى وقت قريب، حظيت إيران بمعاملة تفضيلية داخل الاقتصاد السوري في محاولة منها لاسترجاع ما يزيد على 6 مليار دولار سنويا أنفقتها لدعم النظام والحؤول دون سقوطه.

ليس من المستغرب، أن يطرح النظام، منذ عام 2014 وحتى يومنا هذا، مناقصات حصرية للشركات الإيرانية بمعدل مناقصة واحدة من أصل ثلاثة في الشهر.

كما شهدت السنوات القليلة الماضية غزو مذكِّرات تفاهم لصالح إيران في مجال الاتصالات والفوسفات والصناعات الزراعية المربحة.

خلال الصيف الماضي، لم تحصل إيران على الكثير من العقود الحصرية بسبب سعي موسكو للحصول عليها بالقوة في القطاعات نفسها، خاصة في مجال المعدات الزراعية واستخراج الفوسفات وإصلاح منشآت الطاقة.

يُعدّ قِطاع استخراج الفوسفات على وجه الخصوص مصدراً مُدرّاً للأرباح بالنسبة لروسيا حيث تفوق قيمة إيراداته 200 مليون دولار سنويا.

قبل الحرب، كانت صادرات سوريا من الفوسفات تمثّل نسبة الخمس من حجم الفوسفات الذي تستورده أوروبا؛ لتعود من جديد لتصدير الكمية نفسها في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2017.

يبدو أن موسكو مصممة على الحصول على تلك العقود على حساب طهران.

في شباط/ فبراير الماضي، أعرب مسؤولون روس عن تخوفهم بشأن الاستثمار الإيراني وألمحوا إلى نيتهم الاستحواذ على الصفقات التجارية وصفقات إعادة الإعمار.

في الوقت الذي وقَّعت فيه إيران مذكِّرات تفاهم لم تؤتِ ثمارها، حصلت روسيا على عقود مماثلة وبدأت العمل في قطاعي استخراج الثروات المعدنية والطاقة المُربحين.

صرَّح رجال أعمال سوريون لصحيفة "فاينانشيال تايمز" بأن مسؤولي النظام يعطّلون الطلبات الإيرانية عن طريق المعاملات واللقاءات على أمل إبعادهم.

فلماذا يحاول الأسد إبعاد أحد شركائه القدماء في المنطقة لصالح بوتين، رغم أن إيران جلبت عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة لدعم النظام خلال سنوات الحرب السبع الطويلة؟.

لقد عززت الغارات الجوية الروسية من نجاح تلك القوات لكن إيران زودت النظام بالقوات البرية التي كان في أمسّ الحاجة إليها آنذاك.

يبدو أن الأسد قد أدرك أن موسكو شريك اقتصادي ودبلوماسي أقوى مقارنة مع إيران قبيل انتهاء العمليات العسكرية الهجومية الكبرى. فاقتصاد روسيا يكاد يصل ثلاثة أضعاف حجم اقتصاد إيران، ناهيك على أن العقوبات المفروضة على روسيا من الغرب أقل بكثير من تلك المفروضة على إيران.

على الرغم من أن طهران ودمشق قد وضعتا خططا لإنشاء حسابات مصرفية مشتركة للتحايل على العقوبات الغربية، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت ستنجح هذه الخطوة أم لا. كما إن الشركات الروسية لديها تكنولوجيا أفضل من تلك التي لدى إيران لتقدِّمَها للنظام.

على المستوى السياسي، دافع بوتين باستمرار عن نظام الأسد على الساحة العالمية وأمضى شهوراً في محاولة الدفع بالبلدان الخليجية والأوروبية الغنية للمساهمة في عملية إعادة الإعمار.

روسيا اليوم هي الحليف الوحيد القادر على الضغط على الغرب من أجل "تطبيع" علاقاته مع نظام الأسد وإعادته إلى الحظيرة الدولية عكس إيران.

يمكن أن يكون للولايات المتحدة دور مهم في ظل هذا التنافس الروسي -الإيراني المتزايد.

إذ من شأن هذا الاقتراح أن يدفع بإيران إلى التقليل من وجودها العسكري في سوريا، مقابل تخفيض العقوبات الأمريكية عليها والتي تلت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 في وقت سابق من العام.

في الوقت الذي تبقى فيه الطريقة التي ستساهم بها روسيا في هذا الاقتراح غير واضحة؛ إلا أنه يحقق هدفين روسيين رئيسيين، التقليل من النفوذ الإيراني غرب سوريا، وتسهيل استثمار الشركات الروسية في إيران.

اقتراح بوتين هذا -الذي أكده مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى، لكنهم رفضوا الحديث عنه بشكل علني- يضع إدارة ترامب أمام معضلة: فقبوله يعني إعطاء الحكومة الإيرانية فرصة لالتقاط الأنفاس في الوقت الذي بدأت فيه العقوبات الأمريكية بتشتيت انتباهها عن إعادة التفاوض حول الصفقة النووية وإنهاء تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية، كما إن رفضه يعني التخلي عن فرصة للتعاون مع روسيا وإسرائيل من أجل إخراجها من سوريا وكبح جماح نفوذها داخل المنطقة.

تبدو هذه الختيارات صعبة، لكن في حال أرادت روسيا السماح لإيران في الحصول على دور رائد في سوريا في فترة ما بعد الحرب وبسط نفوذها في الشرق الأوسط، فإن ذلك لا يجب أن يكون على حساب الولايات المتحدة أو يؤدي إلى حدوث تغيير في أولويات السياسة الخارجية الأميركية.

سيكون من الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة أن ترفض اقتراح بوتين وأن تنتظر إلى حين تأثير العقوبات الأمريكية بشكل أكبر على الاقتصاد الإيراني وتوغل روسيا بشكل أكبر في سوريا من خلال الدخول في المزيد من الاشتباكات العسكرية.

لقد ساعدت كل من إيران وروسيا الأسد في الفوز بالحرب، لكنهم لا يستطيعون مساعدته في تحقيق السلام داخل سوريا. لا تستطيع روسيا وإيران تحقيق الاستقرار في سوريا وتأمين مئات المليارات من الدولارات لإعادة إعمارها دون دعم من الولايات المتحدة، إلى جانب حلفائها الأوروبيين والعرب.

لذا إذا أراد بوتين التوصل إلى اتفاق، فسيتعين عليه أن ينسى تخفيف العقوبات عن طهران والتركيز بدلاً من ذلك على انتقال سياسي حقيقي في سوريا.