السبت 2018/11/10

هذه خيارات المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا لنجاح المهمة


بقلم: جوليان بارنز دايسي

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


عينت الأمم المتحدة مبعوثا جديدا لسوريا بإمكانه إحداث تغيير حقيقي في المقاربة التي تتبناها الأمم المتحدة في الصراع السوري. فبدلا من الإبقاء على عملية سياسية غير قادرة على تقديم إصلاح حقيقي، يجب على المبعوث النرويجي الجديد، جير بيدرسن، أن يعمد إلى تجميد المسار الحالي للأمم المتحدة بهدف إجبار الممثلين الدوليين والسوريين، الذين لا يزال كثيرون منهم يسعون للحصول على موافقة الأمم المتحدة، للانخراط بجدية في المسار الذي تتبناه هذه الأخيرة. باختصار، يحتاج المبعوث الجديد إلى التخلي عن العملية السياسية الحالية من أجل إنقاذ أي من المفاوضات السياسية التي ستقودها الأمم المتحدة في المستقبل.

خصص ستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة، السنوات الأربع الأخيرة في محاولة للتوصل إلى حل سياسي للملف السوري. ركز العام الماضي، على وجه الخصوص، على دفع عملية الإصلاح الدستوري التي من المفترض أن تقود إلى انتخابات برعاية الأمم المتحدة، إلا أن هذا المسار وصل إلى طريق مسدود.

لقد انتصر نظام بشار الأسد في الحرب - وإن لم يسترد البلد بأكمله – فهو اليوم غير مستعد لتقديم أي تنازلات سياسية حقيقية. وقد صرح وزير خارجية النظام مؤخرا، وأخبر دي ميستورا في رحلته الأخيرة إلى دمشق في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، أنه لا مجال أمام التدخل الخارجي من أجل إصلاح دستور البلاد.

في الوقت الذي تدعي فيه روسيا، الداعم الخارجي الرئيسي لبشار الأسد، دعمها للعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، فقد أوضحت موسكو أيضا أنها تتوقع من الأسد أن يقود هذه العملية، ولم تبد أي استعداد لدفع دمشق نحو القيام بتنازلات حقيقية بهذا الصدد.

في نهاية المطاف، من المرجح أن يؤدي استمرار دعم الأمم المتحدة والدعم الدولي لهذه المقاربة إلى أسوأ النتائج الممكنة: استمرار التنازل والقبول بالحد الأدنى من القواسم المشتركة وتأمين المشاركة الدولية في إصلاحات لا معنى لها وعملية انتخابية جوفاء بالكامل. في الوقت الذي يمكن فيه لهذه الخطوة أن تنال رضا الجهات الدولية الفاعلة التي تسعى للوصول إلى اتفاق سياسي، فإنه سيكون دون تأثير على أرض الواقع.

لقد حافظ دي ميستورا على استمرار العملية السياسية لفترة طويلة، حتى في الفترة التي عرف فيها الملف السوري نوعا من الركود، على أمل أن يقوم اللاعبون الخارجيون بتحويل المعادلة لصالحه في نهاية المطاف. إلا أن محاولاته باءت بالفشل، ليس بسبب دي ميستورا، ولكن لأن اللاعبين الدوليين لم يفعلوا الكثير للضغط على حلفائهم السوريين للمشاركة بشكل فعال فيها.

وبدلا من ذلك، استفاد الممثلون السوريون والدوليون باستمرار من التغطية السياسية التي توفرها مبادرات دي ميستورا لتعزيز أهدافهم المتناقضة على أرض الواقع.

لقد كانت روسيا والأسد في قلب عملية التضليل هذه، حيث ضغطتا من أجل تحقيق المزيد من المكاسب العسكرية حتى عندما أعربا عن دعمهما للمحادثات الجارية. لكنهم ليسوا الأشخاص الوحيدين الذين شاركوا في هذا التضليل؛ ففي الوقت الذي شجع فيه القرار الأخير للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على إعادة التزام الولايات المتحدة بالمشاركة السياسية في سوريا، مؤيدي المعارضة، تركز سياسة الولايات المتحدة اليوم على طرد إيران من البلاد إذ يتم النظر إلى العملية السياسية على أنها وسيلة لتحقيق هذه الغاية، ومن المرجح أن يشعر أي شخص يراهن على دعم الولايات المتحدة المستمر لعملية سياسية في سوريا بالإحباط.

لابد أن يحدث جير بيدرسن تأثيرا وذلك من خلال الكشف عن الدور الأجوف التي يلعبه كل من ممثلي النظام واللاعبين الخارجيين. وبدلا من محاولة إنقاذ العملية السياسية يجب عليه تجميد رعاية الأمم المتحدة لها، وإيضاح أنه لن يقوم بإدارة عملية زائفة ولن تنخرط الأمم المتحدة في أية عملية سياسية أخرى ما لم تُظهر الجهات الفاعلة التزاما حقيقيا للقيام بخطوات حقيقة نحو الأمام.

في الوقت الذي ستعارض فيه روسيا هذه المقاربة بشكل خاص، إلا أنها قد تكون الأمل الوحيد للمبعوث الجديد في إعادة تأكيد أهمية الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة، والدفع بعملية سياسية جديدة إلى الأمام. وفي نهاية المطاف، سيكون إشراف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، على هذه العملية حاسما في تقديم الدعم الكافي لضمان استمرارية هذه المقاربة، والتي يمكن تعزيزها من خلال الحصول على دعم أوروبي وحتى بالحصول على إقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة.

إن نجاح هذه المقاربة وإحراز تقدم محدود في سوريا يستند إلى رغبة عدد من الجهات الفاعلة الرئيسية في إضفاء الشرعية الدولية على الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها والتوصل إلى اتفاقية سياسية تدعمها الأمم المتحدة، والمقصود على وجه الخصوص روسيا، التي تحاول منذ فترة طويلة الحصول على الموافقة الدولية للبدء بمشروعها السوري. ويتجلى ذلك من خلال تواصلها المكثف مع أوروبا من أجل الحصول على الدعم لإعادة إعمار سوريا، الذي يستند أولا وقبل كل شيء إلى رغبتها في الحصول على دعم أوروبي لسياستها في سوريا بدلا من الرغبة في إعادة بنائها.

إن من شأن محاولة المبعوث الجديد تغيير المقاربة التي تعتمدها الأمم المتحدة بخصوص الملف السوري، أن تشكل تحديا للموقف الذي تتخذه موسكو.

وبدلا من المحاولات المستمرة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي للوصول إلى حل بخصوص الملف السوري، ستجد روسيا نفسها ملزمة بالضغط على النظام لتقديم تنازلات حقيقة تمهيدا لتدخل الأمم المتحدة سياسيا. من الجدير بالذكر أنه عندما قامت الأمم المتحدة باللعب على هذه الوتر، قبيل انعقاد المؤتمر السوري الذي رعته روسيا في سوتشي في كانون الثاني/ يناير الماضي، رضخت موسكو للمطالب الأممية.

من جانبه، يرفض الأسد علانية حاجته إلى الحصول على دعم الغرب والشرعية أو إعادة الإعمار. لكن وراء هذا التبجح نقاط ضعف؛ على سبيل المثال، فإن العقوبات الأوروبية المفروضة على القطاع المالي، لن يتم رفعها إلا من خلال عملية سياسية برعاية الأمم المتحدة، تمنع حتى الشركات الروسية من القيام بأعمال تجارية في سوريا. وفي الوقت الذي يرفض فيه الأسد الحصول على دعم مالي غربي، فهو بحاجة إلى الحصول على هذا الدعم من قنوات خارجية لتلبية حاجيات أنصاره بعد سبع سنوات من الحرب.

في نهاية المطاف، لن تؤدي هذه المقاربة إلى انتقال سياسي، كما لن تفتح الآفاق لإجراء انتخابات عادلة وقريبة الأجل. إن السعي المستمر لأي منهما سوف يؤدي إلى نتائج عكسية، إذا أخذنا بعين الاعتبار موقف الأسد والطموحات الروسية. لكن اتخاذ الأمم المتحدة مقاربة أكثر حزما ستوضح لكل من موسكو ودمشق أن الحصول على موافقة أممية ليست أمرا مسلما به، الشيء الذي من شأنه أن يعطي المبعوث فرصة أفضل للقيام بإصلاحات سياسية طفيفة.

 

يجب ألا يؤدي اتخاذ الأمم المتحدة موقفا حازما على الصعيد السياسي إلى عدم مشاركتها في العملية السياسية. على العكس، فبدلا من العمل للحفاظ على مسار سياسي عقيم، يجب على المبعوث الجديد إعطاء الأولوية للتطورات المهمة على الأرض التي تلعب دورا في تشكيل الحياة اليومية للمدنيين السوريين.

يجب أن يكون ضمان استمرار وقف إطلاق النار في محافظة إدلب ووصول المساعدات الإنسانية لجميع مناطق البلاد ضمن أولويات الأمم المتحدة. هذا بالإضافة إلى العمل على تأسيس نوع من آليات دعم الاستقرار التي يتم إدارتها بشكل محلي، إذ يمكن لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية من خلال هذه الآليات أن يقدم المساعدات بشفافية أكبر؛ من خلال توفير الأمن وحقوق الملكية للاجئين والأشخاص النازحين داخليا والذين يتطلعون إلى العودة. هذا بالإضافة إلى بذل المزيد من الجهود لمعرفة مصير عشرات الآلاف من المعتقلين في الوقت الذي لا يزال فيه مصيرهم مجهولا. يجب أن يكون إحراز تقدم في هذه القضايا أحد الشروط المسبقة الضرورية لاستئناف العملية السياسية.

وفي الوقت الذي كثر فيه الحديث عن صياغة دستور جديد لتقاسم السلطة، ينبغي على مبعوث الأمم المتحدة أن يركز في البداية على الدفع بالأسد لتنفيذ الإجراءات الدستورية كالمرسوم التشريعي رقم 107، وهو قانون ينص على لا مركزية السلطة ويمنح نوعا من السيطرة المحلية. عندها ستكون لدى كل من دمشق وموسكو مساحة أقل لاتهام الأمم المتحدة بالتدخل في القضايا السيادية إذا ركزت الأمم المتحدة على الضغط على الأسد لتطبيق القوانين السورية الخاصة.

لن تحل هذه الجهود محل التسوية السياسية اللازمة للتعامل مع الأسباب الرئيسية للحرب السورية؛ لكنها قد تساعد على خلق مستقبل أفضل للسوريين وستشكل تقدما ملحوظا مقارنة مع الوضع الراهن. وإذا فشلت الأمم المتحدة في تحقيق هذه الأهداف، فستكون على الأقل قد نأت بنفسها بعيدا عن عملية سياسية عقيمة.