الأربعاء 2017/12/06

هذه الأسباب ستجعل سوريا “ثقباً أسود” في الشرق الأوسط

العنوان الأصلي : الأسباب التي من المحتمل أن تجعل سوريا ثقباً أسود في الشرق الأوسط 

المصدر: ناشونال إنترست

بقلم: دانييل ديبيتريس

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


التقى الأسبوع الماضي ممثّلو نظام بشار الأسد وأعضاء المعارضة السورية للمرة الثامنة بجنيف، فيما أسماه المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي مستورا بالفرصة الأفضل لمناقشة الانتقال السياسي في البلاد بين أطراف النزاع. ولسوء الحظ، لم يكن هناك الكثير، إن لم نقل ليس هناك شيء لمناقشته. فقد تمسك الطرفان بمطالبهما المُطلقة، كما إن توصل أطراف المباحثات لحلول وسطى بخصوص المستقبل السياسي لسوريا بعيدُ المنال.

خلال السنوات الثلاث الماضية، أصبحت مهمة الأمم المتحدة في حل النزاعات واحدة من أصعب المهام على وجه الأرض. فقد ضغط دي مستورا وحثَّ الهيئة العليا للمفاوضات للاعتراف بضعف موقفها على الأرض، مشيرا إلى أن ضعف الموقف في الحرب يؤدي إلى ضعف الموقف على طاولة المفاوضات. لم تلق هذه النداءات آذانا صاغية، كما إن وفد المعارضة وقيادته الجديدة لا تريد الاستماع لأي من الاقتراحات المعروضة عليهم للعدول عن مطلبهم الذي يقضي بضرورة رحيل الأسد خلال مرحلة انتقالية.   فبعد مقتل أربعمئة ألف سوري، والقصف التعسفي على الأهداف المدنية بلا هوادة، وكذا تدمير النسيج الاجتماعي السوري، وانهيار اقتصاده، بالإضافة إلى انتهاك النظام لكل القوانين الدولية لحقوق الإنسان، لا يمكن للمعارضة أن تؤيد استمرار الأسد في السلطة.  إنها عملية تفكير يتدخل فيها كمٌّ هائل من العاطفة، على الرغم من أنها مفهومة بشكل كلي.

يواصل المفاوضون في النظام في هذه الأثناء إصرارهم على أن الأسد هو "الرئيس الشرعي" للجمهورية العربية السورية، ويصفون المطالب التي تفضي بإزالته قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا التي ستجري في 2021 بأنها لا تتسم بالمصداقية. فمسؤولو النظام مقتنعون بأن المعارضة ما هي إلا أداة خاضعة لإملاءات أجنبية ووسيلة تستخدمها كل من السعودية والولايات المتحدة وتركيا لتحقيق مخططاتها.

فشلت سبع دورات من المفاوضات السورية منذ كانون الثاني/ يناير 2016 في سدّ الفجوة السياسية بين النظام والهيئة العليا للمفاوضات. وكانت عملية التفاوض التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف عقيمة ودون جدوى؛ ما دفع مسؤولي الأمم المتحدة إلى اعتبار المشاركة فيها إنجازاً. كما إن بعضا من الإحاطات الإعلامية التي أدلى بها دي مستورا خلال وبعد مفاوضات جنيف بدت غير واقعية، كما لو أن الأفكار المعروضة من الجانبين حول ما يجب أن ينطوي عليه الانتقال السياسي قدّمت انفراجا للأزمة. وبطبيعة الحال، لم يكن هناك أي نوع من الاقتراحات حول أي من القضايا الرئيسية في أجندة المفاوضات خلال هذه العملية التي استمرت عامين.

فما الذي يمكن توقُّعُه من الجولة الثامنة من المفاوضات والتي من المقرر أن تنتهي في أواسط كانون الأول/ ديسمبر الحالي؟ للأسف، لا شيء على الإطلاق.

مع سيطرة النظام على المدن الرئيسية، والمطارات والموانئ ووجود معظم سكان البلاد في مناطق سيطرته، كلها تفضي إلى انتصار الأسد في الحرب بالنظر إلى كل الأغراض والمقاصد. وإن كان لم يفز بالحرب بعد فقد اقترب من تحقيق هذا الهدف. إذ تتسع رقعة الأراضي التي يسيطر عليها النظام (أو تحت سيطرة المليشيات الموالية للنظام) مع مرور الوقت.  من كان يظن العام الماضي أن تسيطر قوات النظام على دير الزور؟ كما إن ما تبقى تحت سيطرة المعارضة المعتدلة يقتصر على قسم محاصر من المنطقة الغوطة، ومحافظة إدلب ، بالإضافة إلى بعض المناطق في الجنوب والتي لم تسخّر دمشق لها الكثير من القوات بعد.

فلا يتوافق حجم الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة مع مطلبها برحيل الأسد وتخليه عن السلطة وإخراج نفسه وعائلته من الساحة السياسية للأبد وإعطاء المجال للحكومة الانتقالية التي ستقوم بترتيب انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الدولي.  فالباحثون في الشأن السوري، كأندرو تابلر، ممن يرون أن الولايات المتحدة لا يجب أن تقبل بمشاركة الأسد في انتخابات رئاسية مقبلة يجهلون ببساطة أن واشنطن، حالها حال الهيئة العليا للمفاوضات، لا تملك الكثير من القوة في هذه الوضعية.

إذا كان يرجو دي مستورا نتائج أفضل في الجولة الثامنة من المفاوضات من تلك التي أسفرت عنها الجولة السابقة فسيصاب مجددا بخيبة أمل كبيرة.  فلا يتطلب الأمر دبلوماسياً محنّكاً للتكهُّن بذلك. فما دامت الأوراق كلها بيد الأسد فلن يقوم بإصلاح سياسي. إذ إن نظام الأسد لم يقدم أي تنازلات دستورية سياسية كبرى قبل التدخل الروسي - عندما كانت مسألة بقائه غير مرجحة- وهو لن يقدمها الآن وقد أصبحت كفة الحرب تميل لصالحه منذ عامين.

إن توقع خلاف ذلك هو بمثابة توقع أن يستثمر ملياردير المزيد من الأموال في تجارة بائرة لأنه شعر بالأسف على عارضيها. والواقع أن قرار وفد النظام بالانسحاب من مباحثات جنيف على إثر تواصل ضغط المعارضة ومطالبتها باستقالة الأسد فورا هي أوضح إشارة يمكن أن ترسلها دمشق للتعبير عن ازدراءها للعملية برمتها.

في هذه المرحلة من الصراع، من الصعب أن نعتقد أن الحرب ستنتهي من خلال ترتيب سياسي. وإذا انتهت من خلال ترتيب كهذا، فلن يكون ترتيبا يرضي خصوم الأسد.