الأربعاء 2017/10/04

هذا الثمن الذي دفعه الأسد لينتصر

العنوان الأصلي : انتصار الأسد في سوريا جاء على حساب فقدانه السيطرة على البلاد

ترجمة : مركز الجسر للدراسات 

قبل أربع سنوات، تناقصت سيطرة القوات التابعة لنظام الأسد على البلاد، وتزايدت هجمات المقاتلين الثوار على بعض المناطق الرئيسية والاستراتيجية التابعة له، فاعتقد الجميع أنها مسألة وقت فقط قبل يصبح الأسد ومُوالوه في غياهب النسيان.

ومع زحف موجة العنف التي اجتاحت البلاد أكثر فأكثر نحو دمشق، وإلقاء مجموعات الثوار قنابل الهاون عليها، تضاربت الشائعات حول مصير الأسد.

وذكرت جريدة سعودية يومية حينها في تقرير لها أن الأسد قلقٌ إزاء سلامته وسلامة عائلته، وأنه قرر إحاطة نفسه بعناصر من الجيش الروسي الموجودين على سفينة حربية روسية بالقرب من ساحل محافظة اللاذقية، لحراسته باعتبارها أكثر أماناً مقارنة بالقصر الرئاسي.

بالنسبة للكثيرين في واشنطن ممن اعتقدوا أن سياسية الولايات المتحدة في سوريا ستكون أكثر حزما، بدا وكأن هناك بصيصا من الأمل،  فعبر إعطاء المعارضة المزيد من الوقت ستتمكن من إجبار الديكتاتور السوري على الرحيل.

وطبعا، لم يحصل شيء من هذا القبيل، فعلى الرغم من الضعف الذي عانى منه جيش الأسد جراء التناقص الشديد في أعداده والإصابات التي شهدتها صفوفه وانشقاق العديد منهم، إلا أنه ظل متماسكاً في العمق، وظل المسؤولون العلوين أوفياء للنظام طيلة هذه السنين من أجل الدفاع عن دمشق والمحافظات الرئيسية في مختلف أنحاء البلاد.

ما كان فقدان سيطرة النظام على كل من الرقة وإدلب ودير الزور ليشكل تهديدا له،  فلم تكن هذه المناطق مهمة لضمان استمراره؛ كونها بمنأى عن الأراضي التي يحتاجها لذلك، ومن ثم  تمت محاصرتها وضربها بشكل متقطع من قبل الطائرات السورية.

توشك دمشق اليوم على استعادة دير الزور إذ تقوم القوات التابعة للنظام بتشديد الحصار على مقاتلي تنظيم الدولة الذين سيطروا على معظم المدينة لسنوات. في حين يتم  تمزيق الرقة إلى أشلاء، إثر الهجمات التي تشنّها طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وقوات سوريا الديموقراطية من كل الجهات، للقضاء على ما تبقى من مقاتلي التنظيم في المدينة.

أما بالنسبة للمناطق الأخرى، فالأسد إما موشك على النصر،  أو أنه مشارك في الحرب ضد ما يمكن أن يوصف على مضض بمجموعات الجهاديين الثوار الذين تتم محاصرتهم في محافظة إدلب. فقوات النظام والمليشيات الشيعية المتحالفة من إيران وأفغانستان وباكستان يستغلون بمكر اتفاقات خفض التصعيد التي تم توصل إليها برعاية روسية  من أجل القيام بعمليات هجومية في نفس تلك الأماكن كلما سنحت لهم الفرصة بذلك. وحلب التي تعتبر مرتعا للكوادر الثقافية والتاريخية والفكرية، أصبحت اليوم مسرحا للدمار والأشلاء والجثث المتعفنة. أما اللاذقية، التابعة للنظام، فلم تعد هدفاً للهجمات المنظمة والمتقطعة التي يشنها الثوار.

كما أُخليت الأقاليم الخاضعة للمعارضة في حمص من المدنيين والمقاتلين على حد سواء في واحدة من عمليات الإخلاء القسري العديدة التي أجبر النظام خصومه المسلحين على توقيعها.قُتل العديد من العناصر الذين ينتمون إلى ما تحب أن تطلق عليه كل من واشنطن ولندن والرياض بالمعارضة "غير متشددة" أو "المعتدلة"، التي كانت تشكل قوة فيما مضى، على يد النظام والروس والإيرانيين. فاعتقل بعضهم، وعُذب آخرون وتمت تصفية الباقين في السجون الوحشية ومراكز الاستجواب السرية التابعة للنظام، فيما أُجبر آخرون على الانضمام إلى الفصائل الجهادية، وخُيروا بين تسليم أسلحتهم والانضمام إلى هذه الفصائل أو قتلهم بلا رحمة.أما بالنسبة للجيش السوري الحر -كما يحب أن يطلق عليه البعض-، فقد أثبت عدم كفاءته على أرض المعركة، الشيء الذي دفع بالرئيس دونالد ترامب إلى إنهاء برنامج وكالة الاستخبارات الأمريكية الذي كان يدعمه. ففي النهاية، ما الفائدة من تسخير ملايين الدولارات من أموال الضرائب الأمريكية وضخّها في خزائن المعارضة المعتدلة إذا كان الناس الذين يتم تزويدهم  بالبنادق والذخيرة غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم؟     من الصعب تقبُّل الأمر، لكن الأسد انتصر في الحرب، واستعمل نفس الأساليب التي تصفها كل من الولايات المتحدة وأوربا بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية - من قصف جماعيّ للمدنيين، وتدمير للمستشفيات والعيادات الطبّية والمدارس، وتجويع المدنيين وإلقاء الغازات السامة على الأطفال - من أجل استرجاع سيطرته على الأراضي.

فالإرهاب الروسي والإيراني المطلق ودوره في إفشال إمكانية التوصل إلى حلّ استراتيجي في الشرق الأوسط، وكذا محاولات الأسد المتتالية تشويه البعد الديموقراطي للثورة من خلال إطلاق سراح الإرهابيين من جديد في الشوارع، كلها عوامل ساهمت في الحالة التي وصلت إليها سوريا اليوم.

كان ثمن انتصار الأسد باهظا، دفعته كل من سوريا والشعب السوري،  فلم يُقتل مئات الآلاف من المدنيين فقط من طرف حكومتهم، بل هُجِّر الكثيرون من ديارهم وأصبحوا لاجئين في كل من الأردن وتركيا ولبنان وأوربا. ولم يقم دكتاتور سوريا بهذا وحسب، من أجل النجاة بجلده والحفاظ على النظام الذي أسسه والده قبل عقود، بل قام بالتضحية بسمعة سوريا كدولة تدافع باستماتة عن استقلالها وسيادتها، وحوّلها من دولة ذات سيادة ولاعب رئيسي على الساحة الجيوسياسية والدبلوماسية في الشرق الأوسط، إلى دولة وهمية خاوية على عروشها؛ فسوريا الآن قابعة تحت سطوة روسيا وإيران للتفاوض حول اتفاقات وقف إطلاق النار وخفض التصعيد نيابة عن حكومة النظام، وكأن الساسة السوريين عديمو الفائدة وسينفذون ما ستطلبه منهم موسكو وطهران. بالفعل، فمصير سوريا الآن في يد الحرس الثوري الإيراني والجيش الروسي، وليس في يد الجيش السوري أو الطبقة السياسية في سوريا. إذ إن اعتماد الأسد الكلي على مسؤولي الاستخبارات الإيرانية وحزب الله والمليشيات الشيعية والعصابات الإجرامية والطيارين والمستشارين الروس، دليل على أنه ليس سوى بيدق تحت رحمة حاميه.

فهنيئاً لك، سيضطر المجتمع الدولي لتحمُّل النظر في وجهك لسنوات. لكن لا تحاول تحريف حقيقة ما قمت به كي تظل في الحكم. فأنت الآن على رأس أنقاض دولة تشبه مُدنُها ما حدث في مجزرتي دريسدن وطوكيو نحو سنة 1945، وبلاد فقد اقتصادها الكثير من عائداته ومجتمع فقد العديد من مفكريه ومواطنيه جراء نزوحهم وهو ما لا يمكن تعويضه لأجيال.