الخميس 2018/05/24

نيويورك تايمز.. برنامج إيراني سري لتطوير الصواريخ في الصحراء

المصدر: نيويوك تايمز

بقلم: ماكس فيشر

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


أدى الانفجار الذي حدث سنة 2011 إلى تدمير موقع إيراني خاص بإنتاج الصواريخ بعيدة المدى؛ كما أدى أيضاً إلى قتل العديد من العاملين في البرنامج. اعتبر محللون غربيون الانفجار نهاية مدمّرة لطموحات طهران التكنولوجية.

ومنذ ذلك الحين، لم تظهر أية أدلة على أن طهران تقوم بتطوير برنامج الصواريخ بعيدة المدى، كما نفى كبار القادة الإيرانيين نيّتهم العمل على تطوير هذا البرنامج.  لكن فريقاً من خبراء الأسلحة والباحثين في كاليفورنيا قاموا مؤخراً بمراجعة برامج تلفزيونية إيرانية جديدة تمجّد العلماء العسكريين، وبدلاً من أن تكون هذه البرامج دروساً في التاريخ، عثروا على سلسلة من الأدلة قادتهم إلى استنتاج مذهل؛ وهو أن العالم الإيراني، الجنرال حسن طهراني مقدم، أشرف قبل موته على تطوير منشأة سرية ثانية في الصحراء الإيرانية النائية، وما زالت تعمل إلى يومنا هذا.

قام الباحثون طيلة أسابيع بتحليل عدد من الصور التي تم التقاطها عبر الأقمار الصناعية، والتي أظهرت فعلاً وجود أعمال في الموقع، حيث تتركز هذه الأعمال على تصنيع محركات الصواريخ المتطورة، وغالباً ما تتم هذه العمليات في جنح الظلام.

إلا أنه من المحتمل أن يكون عمل المنشأة مقتصرا على تطوير الصواريخ متوسطة المدى فقط، والتي تملكها إيران فعلاً، أو ربما تقوم ببرنامج فضاء متطور بشكل غير اعتيادي. غير أن تحليلاً للمنشآت والعلامات الأرضية التي تم التقاطها، يرجّح فرَضية قيام الموقع بتطوير تقنية صواريخ بعيدة المدى، رغم عدم وجود دليل ملموس بحسَب الباحثين.

إذ لا يمكن اعتبار هذه البرامج انتهاكاً للاتفاقية الدولية التي تهدف لمنع إيران من تطوير سلاح نووي، أو أي اتفاق آخر. وعلى الرغم من ذلك فإذا اكتمل هذا البرنامج فإنه يمكن أن يهدد أوروبا، ويحتمل أن يصل تهديده إلى الولايات المتحدة، وإذا ثبت أن إيران تقوم بتطوير صواريخ طويلة المدى، فإن ذلك سيزيد من التوترات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

وكان خمسة من الخبراء الخارجيين الذين قاموا بمراجعة النتائج بشكل مستقل، أكدوا وجود أدلة دامغة على أن إيران تطور تكنولوجيا صواريخ بعيدة المدى.

وقال مايكل إيلمان، خبير الصواريخ في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي قام بمراجعة الصور الملتقطة: "يسلّط التحقيق الضوء على بعض التطورات المثيرة للقلق". مضيفاً أنه لا وجود لدليل مباشر، لكن تُظهر المعطيات الخطوات الأولية "لتطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات خلال خمس إلى عشر سنوات قادمة، إذا رغبت طهران في القيام بذلك".

ورداً على سؤال حول النتائج التي توصّل إليها باحثو الأسلحة، امتنع "علي رضا مريوسفي"، المسؤول الإعلامي في بعثة الأمم المتحدة بإيران، عن الإجابة قائلاً:  "لا نعلِّق على القضايا العسكرية".

منشأة شهرود:

وعثر الباحثون، في معهد ميدلبري للدراسات الدولية بكاليفورنيا، على هذه المنشأة الإيرانية بعد فترةٍ قصيرةٍ من اقتراح الباحث "فابيان هينز" إجراء دراسة للمواد الإعلامية الإيرانية الأخيرة حول الجنرال مقدم. فقد أراد هينز معرفة إذا ما كانت تحتوي المواد على أدلةٍ حول مدى تقدُّم برنامج الصواريخ الإيراني قبل موت الجنرال.

لكن التعليقات التلقائية التي صدرت من طرف زملاء الجنرال وأفراد أسرته في وسائل الإعلام الإيرانية تشير ضمنياً إلى أن عمله استمر في الخفاء، بحسب ما جاء على لسان الباحثين.

كما وجد هينز أيضا تلميحا قويا عن مكان المنشأة؛ ففي منشور أصدرته جمعيةٌ للصحفيين الإيرانيين في 2017، رأى صورةً غير مؤرخة للجنرال مقدم إلى جانب ملازم أول وصندوق يحمل اسم "شهرود"، فقد لفت هذا الاسم انتباه هينز.

أطلق اسم شهرود، تيمنا ببلدة تبعد 40 كيلومترا عن موقع نُفذت فيه عملية إطلاق صاروخ اختبارية سنة 2013، واعتُبر مهجورا منذ ذلك الحين، حتى عندما رصده القمر الاصطناعي.

لكن هل الوضع كما يبدو؟

لاحظ الباحثون، على مدار سنواتٍ من التصوير عبر الأقمار الاصطناعية، أنَّ عدد المباني زاد ببطء مع مرور الوقت. ورصد المحللون أيضاً تفاصيل لن يلاحظها إلا أحد المهتمين المُخلصين لعمل الجنرال مقدم، حيث تم طلاء المباني باللون الأخضر. فقد أمر الجنرال مقدم، المعروف بكونه غريب الأطوار وذي إرادةٍ قوية، بطلاء أول منشأةٍ له، التي دُمِّرَت في الحادثة، باللون نفسِه. كما يَظهر الآن نفس هذا اللون على مجموعة من المباني المُبهمة في الصحراء على بعد نحو 300 ميل.

لم يُثبت هذا الأمر وحده شيئاً، لكنه دفع الباحثين إلى النظر عن كثب، وبمجرد أن فعلوا، رأوا أن الأمر يتجاوز مجرد طلاء مثير للشكوك.

علامات أرضية:

يمكن تطوير العديد من التقنيات العسكرية، على الأقل في المراحل المبكرة، داخل المنشأة؛ إذ يمكن إخفاء مختبرات الصواريخ الباليستية، وأنفاق الرياح، ومرافق التخصيب، في المباني أو تحت الأرض.

لكن الصواريخ الباليستية تتطلب ظروفاً استثنائية، فيجب تركيب محركاتها في منصات بالخارج لاختبار فاعلية إطلاقها، وهي مرحلة خطيرة عادة ما تجري في الهواء الطلق. ويمكن لاختبارات المحركات، عندما تتم في المساحات الصحراوية كتلك التي حول شهرود، أن تخلف ندبات على الأرض تأخذ شكل ألسنة لهب في التضاريس الأرضية.

عثر الباحثون وهم يفحصون صور الأقمار الاصطناعية للمنطقة المحيطة بشهرود، في حفرة على بُعد بضعة كيلومترات، عثروا على ما يصفونه بندبتين أرضيتين أكبر من تلك الموجودة في المنشأة المعروفة للجنرال مقدم.

كانت الندبات حديثة الظهور. ظهرت واحدة في عام 2016، والأخرى في يونيو/حزيران 2017.

وفحص الباحثون منصات الاختبار، التي عادة ما تزن ما بين 4 و6 أضعاف قوة المحرك الذي يجري اختباره. حيث يمكن رؤيتها، ما يسمح باستنتاج وزنها من أبعادها.

ويقول الباحثون إن اختبار شهرود لعام 2017 استخدم منصة يُقدَّر وزنها بنحو 370 طنا، ما يشير إلى أن قوة دفع المحرك تتراوح بين 62 و93 طناً، وهو ما يكفي لبناء صاروخ باليستي عابر للقارات؛ في حين لاحظوا وجود اثنتين من منصات الاختبار التي لم يتم استخدامها حتى الآن، تفوقان المنصة الأولى حجما.

أنشطة سرية:

لقد كانت هناك دلائل أخرى أيضاً؛ إذ يقول الباحثون إن منطقة شهرود تحتوي على 3 حفر من النوع المستخدم في صب أو معالجة مكونات الصواريخ. إحداها لها قُطر يبلغ 5.5 متر، أكبر بكثير من تلك المستخدمة لصنع الصواريخ الإيرانية متوسطة المدى.

وأكدوا أن المنشأة لا تزال نشطة، مستعينين بنوع جديد من صور الأقمار الاصطناعية معروف باسم "الرادار ذو الفتحة الاصطناعية". يكشف هذا النوع من الأقمار الاصطناعية، عبر إطلاقه موجات راديوية وقياس صداها، عن تفاصيل أكثر من تلك التي تحملها الصور الفوتوغرافية. وبسبب الطريقة التي يخزّن بها البيانات، يُمكنه تتبُّع التغييرات الدقيقة بين مجموعتين من الصور، مثل الآثار التي يخلّفها شخص يسير بين المباني.

وقال ديفيد شمرلر، أحد الباحثين المقيمين بكاليفورنيا: "يمكننا أن نرى حركة مرور بشرية، ونشاطاً بشرياً لا يلتقطه القمر الاصطناعي التقليديّ. كانوا يتحركون في جميع أنحاء الحفرة، حيث تجري اختبارات المحرّك".

وبدا أنَّ ثمة آثاراً لمرور سيارات ثقيلة داخل نفق تحت الأرض وخارجه، ما يشير إلى أنَّ "شهرود" مُقام فوق هيكل كبير قائم تحت الأرض على حد قول الباحثين، مع أنَّهم لم يستطيعوا تحديد الغرض منه.

وصُدم الباحثون بالوقود، بشكلٍ خاص، أو على نحوٍ أدق من حقيقة أنَّ القمر الاصطناعي لم يرصد أياً منه؛ لا صهاريج تخزين، أو شاحنات أو محطات وقود، ما يؤكد شكوكهم بأنَّ شهرود يبني محركات تستهلك الوقود الصلب.

يُعتبر الوقود الصلب أكثر صعوبة وخطورة في تطويره من النوع السائل. وبينما يُستخدم أيضا في البرامج المدنية مثل رحلات الفضاء، فإن استخداماته العسكرية كثيرة.

ويجب إمداد الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل به قبل إطلاقها مباشرة، الأمر الذي يتطلب وقتاً كافياً وسهولة في الحركة إلى مرافق خاصة بتزويد الوقود، ما يُسهّل على قوات العدو العثور عليها وتدميرها؛ أما الصواريخ التي تعمل بالوقود الصُّلب، فيمكن إخفاؤها في المواقع النائية وإطلاقُها في أي لحظة.

أسئلةٌ لم يتم الإجابة عنها بعد:

قال جيفري لويس، قائد فريق كاليفورنيا الذي كشف عن وجود المنشأة: "لقد اكتشفنا وجود هذه المنشأة بالصدفة، والذي كان على وشك الانتهاء أكثر بكثير مما كنا نتوقع".

لكن، ما الشيء الذي كان البرنامج قد اقترب من تحقيقه؟

قد تكون نسخة أكثر تطوراً من صواريخ إيران الحاليّة متوسطة المدى. لكنَّ هذا لا يفسر لمَ تبدو المنشآت مصمَّمة لصواريخ أكبر، أو يبرّر السرية التي أحاطت بهذا العمل.

وقد تكون صواريخ مصممة لإطلاقها في الفضاء، مع أن ذلك ليس بالضرورة شيئاً حميداً؛ ففي كثير من الأحيان، تطوِّر بعض الدول صواريخ مصمَّمة لإطلاقها في الفضاء، كنموذج اختبار لصواريخ باليستية عابرة للقارات. الجدير بالذكر أن كوريا الشمالية والهند بدأتا برنامجيهما للصواريخ الباليسيتية العابرة للقارات بالطريقة نفسها.

وقدَّر لويس عدد الصواريخ التي يمكن أن تنتجها حُفَر الصبّ والمعالجة الموجودة في شهرود سنوياً بـ 3 صواريخ، وهذه كمية غير كافية لصنع ترسانة أسلحة، لكنها مناسبة لبرنامج صواريخ مُصممة لإطلاقها في الفضاء، ما يعني أن ذلك قد يطوِّر الدراية التقنية بصناعة صواريخ باليستية عابرة للقارات، دون القدرة على صناعتها بالفعل.

ويبدو أن ماجد موسوي، الضابط في الحرس الثوري الإيراني الذي يُعتقد أنه خليفة حسن طهراني مقدم، أدلى بالكثير من التصريحات في لقائه الصحفي المعروف الوحيد؛ إذ قال موسوي في عام 2014، إن برنامجا فضائيا سمح للعلماء بمواصلة عملهم مع الالتزام بأوامر القادة الإيرانيين بعدم إنتاج صواريخ يزيد مداها عن 2000 كيلومتر.

ومع ذلك، قال ديفيد رايت، أحد خبراء الصواريخ في اتحاد العلماء المهتمين بالمسألة، إنَّ تركيز منشأة شهرود على المحركات التي تعمل بالوقود الصلب يشير إلى أنَّ أي برنامج فضائي هناك مُصمّم من أجل تطوير تقنياتٍ صاروخية.

وقال رايت: "إذا كان الهدف هو إطلاق أقمار اصطناعية، فمن الأكثر منطقية استخدام صواريخ تعمل بالوقود السائل"، مشيراً إلى أنَّ الوقود الصلب يتضمن بضعة استخدامات في الأغراض السلمية، لكنَّه "وسيلةٌ مناسبة كذلك لتطوير تقنية صناعة صاروخ باليستي صُلب عابر للقارات".

من الصعب تحديد ما إذا كانت إيران ستطوّر هذه التقنية لتكون إجراء احترازياً في حال تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة، أو ورقة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية، أو اختباراً تجريبياً للصواريخ التي ما تزال تفصلها عن صناعتها سنوات.

إجراءات احترازية:

وقالت دينا إسفندياري، الخبيرة في الشؤون الإيرانية لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، "لعلهم يعتبرون العمل في المنشأة ضمانة وقائية على الأرجح في حال انهيار الاتفاق النووي. إذ لا يبدو أن إيران تتجه بسرعة صوب إنتاج صاروخ بعيد المدى، لكنها تمهد الطريق نحو ذلك حتى تستطيع صناعته إذا رأى القادة الإيرانيون يوماً ما أنَّ البلاد بحاجةٍ إليه، إذ تبقي هذه المنشأة خياراتهم مفتوحة".

بينما استنتج لويس أن البرنامج يتعمّد تأخير إنتاج صاروخ فعّال طويل المدى. لكنه حذَّر من أنه إذا نجح ترامب في إلغاء الاتفاق النووي أو شعرت إيران بأي تهديد، فقد تُمكِّنها شهرود من امتلاك صاروخ بعيد المدى بسرعة أكبر من السرعة المعتادة.

مضيفا "إننا نستهين بمدى قدرة الإيرانيين مثلما فعلنا مع كوريا الشمالية"، مشيراً إلى نجاح كوريا الشمالية المفاجئ السريع في تطوير صواريخ الباليستية العابرة للقارات. وأضاف أن "الإيرانيين يكبحون جماحهم لأسباب سياسية، وإذا ما أثرنا حفيظتهم فلن يكون رد فعلهم في صالحنا".

في يوليو/تموز عام 2017، اشتكى "أمير علي حاجي زاده"، أحد ضباط الحرس الثوري الإيراني، في تصريحات لعائلات بعض الأفراد العسكريين، من أن "بعض السادة" في الحكومة يُعطِّلون العمل على صاروخٍ مُصمم للإطلاق في الفضاء " تم تخزينه بسبب الخوف من أميركا مع أنَّه جاهزٌ للإطلاق"، مضيفاً: "هذا مرفوض بالنسبة لنا، إلى متى سنُضطر إلى إذلال أنفسنا؟".

وقالت دينا إنه مع انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، قد يجد بعض المتشددين أمثال "حاجي زاده" فرصة أفضل للضغط من أجل استئناف هذا العمل. وأضافت: "لقد تغير الوضع؛ إذ لم يعد هناك سقف لأنشطتهم الرامية إلى صناعة الصاروخ، ولديهم دليل على أن الغرب لا يحترم التزاماته".